إن الحمد لله .. أما بعد : - فكم يفوت العبد من الخير بسبب جهله فيه ، أو غفلته عنه بعد علمه به ، فلقد فاتت أجورٌ كثيرةٌ ، ألهتنا عنها دنيانا وأولادنا ، وشغلتنا عنها أموالنا وأهلونا فضيعنا ما خلقنا من أجله وتنافسنا فيما خلق من أجلنا . فأصبح هم أكثرنا الدينارَ والدرهم ، والسيارة والمسكن . وإنَّ مما كثر فيه تفريطنا وبان فيه زهدنا تفريطنا في سيد الأيام ، وخيرٍ يوم طلعت فيه الشمس قال النبي صلى الله عليه وسلم : \" خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة \" رواه مسلم إنَّ يوم الجمعة عندنا أهل الإسلام يومٌ ذو شأن هدانا الله له بعد أنَّ أضلَّ عنه من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت وكان للنصارى يوم الأحد فهم تبع لنا . فيوم الجمعة هو اليوم الذي اختصَّ الله به هذا الأمة فهو يوم عبادة ، وهو في الأيام كشهر رمضان في الشهور ، وساعة الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان فيوم الجمعة ميزان الأسبوع ، ورمضان ميزان العام، والحج ميزان العمر . عباد الله : لقد اجتمع لكم في هذا اليوم يوم الجمعة - فضائل متنوعة وعبادات كثيرة ففي هذا اليوم يجتمع المسلمون لصلاة الجمعة امتثالاً لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) فأمر الله تعالى المؤمنين بالسعي للصلاة . فهم يسعون إليها بقلوبهم قبل أبدانهم؛ فهم مشتاقون إليها، يؤدونها برغبة ليسوا متثاقلين في الحضور إليها، لا يحبسهم عنها أي: عارض ويشغلهم عنها أقل شغلٍ . قال النبي صلى الله عليه وسلم \" والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر \" ولقد عظمت مصيبة أناس لم يرفعوا ليوم الجمعة رأساً ، ولم يروا بالتخلف عنها بأساً ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم \" لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثمَّ ليكوننَّ من الغافلين \" رواه مسلم . وقال صلى الله عليه وسلم \" من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه \" رواه أبو داود والنسائي ، وقال الألباني حسن صحيح . ومما اختص به يوم الجمعة أنه يوم يشرع للإنسان فيه أن يستعد له بالاغتسال قال النبي صلى الله عليه وسلم \" إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل \" وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \" غسل الجمعة واجب على كل محتلم \" أي : بالغ . متفق عليهما . وقد اعتنى السلف بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال قال الشافعي: ما تركت الاغتسال ليوم الجمعة في حر ولا برد ولا حضر ولا سفر . ويشرع له مع ذلك أن يتطيب ويتسوك ويلبس أحسن ثيابه تعظيماً لهذا اليوم فعن عبد الله ابن سلام أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر في يوم الجمعة ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوب مهنته حديث صحيح رواه أبو داود . وفي ثواب هذه الأعمال يقول النبي صلى الله عليه وسلم \" من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان له ، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد ثم يركع إن بدا له ولم يؤذ أحداً ، ثم أنصت إذا خرج الإمام حتى يصلي كانت كفارة لما بينهما\" رواه أحمد وصححه ابن خزيمة . وفي حديث آخر وزيادة ثلاثة أيام [1]. ويشرع للإنسان بعد تطهره واستعداده أن يبكر لصلاة الجمعة ماشياً إن أمكن، وأن يتخفف من مشاغله التي تعوقه عن التبكير لصلاة الجمعة فهو يوم واحد لا يضيرك أن جاهدت نفسك على التبكير فيه حتى تكتب الملائكة اسمك في المتقدمين، وكيف لا تجاهد نفسك وأنت لو نظرت فيم أخرك ؟ لم تجد مانعاً قاهراً إنما هو تثاقل وتسويف، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال \" إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على أبواب المساجد ، فيكتبون الأول فالأول ، فمثل المهجر إلى الجمعة كمثل الذي يهدي بدنة ثم كالذي يهدي بقرة ، ثم كالذي يهدي كبشاً ، ثم كالذي يهدي دجاجة ، ثم كالذي يهدي بيضة ، فإذا خرج الإمام وقعد على المنبر طووا صحفهم وجلسوا يسمعون الذكر \" متفق عليه . واعلموا أنَّ ليلة الجمعة وهي ليلة فاضلة يشرع فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما يشرع ذلك في يومها . قال النبي صلى الله عليه وسلم \" فأكثروا عليَّ من الصلاة في يوم الجمعة فإن صلاتكم معروضة عليَّ \" رواه أحمد وأصحاب السنن . وفي رواية \" يوم الجمعة وليلة الجمعة \" والسهر ليلة الجمعة يؤدي إلى تفويت صلاة الفجر في ذلك اليوم المبارك، وربما جرَّه إلى تفويت الجمعة أو تفويت بعضها فلا يأتي إلا في أثناء الخطبة وربما فاته بعضها ومن جاء بعد رفع الإمام من الركعة الثانية في يوم الجمعة فقد