خطبة الجمعة18-8-1431هـ بعنوان إلا ظله-2

إن الحمد لله أما بعد:-
فحديث الجمعة السابقة لا يزال ندياً في أذهاننا، ونفوسنا ترغب الاستظلال بمعانيه راجية أن تستظل بثواب الخصال التي فيه .
يقول أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : \" سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظلَّ إلا ظله : إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله ، ورجل معلق قلبه في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال : إني أخاف الله ، ورجل تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه \" متفق عليه .
انتهينا إلى قوله \" ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال : إني أخاف الله \" .
ألا ما أعظم الخوفَ من الله .
تدفع به الشرور ، ويسلم به الدِّين .
تهيأت الأسباب واندفعت الموانع فهو مطلوب لا طالب، كُفِي مؤونة التحايل والمراودة، عرضت نفسها وهي ذات منصب وجمال، فمنصبها يؤمن العاقبة، فلن يصل إليه سوء لو كشف أمره فهي ذات منصب فسوف يستر أمره لأجل منصبها وحفظاً على سمعتها .
ثم هي ذات جمال والجمال فتنة ، ثم دعته ولن يكون ذلك غالباً إلا حال انفراد وبعدٍ عن الناظر .
ومع هذا كله لم يمنعه إلا خوف الله .
خوف الله الذي ينهى الإنسان من أجله النفس عن الهوى، ولم يتردد عن التصريح بذلك زجراً لنفسه، ومعذرة وحجة لخصمه .
فكيف حال من لم يصبر على ما هو أقلُّ من ذلك ؟
كيف حال من صار يتتبع نظرة لا تحل له هنا أو هناك عبر قناة ؟
أتُرى من هذه حاله يصبر في مثل هذا الابتلاء .
وحين يذكر هذا الموقف يذهب الذهنُ إلى الكريم ابن الكريم يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام .
(وراودنه التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت : هيت لك) .
فلجأ إلى الله، قال : معاذ الله ، وفطن أن ذلك خيانة وظلم : إنه لا يفلح الظالمون ، ثم سعى في الفكاك من هذه الورطة وغادر المكان هارباً بدينه \" واستبقا الباب \".
الله أكبر ما أعظم ما تفتن به النفوس، وتمتحن به القلوب في هذا الزمن عبر التقنيات الحديثة.
فأين محل العقل المدعوم بالشرع تجاه وسائل جندها بعض من تخطفتهم الشياطين لتهوين الفاحشة، والتساهل في مقدماتها، وسائل ظاهرها الخير في أيدي قوم، وباطنها سعير في القلب .
فأين من يقول إني أخاف الله حينما تحلو له دردشة عبر غرف الدردشة في مواقع الإنترنت .
دردشة كتابية تجر بعدها إلى صوتية ثم إلى صورة مرئية .
ما أصعب التساهل، وخيبة للمتخاذل.
أين من يقول إني أخاف الله.
حينما تدعوه نفسه لاتصال في جواله حينما يضعف الإيمان، ويرق الخوف من الله ليمارس في هذا الاتصال دور الذئب الذي لبس جلد الضأن .
أين من يقول إني أخاف الله ؟ .
حينما يتلقى دعوة عبر رسالة داخلية أو خارجية ليطلب منه فيها الاتصال بعبارات الإغراء، ومكر الليل والنهار .
أين الخوف من الله ؟ .
أين من يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه؟، (فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى، وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)
فالله حفظاً لعبادك .
سادس خصال الخير (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)
ما أكبر همته!!
غلب نفسه فتصدق بجزء من ماله، ثم غلب نفسه مرة ثانية فأخفى صدقته، بل بالغ في إخفائها لا يريد أن يكون في صدقته حظ لأحد حتى لو استطاع أن يخفيها عن بعض بدنه فلا تعلم يده الشمال بما تصدق به لو استطاع ذلك لفعل .
