• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة 27-4-1432هـ بعنوان فليستعذ بالله من أربع

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  7.5K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

إن الحمد لله ... أما بعد:- فأوصيكم معاشر السامعين ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. معاشر الإخوة تكثر الأمور التي ترفع شكايتها إلى الله عزَّ وجل، ويبين العبد ضعفه بين يدي خالقه حينما يواجهه ما لا قبل له به . (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) قوتك أيها العبد هي في افتقارك إلى الله، وكلما أظهرت شدة ضعفك بين يدي خالقك فهذا هو عنوان قوتك، وهو عزك الذي لا يضام. والعارفون بالله هو أعلم الناس بحاجتهم بل ضرورتهم إلى البقاء مع خالقهم، واستمداد العون من بارئهم (فأرادوا به كيداً فجعلناهم الأسفلين وقال إني ذاهب إلى رب سيهدين) هذا هو افتقار إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن إلى ربه القوي المنان، وفي مقام آخر يبسط شيئاً من هذا الافتقار (فإنهم عدو لي إلا رب العالمين الذي خلقني فهو يهدين والذي يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين، والذي يميتني ثم يحيين، والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين إلى آخر دعوات الافتقار التي رفعها إلى ربه تعالى . أيها الإخوة: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوات نفتقر بها إلى الله في كل شؤونها . وعلمنا فيما علمنا دعوات استعاذة، أتدري ما معنى الاستعاذة؟ هي اللجأ إلى الله حيث أنت في مقابل أشياء لا تدفعها بيدك، ولا تستطيع الخروج منها بحيلتك إذن ضع ركابك عند باب مولاك (وقل اللهم إني أستعيذ بك) في الصحيحين واللفظ لمسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم \"إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فلْيَسْتَعِذْ بالله مِنْ أربعٍ، يقولُ: اللّهُمَّ إني أعوذُ بكَ مِنْ عذابِ جهنّم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيحِ الدّجّالِ \" أربعة أهوال تسأل الله أن يعيذك منها بعضها في الدنيا، وبعضها في الآخرة وبعضها بين الدنيا والآخرة. ولأهميتها أمرك النبي صلى الله عليه وسلم أن تجعلها في صلاته، وفي آخرها قبيل السلام ليبقى ذكرها في قلبك كما كانت آخر ما جرى به لسانك . (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم) إي والله، عذاب جهنم، ومن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز. (واتقوا النار التي أعدت للكافرين، وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون). (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَـئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) طالت أمانينا، وتفننت آمالنا، أقوال بلا أعمال، وأعمال بلا آثار . فالقلوب منا تقسو، ونذر الله كأنها لغيرنا والله يقول (فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ لاَ يَصْلَـٰهَا إِلاَّ ٱلأشْقَى ٱلَّذِى كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ) (إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ نَذِيراً لّلْبَشَرِ لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) . (ذٰلِكَ يُخَوّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ) لقد شغلتنا أموالنا وأهلونا، فقل اتعاظنا، مع قلة واعظنا، ومن أبعد عن شيء جفا، وقنع بغيره واكتفى . استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من قلب لا يخشع، لأنه إن لم يخشع فرغ، وإذا فرغ القلب أقبل على الدنيا و جشع، فأصبحت أمور الآخرة من أثقل ما يطرق مسامعه وإن ادعى رغبته، وأبدى اشتياقه. والتخويف بالنار وسعيرها، وأبواب جهنم الموصدة، وعمدها الممدة، وخبر الحجر الذي يهوي في نار جهنم