• ×

د.عبدالرحمن الدهش

المال المبارك

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  537
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

الحمد لله رب العالمين ، جعل الغنى والفقر ، وأمر بالصلاة والصبر ، فاضل بين عباده في حظوظ الدنيا، وحظوظ الآخرة، وأعظم الأجر .

وأشهد ألا إله إلا الله ذو العظمة والقدر ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله أرشد الخلق وأبان الخير والشر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب ومعشر وسلم تسليماً ...

أما بعد:

فاتقوا الله حقيقة التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى، وأكثروا من ذكر الموت والبلى وقرب المصير إلى الله جل وعلا.

عباد الله: إن الله أنعم علينا بنعم عظيمة ومنن جليلة كريمة. نِعم لا تحصى ومنن لا تكافأ ولا تجزى ، فما من طرفة عين إلا ولله فيها على العبد نعمة (وما بكم من نعمة فمن الله)

خلق الخلق فأحصاهم عددًا، وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً ، وقسم أرزاقهم وأقواتهم فلم ينس منهم أحدًا (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين)

فما رفعت كف طعام إلى فمك إلا وقد كتب الله لك هذا الطعام قبل أن يخلق السموات والأرض ، فسبحان من رزق الطير في الهواء والسمك والحوت في ظلمات الماء ، سبحان من رزق الصغير وكساه من العراء ، أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ، سبحان من لا تخفى عليه الخوافي فهو المتكفل بأرزاق الحواضر والبوادي .

وإذا أراد الله بالعبد خيرًا بارك له في رزقه، وكتب له الخير في رياله وقرشه ، فماله مبارك أخذه بسخاء نفس، وصرفه على وجهه وأصلح به شأن دنياه ودينه.

فالبركة فيما يعطاه العبد من الأموال نعمة من الله الكريم المتفضل المتعال, فالله وحده هو الذي يعطي البركة، ومنه الخيرات بيده خزائن الأرض والسموات فما فتح من أبوابها لا يغلقه أحد سواه، وما أغلق لا يستطيع أحد أن يفتحه .

(ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده) .

إن البركة يصير بها القليل كثيرًا، فكم من قليل كثره الله ، وكم من صغير كبره الله, وإذا أراد الله أن يبارك للعبد في ماله هيأ له الأسباب وفتح في وجهه الأبواب .

فمن أعظم الأسباب التي تفتح بها أبواب الرحمات والبركات تقوى الله جل جلاله، تقوى الله التي يفتح الله بها أبواب الرحمات ويجزل بها العطايا والخيرات (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض)

فجماع الخير في تقوى الله جل وعلا، ومن اتقى الله جعل له من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب، فلن تضيق أرض الله على عبد يتقي الله، ولن يقلَّ العيش والرزق على من خاف الله واتقاه .

ونخصًّ من التقوى في هذا المقام تقوى الله في تحصيل الرزق، والتنزه عن مشتبهات الأمور فضلاً عن محرمها .

فرزق الله لا يطلب بمعصيته والتساهل في حرماته .

فيشتكى أناس من أصحاب الدَّخل المرتفع والرواتب المتميزة، والبدلات الوظيفة المتجمعة يشتكون قلة بركة أموالهم فهي تتفرط من بين أيديهم ولما ينته الشهر بل ربما قبل منتصف الشهر، وتبقى حوائجهم لم تسدَّ بعد، وديونهم لم تجاوز مكانها ولم تبرأ منها ذممهم .

ومن غفلة الإنسان وارتباطه بالماديات وإهماله للسنن الإلهيات أن يلقى مسؤولية هذا الفشل المالي على صعوبة تكاليف الحياة وتعدد المتطلبات وتنوع الالتزامات .

نعم !! تعددت المصاريف وتلونت المشتريات.

ولكن هذه الأمور يشترك فيها غالب الناس إلا أنَّ وقفتنا مع أناس كثرت شكايتهم وبان عوار نقصهم مع أنَّ أموالهم بالنظرة الحسية هي خير من غيرهم فما السرُّ الذي دهاهم ؟، وكيف تنكست أمورهم ؟.

إنَّ هؤلاء القوم قد أوتوا من قبل أنفسهم فهم فرَّطوا في حيطتهم لمكاسبهم ولم يتورعوا عن بعض ما حرّم عليهم فكانت عقوبتهم العاجلة نزع البركة من أموالهم، فلم تف بحاجاتهم ، وتطلعوا إلى تنويع مصادرهم ، ولكن أنَّى لك أن تملأ كيساً مشقوقاً !

فاتقوا الله عباد الله يبارك الله في أرزاقكم ، ويجعل أموالكم قاضية حاجاتكم سابغة عليكم وعلى أولادكم .

