الخطبــــــــــة الأولــــــى : إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من سار على دربه إلى يوم الدين، و سلم تسليماً كثيراً .. أمـا بعـــــــــــــد ؛؛ اسمان كريمان تسمّى الله بهما، و اتصف بعظيم معناهما { و لله الأسماء الحسنى فادعوه بها } . لم يرِدا في الكتاب العزيز، و لكن النبي عليه الصلاة و السلام أخبر بهما، و ضمنهما دعاءً كان يدعو به أذا قام يتهجد من الليل، و ما أدراك ما تهجد الليل ؟!. في صحيح البخاري، يقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا قام من الليل يتهجد، قال : ( اللهم لك الحمد أنت قيّم السموات و الأرض و من فيهن، ... ) إلى قوله عليه الصلاة و السلام : ( فاغفر لي ما قدّمت و ما أخرت، و ما أسررت و ما أعلنت، أنت المقدم و أنت المؤخر ، لا إله لا أنت ) أو ( لا إله غيرك ) . أجل؛ أيـــها الأخــوة : ربنا عز و جل هو المقدم، يُقَدم من يشاء من عباده ، فلا يزال من قدّمه الله في علوّ و رقيّ و ربنا عز و جل- هو المؤخر، فمن أخره الله فلا مقدم له، مهما تضافرت الجهود و تفانت النفوس. أعظم تقديم، التقديم في الآخرة ،{ و السابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم }. { و للآخرة أكبر درجاتٍ و أكبر تفضيلاً } . هذا التقديم الأخروي هو الذي يتقاصر دونه كل تقديم، و هو الذي حرص عليه الموفقون. و علموا أنه تقديم لا تراجع فيه، و فوز لا فوز يدانيه، { و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }. إن الله عز و جل هو المُقدم، و لكن من الإنسان فعلٌ و سبب، فمن أخذ بأسباب التقدم و حرص على جعل نفسه في مصاف الأولين، و تخلق بأخلاق السابقين، فإن الله تعالى يكرمه و يقدمه، و ما فاته بعمله حصّله بنيته. { لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر } . إن أول درجات التقدم في الخير هي الهمّة العالية، و النفس من الخير غير القانعة ، فلا تزال تطلب الخير مظانه، تسأل عن فضائل الأعمال، و تبحث عن درجات الكمال، فهي تتربى بالقرآن، و تترقى في درجات الإحسان. { فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً و هم يستبشرون } . و في صحيح مسلم عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله تعالى عنه قال كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و آتيه بوَضوءه و حاجته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا ربيعة سل ، هل لك حاجة ؟ ) ، قال : فقلت : يا رسول الله، أسألك مرافقتك في الجنة . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أوَ غير ذلك؟ ) قال : فقلت : يا رسول الله ، مرافقتك في الجنة . قال : ( فأعنّي على نفسك بكثرة السجود ) . إذن ، لا بد من بذل ، أيها الراغب في التقدم، فلن يقدم الله قوماً معرضين، و لن يسبق القاعدون القائمين المستعدين. { و لو أرادوا الخروج لأعدّوا له عدّة و لكن كره الله انبعاثهم فثبطهم و قيل اقعدوا مع القاعدين }. أيــــها الأخ المــــــوفق: إليك نموذجين لرجل واحد، من الجيل الأول، ممن لم يرضَ إلا أن يكون متقدماً فيما ينفعه و يُعلي مكانه. هذا ابن عمر رضي الله تعالى عنه و عن أبيه ، أتعرف ابن عمر ! عن سالم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : " كان الرجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على النبي صلى الله عليه وسلم ، قال ابن عمر : " فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على النبي صلى الله عليه وسلم ، قال و كنت غلاماً شاباً أعزب ، فكنت أنام في المسجد، قال : فرأيت كأن ملكين أتياني فقال أحدهم للآخر : انطلق به إلى النار ، قال فجعلت أقول : أعوذ بالله من النار ، قال : فلقينا ملَك آخر ، فقال لي : لم تُرَع. قال : فانطلقوا بي حتى وقفنا على النار، فإذا هي مطوية، و إذا لها قرنان كقرني البئر. قال : و رأيت فيها رجالاً أعرفهم . قال : فلما أصبحت غدوت على حفصة، فقصصتها عليها فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( نِعْمَ الرجل عبد الله ، لو كان يقوم من الليل )، قال سالم : فكان ابن عمر بعد ذلك : لا ينام من الليل إلا قليلاً. ) رواه البخاري. النموذج الثاني : ما تقول في فضل اتباع الجنازة، أجزِم أنك سمِعتَ حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( من صلى على جنازة فله قيراط، ومن تبعها حتى تُدفن كان له قيراطان من أجر، كل قيراط مثل أحد ) حديث عظيم، فات ابن عمر أن يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، و لكنه سمعه من أبي هريرة ، فما الذي حصل؟ لما تحقق ابن عمر الحديث ، و استثبته كان بعد ذلك لا تفوته جنازة، و كان قبل يصلي ثم يذهب إلى بيته. أجل ؛ - أيها الموفق : هذا هو التقدم، فالعمل الذي لم تكن متصفاً به لجهلك به ، أو لتفريط منك فيه ، حينما تأخذ بهذا العمل ، فقد شرعت في سلم التقدم و درجات الرقي. فإذا علمت أمراً فيه خير لك، فلا تتوانى يا عبد الله في الأخذ به . فالحياة فرص ، و الأموات لا يتمنون قصوراً و لا دوراً، و إنما يتمنون عملاً تتقدم به درجاتهم، و تعلو بسببه منازلهم. و ميادين الخير إن كنت تستطيعها اليوم ، فقد لا تستطيعها في الغد، لضعف أو شغل ،و قد تفوتك و يُغلق الباب دونك. و لله درّ عكّاشة بن محصن بادر فرصة التقدم لمّا حدّث النبي صلى الله عليه وسلم عن السبعين ألفاً ، و أنهم يدخلون الجنة بغير حساب و لا عذاب ، و أنهم هم الذين لا يكتوون و لا يسترقون و لا يتطيرون و على ربهم يتوكلون. قام عُكّاشة فقال : يا رسول الله ، ادعُ الله أن يجعلني منهم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنت منهم ) ، ثم قام إليه رجل فقال : أدعُ الله يا رسول الله ، أن يجعلني منهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( سبقك بها عُكّاشة ) . انتهى التقدم، فرصةٌ أخذها المبادر. بعد هذا أيها الأخــــــــــوة دعونا ننظر في حديث عظيم ضمنه النبي صلى الله عليه وسلم بعض أسباب التقدم التي نفوّتها على أنفسنا كثيراً ، نفوّتها بآمال طويلة ، و أمانٍ عريضة. فيومنا هذا هو يوم الجمعة، هل فيه تقدم ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الملائكة تجيء يوم الجمعة، فتقعد على أبواب المسجد، فيكتبون السابق و الثاني و الثالث ، و الناس على منازلهم ، حتى يخرج الإمام، فإذا خرج الإمام طُوّيت الصحف، و حضرت الملائكة يستمعون الذكر) رواه أحمد و أصله في الصحيحين. أيـــــــــها الأخــــــــوة : أين الذين لا تُسَجل أسماؤهم في هذه الصحيفة، صحيفة المتقدمين، ما أكثرهم من أبنائنا و جيراننا و زملائنا، خَلَفَ الله عليهم ما ضيعوه. إليك أيضاً إليك فرصاً أخرى حدّث بها النبي صلى الله عليه وسلم . فعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم رقى على المنبر، فلما رقى الدرجة الأولى قال : آمين، ثم الثانية ، فقال : آمين، ثم رقى الثالثة فقال : آمين، فقالوا يا رسول الله سمعناك تقول : آمين ثلاث مرات قال النبي صلى الله عليه وسلم لما رقيت الدرجة الأولى جاءني جبريل، فقال : ( شَقيَ عبدٌ أدرك رمضان فانسلخ منه ، و لم يغفر له) ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( آمين ). ثم قال جبريل : ( شَقِي عبد أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة ) ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( آمين ) . ثم قال جبريل : ( شَقِي عبد ذُكِرتَ عنده و لم يُصَلّ عليك ) قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( آمين ). حديث صححه الألباني. فاللهم صلِّ و سلم على عبدك و نبيك محمد و على آله و أصحابه أجمعين. الخطبــــــــة الثانيــــــــــــة : الحمد لله على إحسانه ، و الشكر له على توفيقه و امتنانه .. و أشهد أن لا إله إلا اللهُ تعظيماً لشانه، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله الداعي إلى جنته و رضوانه صلى الله عليه و على آله و أصحابه و إخوانه و أعوانه و سلم تسليماً كثيراً.. أمـا بعـــــــــــــد ؛؛ إن المؤمن يرى نعمة الله عليه في كل يوم تشرق شمسه، و هو قادر على ذكر الله، فهو مكسب من مكاسب