سبعين خريفاً حتى يبلغ قعرها . كل هذه لا تعظ النفوس المدبرة، والقلوب المغلقة بل ذكرها نوع من التشديد على الناس، وضرب من الإرهاب، وإدخال النفوس في اليأس . أهم يستدركون على ربهم !. فأين هم من قوله تعالى (فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد) (فأما الذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق) . فأي نفوس لا تحركها أمثال هذه الزواجر، وأي قلوب تتقلب مطمئنة بعد عظة الله وهو حين يقول (ذوقوا مس سقر) على ما يشاء قادر. إنها نفوسنا، وقلوبنا فهي في كل واد تهيم، وليس لها عمل ترجو به نجاتها، فعليه تستقيم . لا الشيخ ينتهي، ولا الشاب يرعوي أسكرتنا زهرة الحياة، وران على قلوبنا ما أنسانا أهوال ما بعد النقلة والممات . (هذه جهنم التي كنتم توعدون اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون) قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير) . ووعدها الله كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم عتل بعد ذلك . فالنار موعود بها مدمن الخمر وقاطع الرحم والمصدق بالسحر، وما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار . (ومن اقتطع مال أخيه بيمين فاجرة فليتبوأ مقعده من النار). والذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا. ومن لم يطب مطعمه وأكل الربا، واستحل الرشوة فهو في النار قال النبي صلى الله عليه وسلم (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) . فاتقوا النار عباد الله ولو بشق تمرة، أو بكلمة طيبة . ولن يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، وعينان لا تمسهما النار؛ عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله. ومن صام يومًا زحزحه الله عن النار سبعين خريفـًا . والاستعاذة الثانية من عذاب القبر! أو للقبر عذاب !؟ نعم، استمع إلى ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر الغيبي حينما يوضع المرء في قبره يأتيه ملكان فيسألانه من ربك ؟ ما دينك ؟ ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ كل هذه يقول فيها : هاه ، هاه ، لا أدري ؟! فيضرب بمرزبة من حديد يصيح منها صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين الجن والأنس - ، ثم يفتح له باب من النار، ويفرش له من فرش النار، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه فيقول: رب لا تقم الساعة، رب لا تقم الساعة . نعوذ بالله من عذاب القبر . ثم يستعيذ الإنسان من فتنة المحيا حين يفتتن الإنسان بالدنيا وينغمس فيها وينسى الآخرة ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ فلأجل الدنيا يوالي ويعادي، يستكثر من جمعها فالحلال ما حلَّ بيده، والحيل على الخلق، وحرمان ذوي الحقوق هي من كمال فطنته. ثم قلبه في كل وادي يهيم أعطى نفسه متعتها، ولو كان في هلكتها فهو ذو شهوة النساء، والنظر المحرم، تجرأ على حرمات ما كانت له على خاطر، ولكنه كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، وقد وقع فيه فعلاً فهو سقط في فتنة الدنيا! وتحولت بعض شهواته إلى شبهات ينافح عنها، ويجادل بالباطل ليدحض به الحق . أما فتنة الممات فهي فتنة اللحظات الحرجة، والدقائق الأخيرة حتى تتمدد على فراشك بين أهلك وذويك، وقد حضرت ساعة النقلة، وأزفت الفرقة والشيطان بالمرصاد، وخبايا النفوس، وما أودع في الصدور مما لا يرضاه الله قد توبق صاحبها، وترده على عقبه فربما خرج من الدنيا بشر الحال، وقد يستخرج منه عدوه شر مقال، فلنتعاهد عباد الله سرائرنا، ولنفتش في خبايانا، وذنوب الخلوات أكبر أسباب خواتيم السوء والانتكاسات . (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا) . أقول قولي هذا ... الحمد لله رب العالمين ... أما بعد :- ألا وإنَّ من أعظم الفتن - بل هي أعظم الفتن - فتنةً ما