• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة 28-8-1432هـ بعنوان كيف نستقبل رمضان‎

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  11.5K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله منَّ بمواسم الخيرات ، وأعظم للراغبين الأجور ورفعة الدرجات .

وأشهد ألا إله إلا الله رب البريات

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أحفظ الناس لصومه ، وأخشعهم في الصلاة ،صلى الله عليه

أما بعد:-

فمن منا معاشر الحاضرين يضيف ضيفاً سيأتي أول الأسبوع القادم ؟

ولن يطيل المقام فينا لأنه مرتبط بدورة لا بد أن يتمها، فهو مغادر حسب سنة كونية، ودورة فلكية.

فهو جاد في مجيئه، كما هو جاد في مغادرته ورحيله!!

لن يحابي أحداً، ولن ينظر متأخراً.

أتدري من ضيفنا في الأسبوع القادم إنه ضيف هو المضيف لنا يأتي كل عام في مثل هذا الوقت يعرض بضاعة ربانية، ومسابقة إيمانية تزيد بها درجات الجادين، وتسمو فيها نفوس الراغبين، وفي هذا فليتنافس المتنافسون.

من حقه عليك أيها المسلم ألا تتقدم بين يديه بصيام يوم أو يومين إلا لمن كانت له عادة في شيء من ذلك .

هذا الضيف سوف يسألك عن أيام طويت، وشهور سلفت فاللقاء بهذا الضيف مضى عليه أحد عشر شهراً، فشهر الضيف هو الشهر الثاني عشر .

حول كامل ..

فلله كم من ليلة سلخنا منها النهار!

(وآية لهم الليل نسلخ منه النهار)

فخذها عظة ليالي تسلخ وهي منك يا ابن آدم تنسلخ.

ضيفك القادم سيسألك عن وجوه لم يرها، ونفوس لم يعد يسمع نفسها، وكانت ممن استقبلته في العام الماضي وابتهجت بقدومه، أو تذمرت (كل يعمل على شاكلته)

كانت هذه الأنفس على وجه الأرض معنا تمشي، وفي مجالسنا تحضر وتتكلم وتحدث وتنبي!

فأين هم الآن ؟ .

أحدهم جار لنا، وثالثهم أحد والدينا أو من أقاربنا، ورابع زميل لنا في عمل، وخامسهم كهل قدر الله عليه مرضاً لم يمهله فودع أهله، وقد أملوا بقاءه، فترملت زوجته، وصار أولاده أيتاماً في حجر أمهم، أما سادسهم شاب طالما تعلق به أهله، وترقبوا فيه نفعاً عاجلاً خرج مع رفاقه فعبثت به سيارته، أو عبث بسيارته، فلم يخرج من السيارة وإنما أخرج منها جثة هامدة !.

مقادير وأعمار مقضية ؟

لا نريد بذكرها تجديد أحزان!

ولا تذكيراً بآلام .

ولكنها عظة حيث ذهبوا وبقيت!

وحملتهم وشيعتهم وعزيت ذويهم فيهم، وأنت حي من بعدهم .

طويت أعمارهم، ثم طويت صحائفهم إلى يوم يلقون ربهم .

فليس لهم من صيام، ولا قيام إلا ما قدموا.

(ومن مات انقطع عمله) (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)

أيها المبارك: هذه حالنا وحال ضيفنا.

تفرطت منا الأيام حتى حضر المستقبل، وعاينا الغائب فصار شاهدا حاضرا.

يقلب الله الليل والنهار في سرعة لا نشعر بها (لا تقوم الساعةُ حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر ، والشهر كالجمعة ، وتكون الجمعة كاليوم ، ويكون اليومُ كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السَّعَفَة في النار) حديث صحيح رواه أحمد وغيره

عباد الله : إنَّ الناس يستقبلون رمضان على أصناف شتى فمنهم المسلم البالغ العاقل المقيم السالم من الموانع فهذا يجب عليه الصيام أداء ، طاعة لله وامتثالاً لأمره وشكراً لله على نعمته قال الله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) .

والقسم الثاني ممن يستقبلون رمضان ، وهم عاجزون عن صيامه عجزاً مستمراً لكبر أو مرض فهؤلاء لا صوم عليهم لعجزهم عنه، ويطعمون عن كل يوم مسكيناً فيطعم عن كل يوم بيومه، أو يجعلها بعد عدد من الأيام أو يطعم في آخر الشهر عن جميع الشهر يخرجها طعاماً مطبوخاً أو حباً .

ولا يصح أن يخرجها قبل الشهر أو قبل اليوم لأنَّه لم تلزمه

وليعلم هؤلاء العاجزون عن الصيام أنهم شركاء للصوَّام مادامت نيتهم الصوم ولكن حبسهم العذر .

القسم الثالث : من شقَّ عليه الصوم لمرض عارض نزل به، أو ثبت أنَّ الصيام يؤخر برءه ، أو يزيد في مرضه فهذا بفطر، والله يحب أن تؤتى رخصه ثم إذا أذن الله بشفائه صام الأيام التي أفطرها لقوله تعالى (فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ) .

