إن الحمد لله ... أما بعد : -
فلا يعرف الإسلام إلا من جرب الجاهلية، ولا يعرف الهداية إلا من ذاق العيشة الضنك الشقية (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) .
أيها الإخوة: إن كان شيئ يغتبط به في هذه الدنيا فهو النعمة التي اختارنا الله لها، واجتبانا من أجلها (هو اجتباكم) أي: يا هذه الأمة، الله اصطفاكم واختاركم على سائر الأمم، وفضلكم وشرفكم وخصكم بأكرم رسول، (وما جعل عليكم في الدين من حرج) أي: ما كلفنا إلا ما نطيق، ومن أصول ديننا: المشقة تجلب التيسير، والسعة مع الضيق
(يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)
ثم سمانا ربنا باسم يدل على السلامة والاستسلام (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) فهي تسمية قديمة، مذكورة، مشهورة في الكتب السابقة، وهي ثابتة أيضا في هذا القرآن قال الله تعالى (وَفِي هَذَا) أي: في هذا الكتاب، وفي هذا الشرع، فما زال هذا الاسم لكم قديما وحديثا، (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ) بأعمالكم خيرها وشرها .
(وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) لكونكم خير أمة أخرجت للناس، أمة وسطا عدلا خيارا .
فهذا التشريف قرينته المسؤلية والتكليف فأنتم تشهدون للرسل أنهم بلغوا أممهم، وتشهدون على الأمم أن رسلهم بلغتهم بما أخبركم الله به في كتابه!
يا أمة الإسلام أي خير تطلبونه بعد هذا الخير.
أتريدونها يهودية مغضوبا عليها، أم نصرانية ضالة في طريقها
(قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم)
(إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين أولئك هم شر البرية)
فاللهم لك الحمد لم تجعلنا من أمم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل .
وإن من آكد ما نتواصى به في هذا الزمن زمن المتغيرات والأمور المتسارعات من خير ما نتواصى به هو التواصي بالحق والتواصي بالصبر .
وإلا، فلله في خلقه سنن لا بد أن يمضيها ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم.
فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: صَحِبْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَنًا كَأَنَّهَا قِطَعُ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا، ثُمَّ يُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا، ثُمَّ يُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ أَقْوَامٌ خَلَاقَهُمْ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا يَسِير »
قَالَ الْحَسَنُ البصري – رضي الله عنه -: «وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ صُوَرًا وَلَا عُقُولَ، أَجْسَامًا وَلَا أَحْلَامَ، فَرَاشَ نَارٍ وَذِبَّانَ طَمَعٍ، يَغْدُونَ بِدِرْهَمَيْنِ، وَيَرُوحُونَ بِدِرْهَمَيْنِ، يَبِيعُ أَحَدُهُمْ دَيْنَهُ بِثَمَنِ الْعَنْزِ» !
ألا وإن من سنن الله التي لابد من وقوعها، وتسارع الناس فيها ما حدث به أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ! قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ: فَمَنْ ) متفق عليه .
هذا معاشر الإخوة هو التقليد الأعمى الذي تعيبه العقول ويعافه سليم الفطرة هو أيضاً مما تبأ وحذر منه صاحب الشرعة الذي لا ينطق عن الهوى إنه هو إلا وحي يوحى صلى الله عليه وسلم
أيها الإخوة: نقرب حديثنا أكثر لنرى في عالمنا شاهدا لما صح به الخبر، وتطبيقاً مسموعاً، وعاينه النظر، وأهتم له كثير من البشر .
يقولون: العالم اليوم أصبح قرية واحدة، تقاربت الشعوب، وتداخلت الثقافات، وذابت كثير من الفروقات ولهذا ضريبة قاصمة يبذلها الأعلى حينما ينزل للأدنى .
العالم النصراني في الشرق والغرب ومن دار في فلكهم واتبع سننهم يحتفلون هذه الأيام بعيد رأس السنة الميلادية الكرسمس .
ولهم في ذلك طقوس وترتيبات تبذل لها الأموال الطائلة والاستعدادات الهائلة حتى تبلغ ذروتها في آخر ليلة من السنة الميلادية في منتصف ليلة إحدى وثلاثين ديسمبر
فدعنا نلقي إطلالة مختصرة على حقيقة هذا العيد وقبل ذلك هو عيد للنصارى بل هو لمعظمهم ليس لجميعهم ومن طريف أخبار النصارى أن منهم من ينكر هذا العيد وتوقيته ولهم يوم آخر ويحذرون أتباعهم من مشاركة النصارى في عيدهم هذا !.
(ولا يزالون مختلفين) والحمد لله !