فاتته الجمعة وعليه أن يصلي ظهراً أربع ركعات . وأنت يا عبد الله لعلك مع بداية قصر النهار أن تأخذ نفسك بالحزم فتكون من المبكرين لصلاة الجمعة مصطحباً معك أولادك تربيهم على التبكير للمسجد وانتظار الصلاة وتعلمهم ما شاء الله من القرآن . ثم إذا كتبك الله من المبكرين فاشتغل بالصلاة تصلي ما شئت مثنى مثنى حتى يخرج الإمام ، وكذا الذكر وقراءة القرآن ، أو قراءة في كتاب نافع ، وتخصُّ سورة الكهف بأفضلية لقول النبي صلى الله عليه وسلم \" من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين \" رواه الحاكم والبيهقي صححه الألباني . ومن فضائل هذا اليوم وتميزه عن غيره أنه يشرع أن يقرأ في فجر يوم الجمعة بسورتي السجدة والإنسان يقرأهما كاملتين، كما كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك رواه مسلم ، وفي رواية عند الطبراني أنه يديم ذلك . ويشرع في صلاة الجمعة أن يقرأ سورة الجمعة والمنافقين أو سبح والغاشية، وربما قرأ الجمعة والغاشية ، ثبت كل ذلك عن رسول الله في صحيح مسلم وغيره . ولقد وهم بعض الأئمة فربما قرؤا الجمعة والمنافقين في فجر يوم الجمعة ظانين ذلك سنة ولم يرد في ذلك شيء . الحمد لله أما بعد:- فلنغتبط بهذا اليوم المبارك فهو من أيام الله التي عظمها، وفي يومنا هذا مع يومي الفطر والأضحى غنية لكل مسلم عن أي يوم آخر قد ابتدعه البشر وصار يحتفلون به إما موافقة لديانات باطلة كأعياد اليهود والنصارى، أو موافقة لاعتقادات ، ومجارات لعادات سيئة فيما يسمى بأعياد الحب، وما جرى مجراها التي استحسنها بعض المسلمين، وصاروا يتشبهون بالمحتفلين بها من أهل الشرق أو الغرب، وكل هذا من تبعات الهزيمة النفسية التي يعيشها بعض المنبهرين بالرجل الأجنبي، والمعجبين بحياة قوم لا خلاق لهم. ونحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمتى ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله . والعالم النصراني هذه الأيام يحيون مراسيم عيد الكرسمس ورأس السنة الميلادية ولهم طقوس وترانيم في ذلك . وليس بعد الكفر ذنب، ولكن الأمر المؤسف أن يجهل أو يتجاهل بعض المسلمين حكومات أو شعوباً حكم مشاركتهم، أو الإذن لهم بإظهار ذلك علنا في بلاد المسلمين، ويغض الطرف عن تصرفاتهم الظاهرة . وقد بين العلماء الناصحون في القديم والحديث تحريم ذلك وشددوا النكير في الموضوع ومما أنقله في هذا المقام أن سئل الشيخ ابن عثيمين (رحمه الله) عن هذا الأمر فقال : \": تهنئة الكفار بعيد الكريسمس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق كما نقل ذلك ابن القيم (رحمه الله) في كتابه ( أحكام أهل الذمة ). حيث قال: وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك أو تهنأ بهذا العيد ونحوه؛ فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب؛ بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر؛ فقد تعرض لمقت الله وسخطه. انتهى كلامه رحمه الله. وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام؛ لأن هذا أعظم من تهنئتهم لها لما في ذلك من مشاركتهم فيها. وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى أو أطباق الطعام أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( من تشبه بقوم فهو منهم)). قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه ( اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ) : مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء . انتهى كلامه. ومن فعل شيئاً من ذلك فهو آثم سواء فعله مجاملة أو تودداً أو حياء أو لغير ذلك من الأسباب؛ لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم . فتنبهوا رحمكم الله- ونبهوا من قد يخفى عليه الأمر من العمال ومدراء الشركات، وأصحاب المطاعم، وكذا من أبنائنا الطلاب المبتعثين إلى دول النصارى لدراسة أو غيرها. نبهوهم لذلك . بقي أن يقال هذا الكلام المبني على دليل وتعليل ومتمشي مع عزة المسلم وما يراد من المسلمين لن يروق لبعض الإعلاميين السطحيين وهذا الكلام في ميزانهم تشدد لا يناسب العصر . فتبهنوا أيضا لذلك، وخذوا حذركم ! فاللهم أعز الإسلام والمسلمين . ثم لتعلموا، أن من بركة هذا اليوم ساعة الإجابة فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال \" إنَّ في الجمعة ساعةً لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه \" متفق عليه وهي إما أن تكون من جلوس الإمام للخطبة إلى انقضاء الصلاة أو أنها بعد العصر. فاجتهدوا في هذين الوقتين بدعاء الله تعالى ادعوا لأنفسهم ولعامة المسلمين . اللهم وفق ولاة أمرنا ...
[1] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصى فقد لغا" . رواه مسلم