فمجاهدة النفس وقهر حب الظهور أسمى مراميه، واطلاع الله ومعرفته بصدقه وصدقته يكفيه، ويغنيه .
فمدح الخالق أكبر من مدح الخلق، وذكر الناس لا يعدله ذكر الحق .
أيها الموفق تنبه أن صدقة السر حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه لها صور قد لا نتفطن لها وهي من صدقة السر .
من يشتري بقصد نفع البائع وحثه على التجارة، فهو فقير دخل التجارة ويده على قلبه لا يدري هل ينجح أو يخسر؟
فيأتي بعض الموفقين يشتري، ثم يشتري ثم يشتري أشياء قد لا يحتاجها في وقته الحالي، بل وقد لا يحتاجها أصلاً، وهو على كل لن يضيعها.
ربما يتصدق بها أي كان، فغرضه نفع هذا البائع حتى يخط خطه بين المتكسبين، فيغتني عن سؤال الناس، ويكف وجهه عن صدقات المحسنين .
شخص آخر يشتري حاجته، ولكنه يتصدق بصدقة خفية، قد بيتها وانطوت له فيها نية، كيف ؟
هو لا يماكس البائع، ولا يراجعه ليحط عنه جزءاً من الثمن بل ما زاد عن سعر المثل قصد به نفع صاحب السلعة لفقره .
تلك صدقة خفية، (لا تعلم شماله ما تنفق يمينه).
فهل نتفطن لهذه المعاني ونحن نستقبل موسم التمر، وثلة من شبابنا دفعتهم الحاجة يبتغون من فضل الله .
فتشتري من سلعته، وهي ليست أطيب السلع، ولكن الشراء منه من أطيب الصدقات !!
معنى عظيم، ونية صادقة !! .
أحد المباركين وظف نفراً من الناس ليست له بهم حاجة ولكنه توظيف صوري!
توظيف بنية الصدقة فهو يحتسب ما يدفعه مرتباً له، قبل أن يحسبه ليعطيه إياه.
يحتسب ريالات مرتبه صدقة يرجو أجرها وذخرها فسبق احتسابه عدَّه وحسابه.
قال بكر بن عبد الله المزني \" ما فضلكم أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة ، ولكن بشيء وقر في صدره \" .
وفقنا الله جميعا لنية الخير ...
أقول قولي هذا ...
الثانية :
الحمد لله ...
ختام السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه.
أيها الأخ المبارك: هل جربت لحظات صفاء النفس ورقة الروح، وأنت خال عن الناظر.
خالياً بربك .
هيئتك خضوع وسكينة لا يعلم بها إلا الله .
صوتك محجوب عن كل أحد إلا عمن وسع سمعه الأصوات .
حينها تذكر الله بلسانك، وتلهج بتسبيح أو تحميد أو تكبير أو تهليل أو يجري على لسانك شيء من آيات الذكر الحكيم فلا تملك نفسك هيبة لله، وشوقاً إلى موعوده فتنهمر عيناك بدموع الخوف والرجاء .
لم تتمالك نفسك حينما تذكرت عظمة الله، وحاجتك إليه، وأنت منطرح ذليل بين يديه، فانطراحك عز ملأ قلبك، ومناجاة التذلل ملأت نفسك وحشرجت في صدرك ما أسعدك بهذه الحال (رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)
فبالله علينا كيف حرمتنا ذنوبنا أمثال هذه اللذائذ، وغابت هذه الحياة الحقيقية ؟.
جرب نفسك في آخر ساعة من يوم الجمعة أو ثلث الليل الأخير وقت النزول الإلهي وارفع يديك وقل: يارب عبدك المسكين لا تحرمني بذنبي، ولا تكلني إلى غيرك طرفة عين أصلح لي شأني كله.
ثم استمطر عينيك متذكرا نعم الله لديك فهو الذي خلقك، وهداك، وقواه فرفعت يديك، ووفقك فدعوت .
فكم نعمة نسيتها ؟، وكم حاجة لك قضاها ؟
وكم نقمة ومصيبة دفعها عنك ؟ .
فما أعظم خيره نازلة إلينا، (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)
وعن عقبة بن عامر قال: قلت: يا رسول الله! ما النجاة؟ قال: (أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك) رواه أحمد وغيره .
فاللهم إنا نعوذ بك من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها ...

للاستماع للخطبة من هنا

قائمة

Rss قاريء

عن الشيخ

مواقع ذات صلة

الروابط

مواقع التواصل