أما المؤرخون: " فإنهم يؤكدون أن ما يقوم به النصارى هو صورة طبق الأصل لما كان يحتفل به الوثنيون في أوربا قبل ميلاد المسيح بوقت طويل. وأن المسيح عليه السلام لم يولد في هذا الموعد الذي يحتفل به اليوم في البلاد النصرانية.
وأما الشجرة التي نبرز في ذلك اليوم وتعلق عليها الأنوار والشموع ويتباهون في تكبيرها فهي رمز للحياة السرمدية، أصلها من الوثنيين الذين يقدسونها وربما سميت "بشجرة الجنة" ثم سميت فيما بعد شجرة عيد الميلاد فهذه أهم الجذور الوثنية للأعياد النصرانية اليوم والتي يعتبرونها أكبر مظاهر دينهم .
فهل يعرف النصارى حقيقة عيدهم ؟!
لا يعرف ذلك كثير منهم بل أكثرهم !.
وإنما غاية ما عندهم أن يجد إجازة من عمله في هذا العيد ليزيد من سكره وعربدته في فوضوية بهيمية ينشط في تلك الليلة السراق ولذلك تعلق المحلات وتحصن البنوك .
عيد غير مشرف، وأعياد الأمم والدول عنوان ثقافتها، ورسالة حضارتها، وهي مرآة صادقة لعقولهم واهتماماتهم ولذا قيل: إذا أردت أن تتعرف على قوم فانظر إليهم في يوم عيدهم، واحتفالاتهم فإنه يختصر لك ما في نفوسهم، وينبئك عن أخلاقهم .
اللهم لك الحمد أن هديتنا للأسلام
الحمد لله .. أما بعد:-
فيأتي كلامنا وكلام غيرنا عن عيد اختص به الكفار حينما أصيب كثير من أبناء المسلمين ومثقفيهم بالإعجاب بالرجل الأجنبي ، والحياة الغربية وتولد عندهم ما يسمى بـ " عقدة الخواجة "، وأصبحوا كثير منهم يحاكي تلك الشعوب وأولئك الأقوام في كثير من أساليب حياته وربما لبس لبسهم ووضع أساوير في يده، وعلق سلسالاً في عنقه، وقد يبلغ به سكر الإعجاب أن يتمثل شخصيتهم، ويقص شعر رأسه ويحلق لحيته بما يشابه طريقتهم، ثم قد يتبنى شيئاً من أفكارهم فلم تعد القضية تشبها في الظاهر حتى أورث إعجاباً في الباطن وهذا ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (من تشبه بقوم فهو منهم)
قال شيخ الإســلام: "وهــــذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظــاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله تعالى (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)
أيها الإخوة: متى نعرف أنفسنا ؟ وندرك من نحن ؟
ومتى نؤمن يقينا لا يقبل الشك في قوله تعالى (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون) ؟
والاحتفال بأعياد المشركين ومشاركتهم وتهنئتهم من أشد ما يطمس معالم الدين، ويضيع تميز المسلمين، ويجعلهم مسخرة لأعدائهم كيف تحتفلون بعيد تكفرون أصحابه القائلين إن المسيح ابن الله؟! .
كيف تحتفلون بعيد يقول المحتفلون به: إن الله ثالث ثلاثة ؟
لذا تواترت فتاوى العلماء قديما وحديثاً على تحريم الاحتفال بأعياد المشركين
قـال ابن الـقـيـم ـ رحـمــــه الله تعالى ـ: "وأمّا التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهـنـئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه ... الخ
فأين المغردون من أبناء المسلمين وبناتهم بالتبريكات؟
وهل علم الإعلامي والمذيع المسلم حينما يستفتح حديثه بقوله: كل عام وأنتم بخير ؟
وقال ابن الحاج رحمه الله تعالى : " لا يحل لمسلم أن يبيع نصرانياً شيئاً من مصلحة عيده لا لحماً ولا أدماً ولا ثوباً ولا يعارون شيئاً ولو دابة إذ هو معاونة لهم على كفرهم وعلى ولاة الأمر منع المسلمين من ذلك " ا.هـ فتاوى ابن حجر الهيتمي 4/238
وبعد أيها الإخوة هذا التذكير والتحذير أصبح عند قوم قل فقههم – أصبح نوعاً من التشدد والانغلاق على النفس والتضييق على الناس، ويعارض دعوة التسامح بين الشعوب!
أنسي هؤلاء أن النصارى ومثلهم اليهود وغيرهم من الملل الكافرة لم ينعموا بعيش كريم وحفظ للحقوق كما عاشوه وحصلوا في ظل الإسلام ودولة المسلمين بشهادة هؤلاء أنفسهم . (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون) .فاللهم أرنا الحق حقا ...