إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ....
أما بعد:-
فلا تزال أمور العالم في تقلبات متسارعة، وتجددات غير متوقعة، والمرء المؤمن يرى في تلك الأحداث معاني كثيرة من صفات الله فيرى فيها قدرة الله، وكمال علمه، (يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن فبأي ألاء ربكما تكذبان)، (وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير).
فالناس يريدون، ويسعون ويخططون (إن سعيكم لشتى)،
ولكن (وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين)
معاشر الفضلاء: من الذي يستغني عن ربه ؟
والله تعالى يقول (أليس الله بكاف عبده) !
ومن هو الجريء الذي يسعه للخروج عن سلطان الله وطوع أمره، أو يتعالى على أمره والله تعالى يقول (أليس الله بعزيز ذي انتقام).
حاجتنا إلى ربنا فوق كل حاجة، وافتقارنا إليه لا تسده أي معونة، ولا تلهينا عنه أي مشغلة (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون)
ومن تكثر بغير الله فهو إلى قلة، ومن تقوى بغير الله فهو إلى ضعف وخور !
أرسل الله موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون لعله يتذكر أو يخشى!
فهما مرسلان بمهمة إلاهية، لا شك في صحتها، وسلامة عاقبتها، ولكن لا يستغني العارف عن ربه فتوجه النبيان الكريمان موسى وهارون داعيين من أرسلها (ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى)!
فلم تطب نفوسهما حتى قال الله لهما (لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى)
فجاءتهما القوة من الله لما اطمأنا إلى معيته وتسديده.
يحيط المشركون بنبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم، وصديقها رضي الله عنه في مكان ضيق، موحش في غار جبل مهجور، لا يأمن داخله من حية أو عقرب .
فمخاوف داخلية، ومخاوف خارجية من عدو قريب من فم الغار لو نظر أحدهم إلى أسفل نعله لأبصر من استخفى في الغار فهو إذن غار لا يواري من تحصن به .
ومع شدة الظرف، وحرج اللحظات الحاسمة يسمي الله تعالى هذا كله نصراً منه لنبيه (إلا تنصروه فقد نصره الله إذا أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا (هذا بيت القصيد) بعدها فأنزل الله سكينته عليه في أشد لحظات الخوف تأتي السكينة فيطمئن القلب، وتتزن الحركات، وتضبط التصرفات، وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم)
أيها الموفق: إذن لا اطمئنان على عمل، ولا صحة لمشروع إلا أن يكون الله معنا .
فما أحوج الشعوب إلى معية الله، وأعظم بحاجة الرؤساء إلى معية ربهم، وسكينة تنزل عليهم من خالقهم.
إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده
حينها يختصر الطريق وتوضع النقاط على الحروف، ويؤمن من كل مخوف، فلن يعود للهالة الغربية، وللهيمنة الدولية أيُّ مفرغ يفزع له، ولن ينتظر الناس إشارة أممية، ولا تلويحة أمريكية أو فرنسية .
نعم، لا نقض للعهود، ولكن معية الله تعطينا قوة، وتضع لعدونا في مصيرنا، وحقوقنا خطوطاً فليلزم الحدود !
فكيف السبيل إلى معية الله ؟
لا أسرار في الموضوع، ولا مرجعيات معممة، ولا انتظار لتوجيه من معصوم منتظر .
بين الله السبيل في كتابه أعظم بيان
(إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)
(واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين)
فالسبيل لتحصيل معية الله هو بتحقيق التقوى، صدقاً لا ادعاء.
قول يتبعه فعل، وفعل يحدوه إخلاص بصدق (وما أمروا إلا لعبدوا الله مخلصين له الدين)
فإن تخلف الفعل عن القول فيعظم حينها مقت الله (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).
أيها الأفاضل: يا من شوقهم إلى معية الله .
حاول أناس متعددون أن يركبوا هذه البلد سفينة ليس عليها خاتم النبوة، ولم تعتمد بأوراق مرضية من رب البرية مستغلين أحداثاً مضت متقوين بأقوام .
فصالوا صولة طويلة أزعجت، وأرعدت وأزبدت، حتى إذا ظنوا أن خطام الأمر بأيديهم، وزمامه بقبضتهم .
جاءت سطوة السلطان لتبين أن حقيقة ماقاله الله تعالى (فأما الزبد فيذهب جفاء)
وأغتبط الناس أن الدِّرة التي كانت بيد عمر رضي الله عنه آلت إلى يد خادم الحرمين فها هو يرفعها في يوم مبارك وعشية جمعة من جمع التاريخ .