وإن تضرر بالصيام حرم عليه الصوم لقوله تعالى (ولا تقنلوا أنفسكم) .

القسم الرابع: الرجل الذي سقط تمييزه لكبر أو حادث فصار يهذي ويخرف فهذا لا صيام عليه ولا إطعام لأنه أشبه الصبي غَيْر المميز إذ لا تكليف عليه .

ومثله المغمى عليه فلم يع من الدنيا شيئاً فهذا لا صيام عليه ولا إطعام إلا أن يأذن الله له بالشفاء فعليه القضاء إن استطاع، أو الإطعام إن لم يستطع، فاحمدوا الله على تيسيره واشكروه على رخصة

(شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)

أقول قولي هذا واستغفروا الله لي ولكم

الثانية

أما بعد

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم : يبشر أصحابه يقول : قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم "

قال ابن رجب رحمه الله : قال بعض العلماء هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان .

وكيف لا يهنئ بعضهم بعضاً بشهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، شهر جعل الله صيام نهاره فريضة، وقيام ليله نافلة .

شهر تواترت النصوص في بيان فضله، وعظيم أجره، تعددت فيه أسباب المغفرة والرحمة، فمن حرمها فهو المحروم ، ومن فرط فيها أو بعضها فهو الملوم .

فيا منتظري رمضان من أصحاب الذنوب والعصيان وكلنا ذلك الرجل فكل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون هذا شهر التوبة، والرجوع إلى الله والإخبات والأوبة شهور مضت ركبتنا فيها غفلة، وأيام فيها ما الله به عليم من الذنوب وترك الطاعة والحسرة

(وكفى به بذنوب به عباده خبيرا)

فيا ألله من منا سيدرك شهراً فضله الله على الشهور، ومن منا من سيوفق ليمحى عنه ما كتب في الصحف والسطور .

(ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) ، (ومن قام رمضان إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) .

فاستقبلوا عباد الله رمضان بخير ما عندكم استقبلوه بنية صادقة على صيامه وقيامه محتسبين طول نهاره وشدة حره، استقبلوه راغبين في أجره، مغتبطين بأعمار أوصلتكم إلى مواسم الخير، وصحة تعينكم على ما يرضي ربكم، ويسعدكم في دنياكم وآخرتكم .

تذاكروا فضل هذا الشهر، وتدارسوا في بيوتكم ومجالسكم ما فيه من الفضل والأجر .

عظموا في نفوس أولادكم حرمته، وإثم من تهاون به، أو فرط في صيامه، فالصوم أحد أركان الإسلام.

ثم تنبهوا ونبهوا أن هناك من يسرقون رمضان من عباد الله حتى ينسلخ الشهر على بعض الناس من غير عبادة تذكر، فصيامهم مخرق، وأجورهم ذهبت بها آثامهم (ومن لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) .

وإنما شرع الصيام لتحصيل التقوى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).

فلن يحصل التقوى أو يفوته كثير منها من يضيع شهره في نومٍ كثير، وسهرٍ طويل .

لن يحصل التقوى أو يفوته كثير منها من يظنُّ أن رمضان وقت لتنويع المآكل وتعديد المشارب، والتفنن في شراء أصنافها، وتكثير أوانيها .

لن يحصل التقوى أو يفوته كثير منها من يقطع ليله ويفنى نهاره في تتبع قنوات فاسدة، ضلَّت عن سواء السبيل، وأضلت كثيراً من أبنائنا وأهلينا فصار رمضان عند هؤلاء هو الجديد في الأفلام والمسلسلات التلفزيونية التي يسمونها كذباً وخداعاً رمضانيات .

فمتى كان رمضان موسماً لمشاهدة الفساد، وسماعاً لما حرَّم الله ، إلا في عرف الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً .

أيها الأخوة: يأتي رمضان على شعوب مسلمة عندها ما الله به عليم من الفتن والقلاقل .

شعوب تشكو العوز والفقر، والجفاف والدهر.

وأخرى تشكو الضيم إلى خالقها سامتها أنظمتها سوء العذاب يقتلون أبناءهم ورجالهم ونساءهم .

شعارهم ضد شعوبهم (إما أن نحكمكم أو نبيدكم) كلمة يتلقفها الرؤساء الظالمون، ويسعون فيها ولا يرعوون.

(يحسبونه هينا وهو عند الله عظيم)

فما أعظم حلم الله ! ولا حول ولا قوة إلا بالله

فاللهم هيئ لهذا الشعوب من أمرها رشدا ....

اللهم بلغنا شهر رمضان، واحفظ علينا شهرنا، واحفظنا في شهرنا، وارزقنا فيه عملاً صالحاً ترضى به عنا .

اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام .







التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 03:18 مساءً الخميس 19 مايو 1446.