• ×

admin

خطبة الجمعة بعنوان (أذية التقنية)

admin

 0  0  237
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

الحمدُ لله ربِّ العالمين ...

أما بعد :-

فإن من الناس من هم مفاتيح للخير، مغاليق للشر، ومنهم من هو مفاتيح للشر مغاليق للخير.

أجل، فهل سألت نفسك يوماً يا عبد الله أين تجد نفسك في هذا التصنيف ؟

بالكلمة يدخل الإنسان في هذا الدين، ويكون أخاً لنا في عداد المسلمين .

بالكلمة الصادقة تتغير أحوال قوم، وتنبسط أساريرهم، وتنشرح صدورهم .

وبالكلمة يرد العاصي عن عصيانه، وبسببها يكف عن طغيانه (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموغظة الحسنة) .

والكلمة إذا خرجت من القلب فقرارها في القلب، وأثرها إلى ما شاء الله، وربما استطاب المرء كلمة فاستعاد ذكرها وقد مضت عليها سنوات، فهو يحسن بدفئها، ويساشعر نعومتها وإن خلفتها أيام وفات عليها ما فات!

هذه بعض آثارها في العاجلة، ,وأثرها في الدار الباقية أعظم وأجل (وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله يبلغ بها المنازل العالية ...)  

وفي مقابل هذا عظم الشارع شأن الكلمة إذا خرجت عن مسارها، وركب صاحبها مركباً صعباً، وقال قولا شططاً.

لقد فتح الله على عباده في أزمنتنا هذه فتوح التواصل والاتصال بما لم يخطر على البال، ولولا أنه وقع وشاهدناه لكان ضرباً من التصورات ونوعاً من الخيال ! 

من كان يظن أنه سيعرف الحدث في أقصى شرق الأرض أو غربها، ويتابع مجريات أمر في ساعة وقوعه .

بل تفوق متابعته من  هم في نفس المكان، ويدرك بوسائل التواصل ما لايدركونه، وما قد يخفى عليهم .

فسبحان من قرب البعيد، وأدنى الأزمان، وطوى بقدرته قصي المكان .

فالطالب المبتعث في أقاصي ولايات أمريكا، والسائح في جبال أوربا، وأدغال أفريقيا بهمزة برأس أصبعه إذا هو بين أهله، يراهم ويرونه، ويحدثهم ويحدثونه، بأعلى جودة صورة وصوت فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم .

ألا تدل على اللطيف الخبير! .

أي شكر يستطيع العبد أن يقوم به تجاه هذه المنة، يقارب حق هذه النعمة (سبحانك لا نحصي ثناء عليك)

أيها الإخوة يأبى الشيطان إلا أن يستزل الإنسان (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) .

أي والله يقل الشاكرون لهذه النعمة !

فكانت نعمة التواصل وسرعة الوصول سرعة إلى ما ينقص الأجور، ويلحق بصاحبها الإثم والثبور.

 وصدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه .

لقد اختار فئام من الناس الحظ الأدنى من هذه التقنيات، واستغلوا هذه التطبيقات فرصدت في تصرفاتهم سيء المشاركات، وللأسف قبيح السنابات .

وللكلمة شهوة خفية، وللمتابعين، والمتابعات تأثيرات قوية، تضعف أمامها عزائم الرجال، وتخور على أثرها قوى الفضيلة حتى تقعد في طرق الرذيلة .

فهل يمكن أن يؤذي أحد أحدا عبر هذه الوسائل ؟!

هل يمكن أن يفسد على أحد عيشة هنية ؟!

هل يمكن عبر سنابات – وهي أشهرها - أو غيرها من التطبيقات أن يوقظ فتنة نائمة أو يحرك شهوة إلى الشر غافلة؟!

كل ذلك وغيره ووقع ويقع ممن قال الله عنهم (ولاتطع من أغفلنا قلبه ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) !

هل يعلم الكلمة ربما أفسدت بيتاً، وخببت زوجاً، وبررت قطيعة، وأدامت عقوقاً، وغيرت قلوباً صافية، ونفوساً وافية؟!

هل سمع مقالة أحد الجالسين حينما أفصح عن كرهه لذاك البلد بعد سنابات فلان، أو ذاك الذي لايطيق من ينتسب إلى قبيلة بني فلان بعد أن عرض المسنب فلان بنقائص القبيلة، ولمزهم بمواقف لهم، وعابهم بما هو فيهم، أو بما ليس فيهم .

إذن عدنا إلى الجاهلية الأولى، يقيم الحروب شطر بيت في الهجاء، وتراق الدماء، وتنتهب الأموال .

سبحانك هذا بهتان عظيم

هل يعلم المترددون على أماكن الفساد ودور الخنا، وطاولات الخمور و المسنبون بما رأوا ومصورو المقاطع أن عملهم هذا إشاعة للفاحشة، وتخفيف لوقعها على النفوس، وتطبيع لها في أوساط متابعيهم من الشباب والشابات، بل هو دعاية لتلك الأماكن، ويخشى عليهم من قوله تعالى (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة)

ألا من ابتلى بشيء من هذه الأوحال المنتنة فليستتر بستر الله، وليسأل الله العافية ولا ترِ متابعيك ما استزلك الشيطان إليه من أماكن الإختلاط، وتؤذيهم بمناظر ضاعت فيها الحشمة، ونزع منها الحياء، ولا تسمعهم ما حرم الله عليهم من مزامير الشيطان، (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون)  

الحمد لله ...

لعلك أدركت أن تطبيقات الجوالات الذكية، عبثت فيها بعض نفوس غير تقية، وصارت فتنة لهم، (وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم)

فكن يا عبد الله على حذر، وفي مسند الإمام أحمد قال النبي  r " لا تؤذوا عباد الله، ولا تعيروهم ، ولا تطلبوا عوراتهم ، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته؛ حتَّى يفضحه في بيته" .

وإن مما يتأكد التواصي والانتباه له ما تورط بعض الأشحاص على احتلاف مقاصدهم فصاروا يجتزؤون من كلام المتكلم عالماً أو أميراً أو مسؤولا يجتزؤن بعض كلامه ويحرجونه من سياقه حتى يفسد الكلام، ويتغير مقصود المتكلم تغيرا تاما فيدان بما لم يقله، ويثرب عليه ما قال، وإنما قُوِّل إياه ولم يقله بسبب القص واللزم وما قد يسمى بالدبلجة فيا سبحان الله (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين)

فحينما يؤت بكلام العالم وهو يذكر حديثاً ضعيفاً أو موضوعاً ثم يقص من الكلام بيان العالم وضع الحديث  وكذبه أو ضعفه فيغتر السامع بهذا الكلام المبتور وينسب للعالم ما أراد خلافه !

من يتنبه لهذا ؟

ومثله أو أسوأ منه أن يؤت بالكلام بعيداً عن سياقه أو كانت مناسبته في زمن انتهى، والكلمة قد تكون غير مناسبة لكن سياقها أو زمنها الذي قيلت فيه يشفع لها وتزول وحشتها ويعذر قائلها .

وحمزة أسد الله وأسد رسوله رضي الله عنه يقول في وجه النبي صلى الله عليه وسلم (هل أنتم إلا عبيد أبي؟)

وكان قد شرب الخمر قبل تحريمه

وأبوسفيان رضي الله عنه يقول بأعلا صوته قبل إسلامه (اعل هبل، ولنا العزى ولا عزى لكم)!

وهذه مقولات محكومة بزمنها وظرفها !

ولكن يأبى قوم إلا أن ينقبوا عن أمثال هذه ويتصيدوا كلمات وتصريحات لمسؤلين أوغيرهم ليعيبوها أو ليضحكوا بها الناس فويل لهم ثم ويل لهم .

(والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا) .



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 09:33 مساءً الثلاثاء 1 يونيو 1446.