إن الحمد لله
أما بعد :-
فاعلموا - رحمكم الله - أن العلم للقلوب هدى وضياء، ومن جملته ما يكون كهيئة الدواء، تطلبه النفوس مؤملة به الشفاء
( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) .
هذا هو العلم، وهذه ثمرته، ولذا أمر الله نبيه بالتزود منه (وقل رب زدني علما) .
أما الآراء فقد ركبتها الأهواء، فمن الآراء ما هو كهيئة ما يخرجه الإنسان في دار الخلاء، لا تقوى الآذن على سماعه، وتبلغ القلوب الحناجر حنقاً عليه، وترتعد الفرائص فرقاً وخوفاً منه، ولا تستبيح الألسن أن تذكره إلا عند داعية الضرورة، ولكن لا ضير (حفت الجنة بالمكاره)، (وكتب عليكم القتال وهو كره لكم) .
أجل أيها السامعون: أجل الله سمعكم .
هل سمعتم بالقذر عبدالله بن أبي ابن سلول ؟
سمعتم لا شك !!
أليس هو الذي حكى الله عنه قوله: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ؟
أليس هو الذي قال: ليخرجن الأعز منها الأذل ؟
ويعني بالأعز نفسه وبالأذل رسول صلى الله عليه وسلم .
بلى هو القائل هذا كله وغيره أكثر .
(كبرت كلمة تخرج من أفواههم)
ما الخطب ؟ لماذا نعيد ذكره ؟
وقد مات بعد حياة ملؤها الكفر والنفاق، وصلى عليه من كان بالمؤمنين رءوفا رحيما حتى تبين أنه ليس من المؤمنين فقيل له: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) .
فهو في الدرك الأسفل من النار (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا) .
يعود السؤال ثانية، ما الخطب ؟ لماذا نعيد ذكره ؟
أيها الإخوة: أعدنا ذكره، لأننا وجدنا له أحفادا يعيشون في زمننا هذا، بل إن أحفاده لم ينقطعوا، والقائلون بمقالته لم تنته سلسلتهم .
ممن فاح ريحهم، وانتفش ريشهم في هذا الزمان ثلة ممن عدموا توفيقهم، فأذاعوا ما سطرته كتبهم، وأعلنته مرجعياتهم فيما بينهم ، وأخفته تقية عن غيرهم .
فقالوا بالإفك الأول، ورموا أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) بما برأها الله منه .
ولهم في ذلك كلمات وموالات، وحفلات ورقصات .
تقربوا لله بالسب واللعن، وجرى في دمائهم العيب والطعن .
فقرت بأعمالهم عيون الأعداء، وهم من جملتهم وتحركت، بعدما عجبت لجرأتهم بالباطل مشاعر الأسوياء، فضلاً عن الصالحين والأتقياء.
أيها العقلاء: أتباع كل نبي هم صفوة الناس في وقتهم، وأقرب الخلق إلى ربهم، يعاينون الوحي والتنزيل ينزل على نبيهم، فلا يزال فضل الأتباع الأولين محفوظاً، ومقامهم لسابقتهم محروساً.
جعل الله لنا أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه، (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه)، وشرف أتباع موسى، وسمى الله الحواريين أنصار عيسى عليهم جميعاً وعلى نبيا الصلاة والسلام .
وحق أتباع محمد صلى الله عليه وسلم أن يكونوا أفضل الناس بعد الأنبياء، لعظم من اتبعوا، وشرف جاه من بسنته اقتدوا فخير الناس قرن النبي صلى الله عليه وسلم يقول صلى الله عليه وسلم (خير الناس قرني ثم ...)
ولكن الأمر ليس كذلك عند قوم آخرين، ورحم الله الشعبي حين قال: تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة .
سئلت اليهود: من خير أهل ملتكم ؟ فقالوا: أصحاب موسى.
وسئلت النصارى: من خير أهل ملتكم ؟
فقالوا: أصحاب عيسى.
وسئلت الرافضة من شر أهل ملتكم ؟ فقالوا: أصحاب محمد، أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم .
أعاذنا الله وإياكم من الأهواء المضلة .
هذه هي الجادة التي خطتها الشيعة بل هم رافضة، رفضوا الحق، وتستروا بنصرة الدين، وعداوة اليهود والنصارى وهم في حقيقتهم خدم لهم، ومرتمون بأحضانهم، والتاريخ لا يكذب أين الحروب التي خاضتها الرافضة ضد اليهود أو النصارى أو غيرهم في قديم أو حديث إن كانوا صادقين ؟
... لا تجد شيئاً ألبته.
وإنما سودت صحف التاريخ بخياناتهم للمسلمين، وتسلطهم على عباد الله من الحجاج والمعتمرين .