بعث الله نبياً إلا حذَّر أمته منها ، وما بين خلق آدم إلى قيام الساعةِ أمرٌ أكبر من الدجال . عباد الله إنَّ فتنة الدجال فتنة عظيمة، كثرت الأحاديث في التحذير منها ، ووصفه النبي صلى الله عليه وسلم بما يكشف حاله ، ويميزه عن غيره فهو رجل من بني آدم قصير أفحج قَطَطُ الشعر يقال له المسيح ؛ لأنَّ عينه اليمنى ممسوحة، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنَّه أعور العين اليمنى كأنَّ عينه عنبة طافية أي : بارزة . سمي دجالاً لعظم كذبه وكثرته ، يظهر الباطل بمظهر الحقِّ تغريراً بدهماء الناس وتلبيساً على عامتهم ومن ذلك ما حدثنا به النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي القوم فيدعوهم فيؤمنون به فيستجيبون له فيأمر السماء فتمطر لهم ، والأرض فتنبت حتى ترجع ما شيتهم آخر النهار أوفر ما تكون ضروعاً وخواصر ، وفي مقابل ذلك يأتي القوم الآخرين فيردون دعوته فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم !! هذه بعض فتنته جمعت بين فتنة الشبهة وفتنة الشهوة . وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم ما يكون به العصمة من فتنته فأعظمها التمسك بهذا الدين ومعرفة صفات الله ونعوت كماله ومن ذلك ما خصَّ النبي صلى الله عليه وسلم به أمته فقال \" ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه : إنَّه أعور ، وإنه الله تعالى ليس بأعور \"[1]. أيها الإخوة بقي أمر لا يسعنا إغفاله، فاستمع إليه جيداً ونحن في زمن كثر فيه الدجل ولبس الحق بالباطل والتمويه على عامة المسلمين والتلاعب بقضاياهم . ففتنة الدجال كائنة بالدجال الأكبر الذي يكون في آخر الزمان، وقد سمعت شيئاً من أوصافه كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الفتنة إنما تكون للذين يدركون زمنه، قال شيخ الإسلام (رحمه الله) هم أقل القليل من الناس، فالتخويف منه إنما هو تخفيف من عموم فتنته . إذن ماذا عن الدجالين الذي ظهروا من سنين، وما زالوا يظهرون ؟ فهؤلاء الدجالون يقومون بما يقوم به الدجال الأعظم الذي يكون في آخر الزمان . فمن كانت فتنته للناس بشدة الكذب وتضخيم الأمور والتمويه على الناس ويعتمد على هذا إما بقوة بيانه أو سلاطة لسانه، أو نفوذه السياسي أو الشعبي فهو دجال يستعاذ بالله من شره . ولا يعجزك المثال في أيامنا هذه من زعماء الأحزاب الكاذبين، ورؤساء الدول المهرجين، وقادة الانقلابات المخادعين . ومن هؤلاء من يغررون بالأمة ويتلاعبون بمصير الشعوب، ويزعمون أنهم حماتها ضد اليهود والنصارى أو غيرهم . ومن هؤلاء أيضاً الذين يغشون الأمة وهم يزعمون نصحها فيهونون من ضرورة رجوع المسلمين إلى دينهم، أو يهولون من شدة عدوها ليوقعوا الإحباط والخور في نفوس أبنائها فهم من الدجاجلة . والذي مع هؤلاء وهؤلاء من النفوذ الإعلامي والسيطرة على كثير من وسائل إيصال الكلمة هو من تمام دجلهم وفتنتهم وهو نظير ما مع الدجال الأكبر من الطعام والأنهار والماء والنار . أرأيت بعد هذا أنَّ فتنة الدجال جارية على كل حد، مدركة كل مكلف فهي نظير فتنة عذاب جهنم، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات الذي جمعت معها، وذكرت قبلها، ولا نجاة منها إلا أن يعيذ الله العبد منها، ويقيَ من شرها. اللهم إنا نعوذ بك من فتنة المسيح الدجال . فاللهم إنا نعوذ من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال اللهم إنا نسأل الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد . اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا اللهم أصلح لنا نياتنا وذرياتنا ، وأصلح لنا ولاة أمورنا وأصلح لولاة أمورنا بطانتهم ، وألهمهم رشدهم وقهم شرور أنفسهم . [1] الفتح (13/90) . للإستماع للخطبة هنا



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 09:19 مساءً الثلاثاء 1 يونيو 1446.