الحمد لله الواحد الأحد، تفرد بملكه وسلطانه فلا يغلبه أحد ، وأشهد ألا إله إلا الله قد أفلح من عرف خالقه وتعبد وهو ربنا الصمد ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من تعبد لربه وسجد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على طريقته واجتهد، وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد :-
فاتقوا الله عباد الله
فآيات الرب جل وعلا في خلقه كثيرة، وبشائره ونذره لعباده متعددة عظيمة .
أقام الدلائل على وحدانيته، فأين الموحدون؟
فبانت حاجتهم بل ضرورتهم إلى ربهم في كل حين، و من ذا الذي يستغني عن ربه طرفة عين؟! .
(إياك نعبد وإياك نستعين)
(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ)
أيها الإخوة:.في ظل أجواء ممطرة، وسحب متراكبة، وسماء منهمرة، وأرض مرتوية ونفوس منشرحة، فاللهم لك الحمد ولك الشكر لا نحصي ثناء عليك .
في ظل هذا كله يشهد المتأملون كيف جمع الله في بعض آياته التخويف والترغيب؟، والمتأمل في ذلك يجد عظمة الله، وكمال قدرته بما لا يملك بعد ذلك إلا أن يقول: ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار
يقول الله تبارك وتعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)
ما أعظم الله!
آية البرق يريها الله عباده فتحدث إخافة في قلوبهم، وهلعاً في نفوسهم فربما استوقفت شدة إضاءة البرق من يسير ماشياً أو في سيارته راكباً!
وربما أقعدت واقفاً، وأجلست مضطجعاً، وأسكتت متحدثاً!.
في لحظات هي أسرع من أن تحسب، فجأة ترى الدنيا أصبحت نهاراً نيراً، ووضح كل ما لفه الليل به تغطى !
شهد الناس بروقاً في السماء متوالية في مشاهد مباشرة أو عبر المقاطع المصورة، فلله ما أعظمه من منظر يرى!
خطوط متصلة ممتدة من أنوار مشتغلة فكم هي جميلة؟ وكم هي مخيفة ؟
الناظرون إليها يخشون على أعينهم الضعيفة يقول الله عنهم (يكاد البرق يخطف أبصارهم) !
فسبحان الله ما أعظم قدرته!
سبحان الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى .
سبحان من له المثل الأعلى!
سبحان من أعطى كل شيء خلقه ثم هدى!
سبحانك ما قدرناك حق قدرك، ولا عبدناك حق عبادتك، نستغفرك ونتوب إليك .
هذه إخافة الله عباده بهذه البروق ثم يساير هذا الخوف طمع من العبد بربه فلا ملجأ من الله إلا إليه !
ففروا إلى الله إن لكم منه نذير مبين، ولا تجعلوا مع الله إله آخر إني لكم منه نذير مبين .
(هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً)
فسيحان من جعل قرين البرق المحرق غيثاً مغيثاً يغدق في سحاب ثقال معلقة بين السماء والأرض كالجبال!
(وينشئ السحاب الثقال)
(وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار)
أيها الإخوة: جعل الله في آية البرق آية أخرى، آية قوة الانتقال، وسرعة الوصول فالبرق قد سبقه في الوقوع والحصول رعد قد جلجل صوته في السحاب فسبحان اللطيف الوهاب تقدم وقوعه وتأخر وصوله، (صنع الله الذي أتقن كل شيئ) (وعنده علم الكتاب) .
قال الله عن الرعد (ويسبح الرعد بحمده) فالرعد خاضع لربه، مسبح بحمده، شأنه شأن الملائكة المسبحة لربها من خيفته، خاشعة لربها خائفة من سطوته .
قال الطبري رحمه الله تعالى: "ومعنى قوله (ويسبح الرعد بحمده) ويعظم الله الرعد ويمجده فيثنى عليه بصفاته وينزهه مما أضاف إليه أهل الشرك به ومما وصفوه به من اتخاذ الصاحبة والولد تعالى ربنا وتقدس".
وقد رويت أحاديث وأقوال عن بعض الصحابة أن الرعد ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله، وأن الصوت الذي نسمع، هو زجر هذا الملك للسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمره!
وقد روي عن بعض السلف أقوال لا تخالف ذلك. كقول من يقول: إنه اصطكاك أجرام السحاب بسبب انضغاط الهواء فيه
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فإن هذا لا يناقض ذلك فإن الحركة توجب الصوت والملائكة هي التي تحرك السحاب وتنقله من مكان إلى مكان
كما أن صوت الإنسان وتسبيحه وغيره إنما يكون بحركة لسانه وشفتيه وحلقه . انتهى بمعناه
وصدق الله العظيم (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) .
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "قال ربكم عز وجل : لو ان عبادي أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ولما أسمعتهم صوت الرعد" رواه أحمد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي .
ومع ذلك لم يخلق الله في خلقه شراُ محضاً بل في هذه الرعود والبروق من النفع للأرض وخصوبتها كما أن لها أثراً في جودة ماء الذي ينزل عقب هذه الرعود والبروق بما هو مثبت في بحوث علمية .
فاللهم لك الحمد أغثت بلادنا، فأغث قلوبنا واجعل ما أنزلته قوة لنا ومتاعاً إلى حين ... أقول قولي هذا ...
الحمد لله رب العالمين ...أما بعد:-
فأحيوا قلوبكم بذكره عز وجل والنظر في ملكوته، والتفكر في آلائه وأياته .
فهو المستحق للعبادةـ الواجب شكره (وما بكم من نعمة فمن الله)
(قل انظروا ماذا في السموات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا بؤمنون) .
وفي هذه التقلبات الجوية والتغيرات السماوية مقام عظيم لرؤية فضل الله والقيام بشكره وتسبيحه وحمده .
كان عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: " إذا سمع الرعد ترك الحديث، وقال سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثم يقول: إن هذا لوعيد لأهل الأرض شديد" رواه البخاري في الأدب المفرد بإسناد صحيح .
وروى ابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنهما: " أنه كان إذا سمع الرعد قال: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم".
وقال سفيان بن عيينة : "قلت لابن طاوس :ما كان أبوك يقول إذا سمع الرعد؟قال: كان يقول سبحان من سبحتَ له
ثم لنحذر عقوبته وسخطه بالتزام أمره والوقوف عند نهيه .
قال الله تعالى (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال)
أي: شديد القوة والحول فلا يريد شيئاً إلا فعله ولا يطلب عاصياً إلا أدركه، ولا يتقرب إليه متقرب بطاعته إلا أكرمه.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك ونعوذ بك من جميع سخطك ...