• ×

د.عبدالرحمن الدهش

نعمة اللباس

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  668
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

الحمد لله أسبغ على عباده النعم، ودفع برحمته النقم، وفق من شاء من عباده فشكر واغتنم .
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الفضل والكرم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الفضل والهمم، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد :-
فاتقوا الله – عباد الله – وتعرفوا على نعم ربكم يزدد بذلك إيمانكم ، ويقو به حب خالقكم .
فضلكم بنعمة الأمن فلا علم لكم بالحروب إلا سماعاً فيما يحلُّ قريباً من دياركم ، وفضلكم برغد العيش فصارت تجبى إليكم الثمرات من كل حدب وصوب . 
وفتح عليكم بركات من عنده، فلا تزال سماؤكم مدرة، وأرضكم مرتوية، وخيرات ربكم منتظره فاللهم لك الحمد ولك الشكر .
فقيدوا نعمة الله بشكرها ، واحذروا كفرها فهو سبب زوالها و محقها (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) .
وإن مما أنعم الله به على عباده نعمة اللباس قال تعالى (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون) .
والريش هو لباس الزينة ، والله جميل يحب الجمال .
وإنَّ هذه النعمة نعمة اللباس بها يعرف الإنسان ضعفه وحاجته إلى تكميل نفسه تكميلاً ضرورياً يواري به سوأته ، وتكميلاً حاجياً به يظهر زينته وجماله فتنشرح نفسه .
والرجل يحب أن يكون نعله حسناً، وثوبه حسناً ، ولقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم حلة يتجمل بها للوفود والجمعة .
(قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)
وإنَّ هذه النعمة لا بد أن يضبطها المسلم بضابط الشرع حتى يكون شاكراً لله بذلك متطلعاً للمزيد من فضل الله .
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم لأمته بياناً واضحاً ما لا يجوز لهم من اللباس حتى يجتنبوه .
وأما ما يجوز فلا يحتاج إلى بيان لأنه الأصل وقد امتنَّ الله به على عباده (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً) 
ألا وإنَّ مما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته مما لا يجوز من اللباس ، اللباس الذي يختص به الكفار سواء كان مختصاً بهم في شكله أو تفصيله أو في لونه ونقوشه .
ومثل الكفار الفساق من المغنين والممثلين وأشباههم . 
قال النبي صلى الله عليهلمغني : " من تشبه بقوم فهو منهم" قال شيخ الإسلام – رحمه الله – وأقل أحواله التحريم 
ولأن التشبه بهم في الظاهر يولد الإعجاب بهم والركون إليهم، وربما يولد التطلع إلى عقائدهم والميل إلى طريقتهم فالتشبه بالكفار لا يقتصر على ثوب تضعه على بدنك أو جزء منه ، ولكنه موافقة للكفار والفساق في الظاهر ، وربما جرَّت على الموافقة في الباطن .
فاتقوا الله – عباد الله – واتقوا الله يا شباب المسلمين ، فلا تهنوا وأنتم الأعلون . 
وإن مما يؤكد خطورة مشابهة الكفار أو الفساق في ألبستهم أنك تجد من يلبس هذه الألبسة يرافق هذا طيش في تصرفاته وتقليد ومحاكاة في الأقوال والأفعال لمن أخذ هذه الألبسة عنهم سواء كان أخذاً مباشراً أو عن طريق صورهم أو سناباتهم، أو القنوات أو غيرها .
فالثياب المخصرة والبناطيل الضيقة ، والفنايل ذوات صور الحيوانات، أو صور اللاعبين بل والفنانات سواءً للرجال أو للنساء ليست من ألبسة المسلمين في شيء، ولكنها أدخلت عليهم وقبلها من قلَّ وعيه ولم يحتط لدينه .
نسأل الله العفو والعافية ، وأن يبصر شبابنا فيما يراد منهم، ويكاد ضدهم .
ومما بينه النبي صلى الله عليه وسلم محذراً منه أمته أن يلبس الرجل لباس المرأة أو تلبس المرأة لباس الرجل ، فلقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال .
وهذا ربما وقع بقصد التمثيل والفكاهة وإضحاك الحاضرين .فهؤلاء أشباه الرجال ولا رجال ، بل أشباه النساء ولا رجال ملعونون على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ، فهل يعي هذا معدو الحفلات، ومنظمو المهرجانات ! والواجب على من له سلطة الأخذ على أيديهم .
ومما بين النبي صلى الله عليه وسلم تحريمه على الرجال خاصة أن يلبس الرجل ما نزل على الكعبين من سراويل أو قمبص وهو ما نسميه الثوب ، أو مشلح ، وسواء كان لباساَ للبيت أو مما يقابل به الناس ويخرج به للسوق 
قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار " رواه البخاري .
ثم إن كان على جهة الخيلاء فله عقوبة أخرى أعظم من هذه قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : " من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه " .
فاتقوا الله : يا عباد الله ، وأنتم تستقبلون فصل الشتاء فلا تشتروا ولا تفصلوا لكم ولا لأبنائكم ثياباً تعصون بها ربكم، فتكونوا ممن بدل نعمة الله كفراً 
(يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)
رزقني الله وإياكم تعظيم حرماته، والوقوف عند حدوده، وجنبنا أسباب سخطه وعقابه .
أقول قولي هذا … 
أما بعد :-
فإنَّ من تمام نعمة الله على عباده أن يسر لهم ألبسة يلبسونها في الصيف وأخرى يلبسونها في الشتاء يتجملون بها ويتقون بها برد الشتاء ، فلم يبق الشتاء بحمد الله شبحاً مخيفاً بسبب ما أنعم الله به .
ملابس واقية ، ومياه مسخنة ، وبيوت محكمة دافئة، فاعرفوا نعمة الله عليكم لعلكم تشكرون .
وإنَّ من التيسير الذي يسَّر الله به على عباده خصوصاً في أيام البرد أن أباح لهم أن يمسحوا على ما يلبسونه على أرجلهم من كنادر وشراب ، فإذا لبسوها على طهارة فيمسح المقيم يوماً وليلة من أول مسح بعد الحدث إلى مثله من اليوم الثاني، والمسافر يمسح ثلاثة أيام بلياليها .
فمن مسح عند صلاة الظهر مثلاً فله المسح إلى الظهر من اليوم الثاني .
وإن كان لا يزال على طهارته فلا حرج أن يصلِّي الظهر والعصر أيضاً .
لأنَّ من انتهت مدَّة مسحه وهو باقٍ على طهارته فهو على طهارته ولو طالت المدَّة ما لم يحدث .
ومن خلع شرابه وهو على طهارة فهو على طهارته أيضاً حتى يحدث .
واعلموا أنَّ القول الراجح أنه يمسح على كلِّ شراب لبسه ولو كان خفيفاً أو كثرت خروقه .
وقد جهل بعض المتوضئين سنة المسح على الخفين فصاروا يخلعون شرابهم عند كل وضوء فشقوا على أنفسهم بجهلهم سنة نبيهم .
فاللهم إنا نسألك الفقه في الدين …  

 



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 09:37 مساءً الثلاثاء 1 يونيو 1446.