لقد بارك الله لأناس في أموالهم بصدق نياتهم وتحريهم لمكاسبهم في القديم والحديث يقول عروة بن الجعد رضي الله عنه بعثني النبي صلى الله عليه وسلم بدينار لأشتري له شاة ليضحي بها فأشترى – رضي الله عنه- شاتين بدينار فأتى بهما النبي صلى الله عليه وسلم وفي طريقه وافق من يشترى منه إحدى الشاتين فباعها بدينار فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشاة ودينار فعجب النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له بالبركة ، فكان بعد ذلك يقول: لو اشتريت تراباً لربحت . بركة من الله أتى بأسبابها مع دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له.

إذن من أسباب البركة في الأرزاق وكثرة الأموال هو الدعاء وصدق اللجأ إلى الله تعالى فإن ضاق عليك رزقك وعظم عليك همك وغمك وكثر عليك دينك فاقرع باب الله الذي لا يخيب قارعه، واسأل الله جل جلاله فهو الكريم الجواد، وما وقف أحد ببابه فنحّاه، ولا رجاه عبد فخيبه في دعائه ورجاه ، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم :" اللهم اكفني بحلالك عن حرامك ، وأغنني بفضلك عمن سواك "

ومن أسباب البركة التي يوسع فيها على أرزاق العباد صلة الأرحام، قال : "من أحب منكم أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، وأن يزاد له في عمره فليصل رحمه" متفق عليه .

صِلُوا الأرحام ؛ فإن صلتها نعمة من الله ورحمة يرحم الله بها عباده، أدخل السرور على الأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وسائر الأرحام والقرابات . فمن وصلهم وصله الله وبارك له في رزقه ووسع له في عيشه.

اللهم بارك لنا في أرزاقنا وأعمارنا وأولادنا، وفي كل شيء من شؤننا .

أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الحمد لله ...   أما بعد:-

فأيها الراغبون في زيادة دخلهم وتكثير مواردهم احذروا الدعايات التي مبناها على الربح المضمون فتلك معاملات محرمة ولن يضمنوا لك ربحا إلا وقد خططوا لأخذ أضعافه من وراء ما دفعت، وقد لا يعنيهم كثيراً مصدر ذلك! .

ومثله المساهمات التي يضمن فيها رأس المال وتأخذ تعهدا من الشركة بذلك فهذه ليس شركة في نظر الشرع وإنما الشركة الصحيحة التي يرجى من وراءها البركة هي التي تقوم على كون الربح للجميع، والخسارة على الجميع .

كن حذراً من المساهمات التي تستفز المساهمين وتدعوهم للمشاركة بأسرع وقت وأن أمامه فرصة لا تعوض !.

وكذا المؤسسات التي تغرقك بأصالتها في سوق العمل وبلغ من نشاطها كذا وكذا وبلغت فروعها كبرى المدن ، وربما عواصم دول كثيرة من العالم ثم إذا انقشع الغبار ستعرف ما بيدك!    أزمام فرس أم حمار ؟!

والأعمال التي تقوم على التحايل على الأنظمة، ويلبس مزاولوها أغطية وأقنعة ليست طريقاً للغنى وجمع المال .

والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس .

فنظام التستر تحت أي إغراء كان حيلة فاسدة والمتسترون على عمالة وافدة هم ظالمون لأنفسهم، ومخادعون لمجتمعهم ولدولتهم، ثم هم في فقرهم يترددون فلم نر متستراً أصبح رأساً بين أقرانه من التجار وإنما هو كما قال الله تعالى (فاحتمل السيل زبداً رابيا) (فأما الزبد فيذهب جفاء)

وكيف يكون شيئاً من ماله يقوم على جهد غيره، وتجارته عرق جبين مسترزق مثله، وإنما هي إتاوة يضربها على عمالة سائبة يجمعها منهم (وكأنهم يساقون إلى الموت وهم ينظرون) (ولا ينفقون إلا وهم كارهون) 

ومهما كانت الأنظمة مجحفة في حقك، مذهبةً فرصاً تجارية في نظرك فإنما احترام الأنظمة والوقوف عند القوانين التي تفرضها الحكومات هي سمة وعي في الشعوب، وعنوان التزام من أفراد المجتمع .

ولا تزال الدول المتحضرة وغيرها تسن القوانين للعمل والعمال وتجري عليها من التجديد والتحديث ما تتطلبه أمور الحياة والتزامها إذا لم تخالف الشرع واجب في الشرع بل هي من الشرع الذي أمرنا باتباعه، ومصلحة عامة الناس مقدمة على المصالح الفردية .

وبنيت الدنيا على النقص!

فاطئن فرزقك لن يأكله غيره، ولن تأكل رزق غيرك، (فاتقوا الله واجملوا في الطلب) .

اللهم ....



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 07:52 مساءً الخميس 19 مايو 1446.