الحياة، و فرصة جديدة من الله مَنَّ بها عليك . فاللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك، فمنك وحدك لا شريك لك ، فلك الحمد. و إن التقدم الحقيقي إنما هو بطاعة الله تعالى في خاصة نفسك، و في أهلك و مالك و ولدك. و من أصلح ما بينه و بين الله أصلح الله ما بينه و بين الناس . و ليس التقدم بالتطاول على شرع الله، و الانكباب على الدنيا و الاعجاب بالحياة الغربية ، و استعمال نِعَم الله فيما يُغضب الله ، و سَوق الناس إلى التخفف من دينهم. فما أهون الخلق على الله إذا هم أضاعوا أمره. { و كأين من قرية عتت عن أمر ربها و رسله فحاسبنها حساباً شديداً و عذبناها عذاباً نُكراً فذاقت وبال أمرها و كان عاقبة أمرها خسراً }. فاسألوا الله تعالى الثبات على هذا الدين، و تقدموا في طاعات رب العالمين ، و التخلص من المعاصي { من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتنِ إلى أجل قريب فأصدّق و أكن من الصالحين } . أيـــها الأخ المبـــارك : أنت في أول شهر حرام، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الصيام بعد رمضان شهرُ الله المُحَرم ) رواه مسلم . و أفضل المحرم اليوم العاشر منه، فقد صامه النبي صلى الله عليه وسلم ، و أمر بصيامه ، و بيّن أن صيامه يُكفر السنة الماضية، فصوموه رحمكم الله ، و حُثوا أولادكم على صيامه و شجعوهم على ذلك . فصوموا يوم الخميس وهو اليوم العاشر لهذه السنة ، و حققوا رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في مخالفة اليهود، فصوموا يوم الأربعاء التاسع يوماً يكون قبل العاشر، و من اقتصر على العاشر فلا حرج ، و من أضاف اليوم الحادي عشر من أضاف يوم الجمعة القادمة فهي ثلاثة أيام من شهر فاضل ، و تكفيه إن اكتفى بها عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر. و لا حرج أن يصوم عاشوراء من عليه قضاء من رمضان و يجعل القضاء فيما بعد، و إن صام العاشر بنية القضاء أجزأه قضاءًا و يُرجى أن يُحَصِّل أجر عاشوراء. ثم احذروا رحمكم الله احذروا التأخر عن مواطن الفضل ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله ) . فاللهم اغفر لنا ما قدمنا و ما أخرنا، و ما أسررنا و ما أعلنّا ، أنت المُقَدِّم و أنت المؤخِّر ، لا إله إلا أنت ، و لا إله غيرك. اللهم إنا نسألك أن تُصلح لنا قلوبنا ، و أن تُصلح لنا نيّاتنا ، و أن تصلح لنا ذُريّاتنا ، و أن تجعل بقائنا في هذه الدنيا على عمل صالح ، و انقلابنا إليك إلى جناتك جنات النعيم، برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم إنا نسألك أن تُصلح أحوال المسلمين في كل مكان ، و أن تولِّ عليهم خيارهم ، و أن تقيهم شرور أشرارهم ، و أن تكفيهم شرور الفتن ، ما ظهر منها و ما بطن. و نسألك اللهم أن تحفظ علينا أمننا، و أن تحفظ لنا إيماننا ، و نسألك اللهم أن تحفظ لنا إمامنا ، و أن تلبسه صحة و عافية من عندك، و أن تستعمله في طاعتك يار ب العالمين. أيــــها الأخــــــوة ؛؛ حاجتنا إلى غيث السماء حاجة مُلِّحة ، فاخرجوا يوم الإثنين إن شاء الله طاعة لولي أمركم و استجابة لسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ، ثم ارفعوا أيديكم في هذا المقام أيضاً ، فإن الله سبحانه و تعالى يحب الملّحين اللهم إنك أنت الله ، لا إله إلا أنت ، الواحد الأحد ، تفعل ما تشاء ، و تحكم ما تريد ، نسألك اللهم أن تغيثنا . اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أمطر علينا السماء ، و أخرج لنا من بركات الأرض اللهم إنا نسألك سُقيا رحمة لا سقيا بلاء و لا هدم و لا غرق . اللهم إنا خلق من خلقك لا غنى لنا عن فضلك . اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بسوء ما عندنا ، نتوب إليك ربنا ، و نستغفرك يا مولانا. اللم اغفر لنا و اسقنا يا رب العالمين، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً. تجعل فيه بركة من بركاتك يا رب العالمين . اللهم صلِّ و سلم على عبدك و نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين