الحمد لله رب العالمين ، لك اللهم الحمد لا نحصي ثناء عليك ، جعلتنا مسلمين ، وأكملت لنا بفضلك معالم الدين، وشرفتنا فجعلتنا من أمة سيد المرسلين .
صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :-
فإنَّ الله هدانا بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وأخرجنا به من الظلمات إلى النور، وآتانا ببركة رسالته ، وبمنَّة بعثته خير الدنيا والأخرى ، وكان من ربه بالمنزلة العليا، أوجب على العباد تعزيره وتوقيره .
والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث عن العظماء .
وتكفى العظيمَ عظمته ، وينبئ عن كمالاته هديه وسيرته .
كلامنا أيها الإخوة عن نبي حنَّ إليه جذع نخلة وعرفه الشجر، وأشرقت الأرض بطلعته وسلَّم عليه الحجر .
فكيف كانت حياته ؟!
كانت حياته كلها في عبادة وتعليم ، وجهاد وتنظيم أمضى أربعين سنة قبل البعثة لا يعرفه قومه إلا بالصادق الأمين ثم أتاه الروح من أمر ربه (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا) فنبئ بـ(إقرأ) وأرسل بالمدثر فأنذر عشيرته الأقربين ثم عمَّ قومه أجمعين وبقي في مكة داعياً إلى ربه ثلاث عشرة سنة، وهو في محاجة قومه ينذر ويبشر ، ويلين ويغلظ
فلاقى هو وأصحابه من أذى المعاندين للدعوة الشيء الكثير ، استهزئ به ورمي بالتهم ، حاصرهم المشركون في شعب أبي طالب حتى أجهدهم الجوع
توفي عمه أبو طالب وزوجه خديجة وهما عضداه في الدعوة فصبر واحتسب .
كل هذه وغيرها لم تفت في عزمه بل كانت حياته كلها جدُّ ونشاط لم يعرف العجز إليه سبيلاً ولا الكسل لنفسه مدخلا .
فإن عرجنا على عبادته صلى الله عليه وسلم فإنك تسمع عجباً ، كان يقومُ مِن الليل حتى تتورَمَ قدماه ، ويُصَلِّي مواظباً في يومِهِ وليلته على أربعين رَكْعَةً لا يَخُلُّ بها .
منها سبعةَ عشرَ ركعة فرضاً ، والباقي اجتهاداً وتزوداً في طاعة الله ، عشر ركعات ، أو ثنتا عشرة سنة راتبة ، وإحدى عشرة ، أو ثلاثَ عشرةَ ركعةً قيامه بالليل ، وما زاد على ذلك فعارِضٌ غيرُ راتبٍ … زاد المعاد (1/327).
وأما بذله للمال وتفريقه للصدقات فكان يبادر أصحابه بما يأتيه من الصدقات والغنائم يوزعها عليهم ويبالغ في عطاء من يتألفهم . وهو القائل عليه الصلاة والسلام " اليد العليا خير من اليد السفلى ، واليد العليا هي المعطية والسفلى هي الآخذة "
وأما الصيام فلقد كان يصوم حتى يقال : إنه لا يفطر .
وربما واصل الصيام فلم يفطر أياماً متواصلة مع نهيه أصحابه عن المواصلة شفقة بهم .
أما أخلاقه وجميل صفاته فقد زكاه ربه بقوله (وإنك لعلى خلق عظيم) فلقد كان أحلم الناس وأشجعهم وأعدلهم وأعفهم .
وكان غاية في التواضع وحسن العشرة يخصف نعله ويرقع ثوبه ، ويخدم في مهنة أهله .
يغضب لربه، ولا يغضب لنفسه ، يقبل عذر المعتذر ويمازح أصحابه ، ولا يقول إلا حقاً، وكان لا يمضي عليه وقت في غير عمل لله تعالى ، أو فيما لا بدَّ له منه من صلاح نفسه فصلوات الله وسلامه عليه .
إنَّ من هذه بعض أوصافه حقُّ على النفوس أن تحبه فطرة قبل أن تحبه شرعه, وأن تقدمه على كل أحد فليس قبل محبته إلا محبة الله الذي منَّ علينا ببعثته (لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم)
وكيف لا تحبه وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) .
وكيف لا تحبه وهو رحمة للعالمين (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) .
فاللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأصحابه أجمعين
الحمد لله ... أما بعد : -
فإن الحديث عن عظمة النبي صلى الله عليه وسلم عبادة، ومدارسة سيرته ذكر، والتأمل في منهجه يزيد الإيمان، ويحقق ما أمر به الرحمن (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) .
وإنه يجب على كل مسلم أن يحب النبي r محبة أعظم من محبته لنفسه ووالديه ، وولده ، والناس أجمعين .
فليس قبل محبة النبي r إلا محبة الله تعالى .
وقد حدث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوما حديثاً عظيماً تهتز له الجبال فكيف بقلوب الرجال؟ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا، نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ " رواه مسلم
إن هذا المقام لا يبلغه الإنسان إلا بعد أن يتعرف على هديه وسيرته، فالمعرفة تقود للمحبة، والمحبة الصادقة يكون أثرها اتباعَه r ظاهراً وباطناً، في المنشط والمكره ، والعسر واليسر
ولقد فهم الصحابة – رضي الله عنهم – المعنى الصحيح لهذه المحبة فأحبوه وعظموه تعظيماً يليق بمقامه .
ولم يتردد ربيعة بن كعب لما عرض عليه النبي r أن يسأل ما بدا له .
فقال يا رسول الله : أسألك مرافقتك في الجنة
قال : أو غير ذلك ؟
قلت : هو ذاك !
قال : فأعني على نفسك بكثرة السجود ([1]) .
اللهم نسأل حبك وحب من يحبك .
اللهم إنا نسألك حب نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وأن تجعل محبته أعظم في قلوبنا من محبة أنفسنا ووالدينا وأهلنا والناس أجمعين .
اللهم ارزقنا اتباعه ظاهراً وباطنا, اللهم أوردنا حوضه، وأدخلنا في شفاعته، وامننا علينا بشرف نشر سنته، والدفاع عن شرعه وشخصه .
اللهم عليك بالذين ينتقصون نبيك من الكافرين، والمنافقين، وسقطة الخلق السافلين
اللهم انصر كتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين .
اللهم وفق ولاة أمرنا لكل خير واجعلهم حماة لدينك، رحمة للمؤمنين، وقوة على أعدائك أعداء الدين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
([1]) رواه مسلم (1/353) .