• ×

د,عبدالرحمن الدهش

من جاء بالحسنة

د,عبدالرحمن الدهش

 0  0  873
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

إن الحمد لله ... أما بعد : - 

فأتم الناس شهرهم وأملوا خيراً من ربهم بصيامهم، وقيامهم  والله تعالى يقول: (أنا عند ظني عبدي به) . 

معاشر الإخوة لنا تأمل في قوله تعالى (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) 

لنا وقفتان تأمليتان في هذه الآية ونظائرها  

الوقفة الأولى ما فيها من بشارة لكل من عمل حسنة وأعظم الحسنات الحسنة التي تنجي صاحبها يوم القيامة قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه إبي طالب (يا عم، قل لاإله إلا الله) كلمة أحاج لك بها عند الله . 

إنها كلمة التوحيد .  

(ومن مات وآخر كلامه من الدنيا (لاإله إلا الله) دخل الجنة)  . 

ثم هذه الكلمة تستدعي كل خير يعمله الإنسان  

وفي صحيح البخاري عن وهب بن منبه: (أنه قيل له: أليس مفتاحَ الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى ولكن ليس من مفتاح إلا له أسنان فإن أتيت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح)  

والإيمان بضع وستون شعبة أعلاها قول: لإله إلا الله وأدناها إماظة الأذى عن الطريق) . 

معاشر الإخوة بالحسنة تحسن حياة الإنسان ويناله من جمالها مثوبة في الآخرة ودرجات في الجنان، وبذا سميت الجنة الحسنى  (للذين أحسنوا الحسنى ) . 

وبالحسنة تحسن حياة الإنسان في الدنيا فالطائعون لربهم أصحاب الحسنات هم أصحاب حسنة الدنيا قال الله تعالى (ِلَّذِينَ أَحْسَنُوا في هذه الدنيا حسنة)أي: رزق واسع، وعيشه هنية، وطمأنينة قلب، وأمن وسرور.فهم أشرح الناس صدراً (ألا بذكر الله اطمئن القلوب) . 

وعدهم الله أن لهم خيراً من الحسن التي جاؤا بها . 

أما وقفتنا الثانية فارعها سمعك فربنا عز وجل يقول (من جاء بالحسنة) فهتاك حسنات يؤتى بها وثواب الله لم يرتب على فعل الحسنات فقط فلم تأت الآية (من فعل الحسنات فله خير منها) وإنما لا بد من فعل واتيان بها . 

حينها تقول: وهل هناك حسنات تفعل ولا يؤتى بها ؟! 

وأين تذهب وقد فعلها الإنسان واجتهد فيها ؟  

هو صلى ما فرض الله عليه واجتهد في صلاة نافلة يتقرب بها إلى الله . 

لم تفته صلاة التراويح، ولم يتخلف عن التهجد آخر الليل. 

صام رمضان وشرع في صيام الست من شوال . 

وقرأ القرآن، وتصدق ودعا . 

فماذا بعد ذلك ؟ 

لا شك أن هذه أعمال صالحة وحسنات متجمعة هو فعلها ولكن بقي عليها أن يأتي بها لأن الله يقول: (من جاء بالحسنة)  

فرب عامل اشتغل بالحسنات لكنه لم يأت بها يوم القيامة ولم تأخذ مسار رفعة درجاته وزيادة حسناته واستمع لبيان ذلك   

عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «أتدرون ما المفلس؟» قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: «إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار»  

هؤلاء أيها الإخوة: أصحاب الحسنات الذين ذهبت حسناتهم تعلق بهم غرماؤهم حتى صار عملهم لغيرهم! 

واجتهاد حصله غيرهم فهل ترى أتعس من هؤلاء إنهم المفلسون ؟ 

وليس لإغلاسهم من الدينار والدرهم الذي يعوض ولكنها من حسناتهم التي تطايرت من بين أيديهم لأناس استهانوا بهم فقد ضرب هذا رجلاً في الشارع اشتد الخلاف معه فاستعان بقوته، فصار هو الخصمَ والحكمَ . 

وقد يكون مكفولا له خادما في بيته . 

بل قد تكون زوجته استقوى عليها وضربها ظلماً وعدوانا ونسي قوله تعالى (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهم سلبلاً إن الله كان علياً كبيراً)  

بل قد يكون ولده حينما رفع يده وضربه بغير حق، أو كان بحق ولكنه تجاوز ما أذن له فيه! 

وهكذا فيمن شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا  

أرأيت أيها الجامع للحسنات كيف تبين أنك تجمعها في كيس مخروق فتقته جرأتك على حقوق الحلق وأموالهم وأعراضهم ثم تنقلب إلى أهلك مسروراً نسيت أو تناسيت ما فعلت ! 

(يوم يبعثهم الله جميعاً فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شهيد)  

وأما تمام الخذلان، وعامة الحسرة والحرمان ففي قوله عليه السلام (فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار 

نعوذ بالله ...  

 

 

 

 

 

 

الحمد لله رب العالمين : 

أما بعد:- فمعاشر الصائمين القائمين احفظوا حسناتكم، واستبقوا أجورها بالتخلص من مظالم العباد، و ايصال حقوقهم إليهم وطلب العفو منهم فاليوم عمل ولا جزاء، وغداً جزاء ولا عمل . 

ثم إذا حرصت على بقائها احرص أن تكون باقية من غير خلل فيها ولا نقصان، وكمل نقصان بما ستطعت من النوافل التي تسد الخلل، و تجبر النقص عل 

أبي هريرة رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أنه قَالَ :( إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ ، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ ) أخرجه أبو داود، وصححه الألباني . 

ألا وإن من آكد نوافل الصيام ما رواه أبو أيوب رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر كله) رواه مسلم فبادر الموفقون فصاموها فهم السابقون السابقون، وبهم قوم سوف يلحقون. 

فيصوم هذه الأيام مجتمعة أو متفرقة ولكن لا يصمها إلا إذا قضى ما عليه من رمضان إن كانت عليه أيام منه لأن من عليه قضاء لا يصدق عليه أنه صام رمضان، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:  " من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال" وقد قيل غير ذلك ولكن هذا هو الأقرب للحديث، ومن فضول التنبيه ولله الحمد أن قد عرف الناس أنه ليس هناك لأتمام صيام الست عيد يسمى فيما سبق عيد الأبرار، وإنما الأبرار كل يوم هو لهم عيد ماداموا على طاعة الله ويتنقلون في  أنواع العبادات ممتثلين قول الله تعالى (وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين) فاستعينوا بالله عز وجل على طاعته، وسارعوا إلى جنته . 

 



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 09:40 مساءً الثلاثاء 1 يونيو 1446.