ليقول للناس: هذه البلد بلد إسلامي دستوره القرآن والسنة فلا تتعبوا أنفسكم، واللبنة التي أسسنا عليها كيان الدولة الأولى لن نتزحزح عنها إلى لبنة أخرى.
واليد التي مدها محمد بن سعود وتعاقدت مع المجدد محمد بن عبد الوهاب لا يمكن أن نسحبها، ولن نستبدل الذي هو أدنى بالذين هو خير !
فتبددت أحلام، وضاعت طموحات ذئاب من البشر، طالما لبسوا جلود الضأن، وأظهروا النصح، وزعموا الإصلاح، والله مخرج ما كانوا ما يكتمون .
جاءت كلمات خادم الحرمين في تلك العشية لتقول للعلماني، واللبرالي، والذي لا يدري من هو ولكن يقول: سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته .
جاءت كلمته لتقول لكل هؤلاء لا مقام لكم فارجعوا إلى ربكم، وادخلوا الصف، وإلا فارحلوا بفسادكم إلى من أرضعكم حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.
فقد استغنى عنكم بمعية الله (ومن يستغن يغنه الله) .
ولم يفت ولي أمرنا أن يحفظ للناصحين من العلماء، والمثقفين الصادقين منزلتهم، ويتوعد من تجرأ عليهم بكتابة، أو مقالة، أو مقابلة بالمساءلة، وتبعة المسؤلية، ومن تخطى فهو مطلوب أمنياً (والله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)
فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين .
أقول قولي هذا ...
الحمد لله رب العالمين ...
أما بعد:-
فمن كلمات الشيخ بكر أبو زيد عضو هيئة كبار العلماء في وقته رحمه الله، قال عن هذه البلاد هي بارقة الأمل للمسلمين في نشر عقيدة التوحيد لأنها موئل جماعة المسلمين الأول وهي السُّور الحافظ حول الحرمين الشريفين فينبغي أن تكون كذلك أبدا فلا يسمح فيها بحال بقيام أي نشاط عقدي أو دعوي - مهما كان -
وإن قبول أي دعوة تحت مظلة الإسلام تخالف ذلك هي وسيلةُ إجهازٍ على دعوة التوحيد وتفتيتٍ لجماعة المسلمين، وإسقاطٍ لامتياز الدعوة، وسقوطٍ لجماعتها، وكسرٍ لحاجز النفرة من البدع والمبتدعين، والفسق والفاسقين ا.ه رحمه الله.
هذه بلاد الحرمين قداستها من تقديسها لشرع الله واعتزازها بدينها، واحتفائها بعلمائها، وكونها سنداً للجمعيات الدعوية التي لم تسلم من لمز، وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصيبها من اللمز أوفر، وهذا ما أثلج به ولي أمرنا صدورنا في تلك العشية التاريخية فهيئاً لنا بنعمة الله .
(ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون) فاللهم اجعلنا لك شاكرين.
أيها الأكارم: ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا .
والله تعالى (ولا تنس نصيبك من الدنيا)
الأوامر الملكية أغدقت العطاء، ووعدت بمزيد وهم أهل للوفاء فاقبلوا نعمة الله عليكم واستعملوها في طاعته، وخذوا ما آتاكم ربكم بسخاوة نفس (فمن أخذه بسخاء نفس بورك له فيه).
واحسنوا كما أحسن الله إليكم .
فلا تنس حق أناس فرحوا لفرحك فصلهم بشيء من مال الله وإن قل من والد أو ولد، أو فقير أو غريب فتلك بركة المال، والله يحب المحسنين.
ثم هل تأذن يا من عليه دين بهمسة بنصف كلمة!
عليك دين فلا أظنك تتخطى دينك، كله أو بعضه لتشتري كماليات من أمور الحياة، وقد قال عليه الصلاة والسلام (نفس المؤمن معلقة بدينه)
ختام هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم (من لا يشكر الناس لا يشكر الله) .
والله يجري الخير على يدي بعض عباده فله الدعاء، ويقبضها على آخرين فيقعد ملوما محسوراً.
فالله أجز خادم الحرمين خيراً على ما قدم،،
اللهم قوه بالحق ....
اللهم أصلح أحوال المسلمين ...
للإستماع للخطبة هنا