الحمد لله رب العالمين
أما بعد:-
فإن كان عمر لا يرانا فإن رب عمر يرانا!
عبارة أطلقتها جارية في ظلمة ليل بهيم، في طرف المدينة النبوية، وما علمت أن الله سوف يكتب لهذه الكلمة خلوداً إلى يومنا هذا إلى ما شاء الله .
ولم يجر في خاطرها أن هذه الكلمة التي قد بلغت من رضوان الله ما سطرتها دواوين الإسلام، ورقمت في تاريخ الأمة لتنقلها إلى الأجيال .
أجل معاشر الإخوة السامعين (إن كان عمر لايرانا فإن رب عمر يرانا)
هذا هو عنوان قصة عظيمة ليست طويلة في أحداثها ولكنها طويلة في معناها حيث امتدت حبال المراقبة، وكمال الخشية فلم يضعفها الغياب عن الناظر، و في ساعة الخلوة جرى اللسان بصدق الخاطر، مستشعراً عظمة القوي القادر .
في تاريخ ابن عساكر وعند ابن كثير وذكرها شيخ الإسلام في بعض كتبه، وله أسانيد متعددة
قصة فتاة في بيت أهلها كان همها الأول رضا الله في السر قبل العلن .
وقد كان في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتاس يقومون بخلط اللبن بالماء ليكثر لبنهم، ويزداد بيعهم! فشكى الناس ذلك لعمر رضي الله عنه .
أرسل عمر أمير المؤمنين مناديًا ينادي في الأسواق ويقول: يابائعي اللبن: لا تشوبوا اللبن بالماء ، فتغشوا المسلمين، ومن يفعل ذلك فسوف يعاقبه أمير المؤمنون عقابًا شديدًا .
هذا عمر بن الخطاب الذي روي عنه أنه قال: لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها لم لم تمهد الطريق لها يا عمر؟
فخرج ذات ليلة مع خادم له يدعى أسلم ليتفقد أحوال الرعية بالليل، ثم جلس ليستريح بجوار أحد الجدران فسمع امرأة تقول لابنتها: يا بنيتي هيا قومي فاخلطي اللبن في الماء!
فقالت الفتاة لأمها: يا أماه أما سمعت ما قاله منادي أمير المؤمنين اليوم ؟.
فقالت الأم لابنتها وما قاله منادي عمر، فقالت الابنه: إنه أمر ألا يخلط اللبن بالماء، فقالت الأم لابنتها: يا بنيتي قومي فاخلطي اللبن بالماء فإنك في موضع لا يراه عمر ولا منادي عمر!
فردت الفتاة على والدتها والله يا أماه ما كنت أطيعه في العلن وأعصيه في الخفاء، وإن كان عمر لا يرانا فإن رب عمر الله سبحانه وتعالى يرانا! .
سمع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه هذا الحديث بين الأم وابنتها!
فنادى خادمه، وقال له يا أسلم ضع علامة على هذا الباب.
وفي الصباح أمر أسلم أن يذهب ويستطلع أحوال تلك البيت، ومن تكون تلك الفتاة ؟
وهل لها زوج أو لا؟
فذهب خادمه أسلم إلى نفس المكان وسأل عن أهل البيت فعلم أن اسم الفتاة اسمى أم عمارة بنت سفيان بن عبدالله بن ربيعة الثقفي ، جارية تعيش مع والدتها العجوز ولا زوج لها.
لما أخبر أسلم أمير المؤمنين أن الفتاة لا بعل لها أرسل أمير المؤمنين إلى أبنائه الثلاثة عبدالله وعبدالرخمن وعاصم وقال لهم: هل فيكم من يحتاج إلى امرأة فأزوجه ، ولو كان بأبيكم حركة إلى النساء ما سبقه منكم أحد إلى هذه الجارية، فكانت من نصيب عاصم بن عمر
فبعث إلى الجارية فزوجها من عاصم وكان عاصم بن عمر بن الخطاب من النبلاء وكان من أحسن الرجال خلقًا وأخلاقًا وكان شاعرًا فصيحا ً، وقد ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وروى عن أبيه الحديث
فأنجبت أم عمارة المرأة الصالحة لعاصم بنتين إحدهما ليلى بنت عاصم، والدة عمر بن عبدالعزيز الذي أخذ سيرة جده عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه) .
مراقبة لله في السر جرت زوجاً صالحاً في العلن
حيطة للدين فتحت بيتاً مطيعاً لرب العالمين
ما أطيب لقمة الحلال، وما أهنأ آكلها .
ما أعظم بركة الريال الذي من حله، ويصرف في محله.
سلامة في الدنيا، وعدم مؤاخذة في الأخرى
(ونعم المال الصالح للرجل الصالح)
أقول قولي هذا .... الحمد لله
معاشر أبنائنا الطلاب بعد غد بداية اختباراتكم، وأيام تمييز لتحصيلكم فليكن شعاركم (إن كان عمر لا يرانا فرب عمر يرانا)
أجل سوف يغيب الرقيب البشري، في الاختبارات عن بعد وتخلو بنفسك مع جهازك الحاسوبي، وسوف تقرأ الأسئلة بنفسك، وإجابتها قد يكون حاضرة في ذهنك، وما غاب عنك وصعب عليك استذكاره فإنك قد تستخرجه من مصدره، وقد يمدك به زميلك بأيسر طريق، وأسهل وسيلة ولكن يبقى (ليعلم الله من يخافه بالغيب) (إن كان المعلم لايرانا، فإن رب المعلم يرانا) ولا تقل هذه طريقة بعض أو كثير من الطلاب، لاتنظر إلى من هلك كيف هلك ؟ ولكن انظر إلى من نجا كيف نجى؟
(ومن يستعن بالله يعنه الله)
فاللهم إنا نسألك توفيقاً لأبنائنا وبناتنا، اللهم ارزقهم العلم النافع، والعمل الصالح، اللهم احفظهم من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وألهمهمرشدهم وقهم شرور أنفسهم