واسأل عن الأمة الخشبية من هم ؟ لتعرف أنهم الرافضة استبدلوا سيوفهم بالخشب وقالوا: لا نقاتل حتى يخرج المهدي فنقاتل معهم .
ثم كيف يقاتلون اليهود أو النصارى وقد لفقوا دينهم من اليهودية والنصرانية فكان بينهم وبين اليهود من المشابهة في الخبث وإتباع الهوى وغير ذلك، وبينهم وبين النصارى من المشابهة في الغلو والجهل وغير ذلك .
وقد ثبت عن الشعبي أنه قال ما رأيت أحمق من الخشبية لو كانوا من الطير لكانوا رخما ولو كانوا من البهائم لكانوا حمرا .
واسأل بالرافضة خبيراً شيخ الإسلام ابن تيمية، واقرأ له في ذلك كتاباً منيرا (منهاج السنة النبوية) .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا ...
أما بعد:-
في مثل هذه الأيام من العام الماضي تجرأت شرذمة من الرافضة الحوثيين على حدود بلادنا الجنوبية طامعين في خلخلة الأمن وإرباك الوضع، واستغلال اشتغال الدولة بأمور الحجاج، وتم ولله الحمد رد كيدهم، وإبطال سعيهم، وحصل للناس ولله الحمد- تعرف على الرافضة بوجه جديد .
وأدركت الحكومة والشعب أن من لم يكن على دينك فلا يؤمن جانبه فضلاً عن أن يكون لك معينا أو نصيراً .
واليوم تسفر الرافضة للعالم كله عن وجه آخر لها مسود وحديث الساعة هو الذب عن عرض أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مما تفوهت به أفواه آثمة .
وليست القضية قضية شخصية مع شاب غره برداه ونظره في عطفه، ولكنه مكر الليل والنهار
وإلا فماذا وراء الطعن في عائشة رضي الله عنها إلا الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتدنيس فراشة .
وماذا بعد الطعن في الصحابة وتكفير الشيخين أبي بكر وعمر إلا الطعن في الدين، لأنهم حملته والمبلغون له.
ومع عظم الحدث، ونكارة الموقف نقول ما قال الله تعالى (لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم) .
أما عائشة فإن هذه حسنات أراد الله أن تساق لها في هذا الزمن العصيب .
وعرف الناس قدرها واسترجعوا بعض فضائلها، وهي العالمة المفتية يرجع إليها كبار الصحابة، ولا يكادون ينادونها أو يخبرون عنها إلا بأم المؤمنين، وبالصديقة بنت الصديق .
قال أبو موسى رضي الله عنه: ما أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حديثٌ قط، فسألنا عائشة، إلا وجدنا عندها منه علما.
من بركات عائشة رضي الله عنها وهو من الخير الذي قال الله فيه (بل هو خير لكم)
أن نزلت ست عشرة آية متوالية في أول سورة النور في بيان نزاهة عائشة، وفي تأديب المؤمنين ألا ينساقوا للأقوال التي يطلقها المندسون في المجتمع المسلم، وجعل الله القذفة ملعونين في الدارين، وتوعدهم بعذاب عظيم في الآخرة، وبأن ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم تشهد عليهم، وأنه يوفيهم جزاءهم الحق الواجب الذي هم أهله حتى يعلموا أن الله هو الحق المبين [1]..
آيات عظيمة ودروس نافعة نفعنا الله بها جميعاً، ورزقنا تعظيم حرماته، وتوقير رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وزوجاته .
(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم)
أيها الآباء: أيها المعلمون وأنتم في بداية عام دراسي من الخير المرجو في هذا الحدث كما لفتت الرافضة انتباه العالم بالباطل فلنلفت أنظار العالم بالحق، ولنشع مناقب القوم الذين اختارهم الله لصحبة نبيه، ولنعرف الأجيال على مناقب أمهات المؤمنين وأن أداء حقوقهم جزء من ديننا، وأن من عادى واحدة منهن فهو عدو لنا، لا نقبل منه صرفاً ولا عدلاً، ولا ندس رؤوسنا بالتراب باسم التقريب بين الشيعة وأهل السنة، وأي قرب يغني من قوم عرفت بعض صفاتهم، وما تخفي صدورهم أكبر .
(وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)
ومع غضبتنا الشرعية نتواصى ألا يمسها طائف من الشيطان فيخرج بعض المسلمين عن طورهم، أو يملي عليهم عدوهم ما يريده منهم، وخير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم في سلمه وحربه في غضبه ورضاه .
وفق الله المسلمين لكل خير، وهيأ لهم من أمرهم رشداً وبصرهم بأعدائهم، وكفاهم شرهم ...
[1] ينظر الكشاف في آيات النور
للاستماع للخطبة من هنا