• ×

د.عبدالرحمن الدهش

سبأ

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  4.3K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

الحمد لله رب العالمين ، أثنى على الشاكرين ، وتوعد الكافرين وأشهد ألا إله إلا الله أكمل الدين ، وأتم النعمة على المؤمنين . وأشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله بلَّغ عن ربه البلاغ المبين ، وجاهد في سبيله حتى أتاه اليقين . أما بعد :- فما أقبح كفر النعمة، وما أقسى قلوب من بدَّلوا نعمة الله كفراً . حديثنا إليكم معاشر الإخوة هذه الجمعة من أحاديث القرآن، وقصة قوم جحدوا نعم الرحمن . بل هم قوم طالت عليهم مدة النعمة فملوا ، وبَطِروا ، وآثروا الذي هو أدنى بالذي هو خيرٌ . فجعل الله خبرهم أحاديث وعبرة ، و في مجازاتهم آيات وعظة . إنهم قوم سبأ قبيلة من قبائل العرب سكنوا أطراف الجزيرة العربية من جهة الجنوب أنعم الله عليهم بنعم شتى ابتدأ الله نعمهم بحسن المكان وجمال المسكن فقال تعالى (لقد كان لسبأ في مسكنهم آية) أدرَّ الله عليهم نعماً، وصرف عنهم من البلاء نقماً . وفَّر الله لهم الماء الغزير الذي هو مادة الحياة ، وبه تقوم المصالح ، فكان الماء يأتيهم من بين جبلين ، وتجتمع إليه أيضاً سيول أمطارهم و أوديتهم ، فكان من حسن رأيهم أن بنوا سداً عظيماً بين الجبلين ليتحكموا في الماء ويصرفوه لمزارعهم وحاجاتهم . واستغلوا جانبي الجبلين فغرسوا أشجارهم ، وأقاموا مزارعهم . (جنتان عن يمين وشمال) فيهما أرزاقهم ، ومنهما يأخذون قوتهم فلا يتكلفون طلب معيشتهم . بل بلغ من رغد عيشهم ما قاله قتادة رحمه الله إنَّ المرأة كانت تمشي تحت الأشجار ، وعلى رأسها مكتل أو زنبيل فيتساقط من الأشجار ما يملؤه من غير أن يحتاج إلى كلفة ، ولا قطاف ، لكثرته ، ونضجه ، واستوائه . وعلى إثر ذلك طابت بلادهم (بلدة طيبة) ، فحسن هواؤها ، وقلَّ وخمها ، وصحة أجسام أهلها . امتن عليهم بعد ذلك فقال (كلوا من رزق ربكم واشكروا له) فأباح لهم الأكل، وأمرهم بالشكر لأنَّ الشكر قيد النعم، وسبب في زيادتها (لئن شكرتم لأزيدنكم) . وعلى إثر ذلك طابت بلادهم (بلدة طيبة) ، فحسن هواؤها ، وقلَّ وخمها ، وصحة أجسام أهلها . ثمَّ أتبع الله عليهم نعمة الدنيا بنعمة الدين والآخرى (رب غفور) . تيسير في الأرض بالنعمة والرخاء ، ومغفرة للذنب من رب السماء . فهذه حال هؤلاء القوم في مساكنهم وخيرات أراضيهم ، وأمَّا حالهم في تنقلاتهم وأسفارهم فهو التيسر لهم وعدم الكلفة في السفر والأمن التام في شتى أمورهم . قال الله تعالى (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير) فكانوا في أسفارهم لا تنقطع بهم القرى و المدن فما أن يخرجوا من قرية إلا ويدخلون في قرية أخرى ، قرى متواصلة متقاربة ، بعضها من بعض ، مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها فكانت أسفارهم نزها لهم ، ومتعة في حياتهم ، بحيث إن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل زاد، ولا ماء، بل حيث نزل وجد ماءً وثمراً ، يقيل في قرية ، ويبيت في أخرى ، وهم على هذه الحال حتى يصلوا إلى القرى التي بارك الله فيها، وهي بلاد الشام وبيت المقدس مسيرة أربعة أشهر . وهم في كل هذا التنقل يسيرون آمنين (سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين) . فلو فقد الأمن لم يكن للنعم السابقة ذوق ولا طعم . وبدأ الله بالليل فهم أمنوا في وقت يغلب فيه الخوف وينشط فيه السراق فأمنهم في النهار أكثر وأكثر ، و ذكر الله أمنهم حال سفرهم فأمنهم حال إقامتهم أولى وأحرى. فماذا بعد ذلك ؟؟ إلا قبول النعمة ، وشكر للمنعم بها ، إذ كفرها خلل في العقل والفطرة قبل أن يكون ذنباً في الدين والشرعة . ولكن صدَّق عليهم إبليس ظنه، وحملهم على جحد النعمة ، بل ردِّها ، قال الله تعالى عنه (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجدوا أكثرهم شاكرين) . (فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) . فانظر إلى الشقاوة التي سبقت لقوم سبأ !! وطلبوا بُعْد الأسفار وكلفة التنقل، ولم يرتضوا اليسر في ذلك ، كفراً للنعمة . وأعرضوا !! عن أي شيء !! عن خالقهم الذي أمدهم وأعدهم ، وعلى كثير من خلقه فضلهم . أعرضوا عن توحيد الله وعبادته ، وشكر نعمه . قال الله تعالى ( فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ) . أرسل الله عليهم سيل العرم، أي : سيل الهلاك ، وفجَّر الله عليهم سدَّهم فأتلف جنتيهم ، وخرَّب بساتينهم ، وقلع أشجارهم ، وصار بدلها شجرٌ لا نفع فيه . تبدلت إلى شجر الأراك والأثل ، والسدر وهو النبق ، وهو أجود الأشجار المبدلة مع شوكه الكثير ، لكنه أيضاً قليل . فسبحان الله !! بعد الثمار النضيجة والمناظر الحسنة ، والظلال العميقة ، والأنهار الجارية ، تبدلت إلى ضدها . فهذه حال خيراتهم ومساكنهم و أما حالهم هم بعد الاجتماع والإلفة ، وقلة الكلفة ، قال الله تعالى (ومزقناهم كل ممزق) فرَّق الله شملهم ، وقطع وصلهم فانتشروا في البلاد كل في ناحية . ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور . الحمد لله .. فاشكروا نعمة الله عليكم وانظروا كيف عاقبة المفسدين انظروها في كتاب الله مسطرة، وانظروها في دول حولكم، وشعوب قريبين منكم . وخذوا بأسباب دوام النعمة، وأسباب بقاء الأمن، واحذروا أن تغيروا فيغير الله عليكم . احذروا الأشر والبطر في نعمة الله التي بين أيديكم، احذروا كفران النعمة في مناسباتكم وزواجاتكم فلا توقعوا فيها ما يغضب الله ويسلب النعمة، ويحل النقمة، احذروا الإسراف في الولائم، والمنكرات في الحفلات فلا يكن في حفلات أعراسكم شيء من مزامير الشيطان، بالموسيقى المحرمة، والكلمات الهابطة، وإنما رخص في العرس بالدف فقط يضرب به في أوساط النساء، واحذروا التساهل في الاختلاط ، ودخول الرجال على النساء في الأعراس أو المنتزهات، وأماكن الترفيه، والمهرجانات فكل هذه مقدمات فساد عريض وشر مستطير . راقبوا نسائكم و احذروا تساهلهن في هذه الليالي، فأيامنا هذه أيام جهاد في التربية والتوجيه، وحماية الأخلاق، والذود بالأبناء والبنات عن مواطن الفساد . ولا يليق بالعاقل الذي حرص على أسرته طيلة العام أن يتخلى عن مسؤوليته أيام الإجازة، أو يكلوها إلى الأم المسكينة التي تغلبها عاطفتها، وربما تستجيب إلى أشياء كثيرة مجاراة للناس، بحجة أنها لا تريد حرمان بناتها، أو التضييق عليهن . أيها الأولياء: تذكر في ألبسة النساء التي تلبسنها بعض النساء في الأعراس والمناسبات تذكر أشياء مخيفة من جهة أبداء ما لا يجوز إبداؤه، والتعري الذي ترفضه الأذواق، وتحرمه الشريعة، ويستوي في ذلك الكبيرات من النساء، ومنهن كبيرات لكن أهلهن يصرون على كونهن صغيرات فتميزن بلباس قصير، أو مبدياً لما يجب ستره من أجسامهن، وهذا مع ما فيه من التساهل هو ظلم لهؤلاء البنات حتى ينشئن على عدم الحشمة وقلة الحياء، وله ما له من العواقب السيئة على الجيل الحاضر والمستقبل ..



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 11:56 صباحًا السبت 21 مايو 1446.