الحمد لله جعل ذكره تطمئن به القلوب، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له محبته أعز مطلوب وأشرف مرغوب .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.
صلوات الله وسلامه عليه، وعلى جميع من سار على نهجه وأتبع سبيله إلى يوم الدين.
أما بعد: -
فإنَّ من أعظم نعم الله على عبده أن يكون قريب القلب من ربه، ثقته بما عند خالقه أعظم من ثقته فيما هو في يده.
فلنقف على شيئ من أحوال هذا القلب الذي إذا صلح صلح الجسد وإذا فسد فسد الجسد كله !
عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم رواه الطبراني في المعجم الكبير، وصححه الألباني .
امتدح الله أهل الإيمان بوجل قلوبهم عند ذكره (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون) .
وإن رقة القلوب وخشوعها وانكسارها لخالقها نعمة يخص الله بها من يشاء من عباده .
فرقيق القلب سابق إلى الخيرات مشمر في ميادين الخير، وأبواب الطاعات .
وصاحب القلب الرقيق ترده الموعظة إلى ربه، والكلمة الصادقة تحمله على صوابه، ولحظة التأمل وإعادة التفكر تخرجه من غيه، وتلهمه رشده .
في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم وعظ أصحابه يوما وكان مما قال: لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها.
الأنصار شعار والناس دثار إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) .
وفي رواية عند أحمد بإسناد حسن، قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله قسما وحظا. ويقول أنس رضي الله عنه: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء فخطب فقال: عرضت علي الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا!
فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشدُّ منه .
غطوا رؤوسهم ولهم خنين من شدة البكاء، أي: صوت .
وعن عائشة قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتطهر، ثم قام يصلي قالت : فلم يزل يبكي حتى بل حِجْره قالت : ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل لحيته قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض فجاء بلال يؤذنه بصلاة الفجر فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر ؟
قال: ( أفلا أكون عبدا شكورا لقد نزلت علي الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها (إن في خلق السموات والأرض الآيات كلها) إسناده صحيح على شرط مسلم
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب : ( إن الله أمرني أن أقرأ عليك (لم يكن الذين كفروا)، قال أبيٌّ : وسماني لك ، يا رسول الله؟ قال: (نعم) فلم يتمالك أبي نفسه حتى أجهش بالبكاء) متفق على صحته .
فهذه نماذج من سيرة القوم ، وهي غيظ من فيض، وقليل من كثير، فما الذي غيَّر القلوب بعد تلك القلوب، وما الذي منع الأبدان أن تقشعر لذكر علام الغيوب .
وما الذي حرم العيون أن تفيض بالدموع، وفقدت من قلوبها الخشوع "
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)
والمشتكى إلى الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
أقول قولي هذا واستغفر لي ولكم ...
الحمد لله رب ...
أما بعد :- فلتعلم –يا عبد الله- أنَّ أعظم عقوبة تحل في الناس هي قسوة القلوب إنها المصيبة التي لا يعزي الناس بعضهم بعضا فيها حين تركن إلى الدنيا وتستحبها على الآخرة، وتطلب من أمورها كل لذة عاجلة .
(إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون)
ألا فلنتق الله تعالى في غفلتنا ولنبادر في إصلاح قلوبنا
والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ويحييها إذا شاء .
وأعظم ما تحي به القلوب ذكر الله وتلاوة آياته (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) .
فبتلاوة القرآن يزيد الإيمان ويتعرف من خلاله العبد على ربه بأسمائه وصفاته وحججه ودلالاته فهو يقول بلسان حاله (سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير).
فلا تزال هيبة الله في قلبه تنمو، وخوفه من مقامه يزيد ويربو
ثم بعد النظر في آيات الله الشرعية يبقى النظر في آيات الله الكونية في خلق السموات والأرض وما بثَّ فيهما من دابة وفي سيرهم إلى ربهم (وهو على جمعهم إذا يشاء قدير)، وفي تقلب أحوال هذا العالم وتغير وجهاته وتباين موجوداته.
يقرأ حلم الله حينما يرى تسلط الظالمين، وتطاولهم في اتهام هذا الدين، وتنقصهم لرسول رب العالمين .
فلا إله إلا الله ما أسوأ قسوة القلب، وما أشقى حياة من قسا قلبه ! .
فاللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تهب لنا قلوبا خاشعة توجل لذكرك، وتأنس بعبادتك، اللهم إنا نعوذ بك من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع ومن علم لا ينفع ومن دعوة لا يستجاب لها .
ثم بعد عنايتك في قلبك فأنت مأمور بالمحافظة على بدنك وحفظ صحتك ولذا جاء التوجيه بتذكير الناس بأهمية أخذ اللقاح الموسمي حفظنا الله وإياكم في ديننا وأبداننا وأهلنا وأموالنا وجميع شأننا ...