الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين والحمد لله القريب المجيب، عم برحمته ورزق بقدرته البعيد والقريب ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا)
(وكأين من دابة لاتحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم) لا إله إلا الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا إله إلا الله الولي الحميد (وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) وأشهد أن محمدا عبده ورسوله عبد ربه حق عبادته، ودعا ربه في حوائجه كلها، وعلم أمته أنه لايجيب دعاءها ولا يكشف كرلها إلا الذي خلقها فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بهديهم إلى يوم الدين وسلم تسليما ...
أما بعد:-
فهذا آوان نزول المطر، وتأخره عن وقت نزوله مؤذن بقحط الأرض، وحصول ضرر
وقد اجتمع المسلمون في بيوت الله موقنين أن الشكوى إلى الله عز ومنعة، والافتقار إليه غنى وسعة .
فالحياة لا تطيب إلا بالقرب من رب الأرض والسموات، فهو الذي يرسل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته ويقسم الأقوات .
حقيقة ابن آدم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم (كل بني آدم خطاء) ولكن هذا الداء لا بد أن يتبع بالدواء (وخير الخطائين التوابون)
فنستغفر الله ونتوب إليه .
نستغفر الله من ذنوب السر والعلن، نستغفر الله مما جدَّ من ذنوبنا، أو تقادم عليه الزمن .
أيها الإخوة: كل من تخافه تهرب منه، إلا الذي خلقك ويعلم سرك وجهرك، وقوتك وضعفك فإذا خفته أقبلت عليه، وإذا عصيته لُذت به وفررت إليه (ففروا إلى الله)
الارتباط بالله سعادة الإنسان في نفسه، واستقراره في أسرته
الارتباط بالله هو رباط قلب المؤمن وقوته في هذه التغيرات والتجاذبات المتنوعة .
الارتباط بالله يعطيك الثقة بدينك، والبصيرة في أمرك، في زمن صار للرويبضة منبر كلمة، ينتقي من شرع الله، ويعيب من سنة نبيه ما لا يوافق هواه
الارتباط بالله يخرجك من ظلمات الشهوات التي خدرت عقول الآباء، وتورط فيها قوم من الأسوياء!
فكيف يصمد له البنات والأبناء والله المستعان وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم .
فالذنوب تنزع بركة الأعمار والأرزاق وتوجد الوحشة في القلوب، وتفسد الألفة في البيوت (وما ربك بظلام للعبيد)
(أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير)
ودواء الذنوب، ومطهر القلوب دوام الاستغفار، وأصدق الاستغفار ما قارن تعظيم الله الواحد القهار .
فالاستغفار برد قلوب العاصين، وأوبة عباد الله الغافلين، وسكينة لنفوس الحائرين المضطربين .
فنستغفر الله ونتوب إليه .
أمر الله نبيه بالاستغفار، فقال: (وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) فكانت حاله ما رواه االأغرّ الْمُزَنِي: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:"إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ"[رواه مسلم].
ليغان: أي: ينتابه من الضيق، والضنك، ويشتته الغم والحزن، فيرده عليه الصلاة والسلام ويلم شعثه بالاستغفار، بل بإكثاره وإطالة اللهج به .
وعَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم:"طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا"[رواه ابن ماجة وصححه الألباني].
وعن زيد مولى رسول الله: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ"[رواه أبو داود والترمذي والحاكم وقال على شرط الشيخين وصححه الألباني].
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ" رواه أبو داود وأحمد، وهو حسن بمعناه.
أيها الإخوة: ما أحوجنا أفراداً وجماعات إلى الصدق مع الله بكثرة الاستغفار موقنين بأثره، مخلصين لله فيه. فقد جعل الله الاستغفار سبباً لدفع البلاء والنقم وأمنة من العذاب والفتن يرفع الله به من السوء والمحن، ويحفظ به البلاد والعباد، قال الله تبارك وتعالى (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) .
نستغفر الله ونتوب إليه .
ولعظم عبادة الاستغفار جعل لها أثراً في صلاح أمور الدنيا والدين (وأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ)
وأول رسل الله نوح عليه السلام قال الله عنه (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12].
والاستغفار سبب قوة في المال والولد والصحة في البدن وفوة في العقل والحجة نبه هود عليه السلام قومه لذلك فقال: (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم)
أيها الإخوة: خرج الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عام مجاعة وقحط خرج بالناس يستسقي, فلم يزد على الاستغفار فقيل له في ذلك فقال: "لقد سألت الله عز وجل بمجاديح السماء التي يُستنزل بها المطر، ثم تلا قوله تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ﴾ .
اللهم إنا نستغفرك ....
فتح الله على بعض عباده من العلم ما صاروا يظنون بسببه نزول المطر في وقت كذا في مكان كذا .
والتوقعات المطرية وغيرها من التقلبات الجوية هي مبنية على مقدمات مشاهدة قد ينطبق ويقع ما توقعوا وتخلف أحياناً كثيراً
وهذه لايجوز أن تضعف تعلق الإنسان بربه بل من كمال سلطان الله أنه أحسن كل خلقه وجعل لكل شيء سببا يرتبط به فهو الذي ينشئ السماء ويسوقه بقدرته