إن الحمد لله . ..
أما بعد :-
(يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ همَّ قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفَّ أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون)
أيها الإخوة: أمر الله بالتحدث بالنعمة، وأذن للشاكرين بمزيد المنة.
وإن نعمة الأمن وضبط النفوس وطمأنينتها، لا تقوى على جلبه أقوى معدات الحراسة، ولا تنزله أكبر الجيوش عدداً، وعدة .
والشاهد في الواقع أظهر من أن يذكر فأكبر الدول حيطة في العالم، وأكثرهم رجال أمن ومخابرات هم أكثر الدول إجراماً، وانتعاشاً للسراق وقطاع الطريق في الليل والنهار .
فاستقرار الشعوب، وطمأنينة قلوبهم، وتسكين روعهم رَبَطه الله بأمر فقدته هذه الأمم التي تموج
(الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن)
(الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)
فالجهود البشرية، والأعراف القبلية لا تجمع الناس، ولا تؤمنهم .
فكم اقتتل أبناء القبيلة الواحدة لما غاب عنهم الإيمان أو ضعف في قلوبهم، والتاريخ الحديث القريب فضلا عن القديم البعيد يسجل غارات القبائل بعضها على بعض في أقسى وحشية، وأسوأ همجية !
الوطن والأرض، والاشتراك في الجنسية، وتمجيد الرئيس لا تضبط الناس، ولا ترد شغب بعضهم عن بعض .
إذن لا أمن إلا بإيمان .
فالإيمان يعظم الحرمات (كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله)
و قد جعل للإيمان حارساً من خلقة وخليفة في أرضه (إني جاعل في الأرض خليفة) وأوجب على العباد طاعته (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، و في الصحيحين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني).
يبقى مقدار تميزنا في هذا البلد هو بمقدار تمسكنا بديننا، ووقوفنا مع ولاة أمرنا وإلا فليست بقعتنا أطيب بقعة في هذه الأرض، وعلى هذا الكوكب .
(ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون)
ولم يأت تميزنا بكثافة سكانية، ولا قوة صناعية، ولا عسكرية فما أكثر الذين هم أعز منا نفراً، وأشدّ قوة، وآثاراً في الأرض .
لئن قالوا: إن الوصول للتميز صعب، وأصعب منه المحافظة على التميز فإن الله يقول (لئن شكرتم لأزيدنكم)
أجل أيها الأفاضل نحن في خير عظيم .
فالخير يدوم إذا قابله أهله بالشكر، ومعرفة أنَّ ماهم فيه هو من فضل الله.
وهم مع ذلك لا يخادعون أنفسهم بتزكية الحال، والإدلاء على الله، والمنة على عباده، بل يرون خللهم في أنفسهم قبل غيرهم، ومشفقون من زوال ضمان البقاء الذي بينه لنا خالقنا بقوله (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) .
فتغيير الله إلى ضد الحال مسبوق بتغيير من العباد أنفسهم.
فإذا تساهل الناس في تطبيق شرع الله في أنفسهم ومن تحت أيديهم حكومة وشعباً فهذا نذير خطر.
فالذين غيروا وصارت أمورهم الدينية من فضول أعمالهم، ولها فضلة وقتهم هؤلاء يدفعون بعجلة تغير الحال إلى ضدها.
وإلا فمتى ركن الناس إلى ما هم عليه، وظنوا الصلاح في حالهم، وغشوا ولاة أمرهم بمديحهم، وعدم التواصل معهم، ولبس بعضنا على بعض في مجالسنا، وأحاديثنا نحن أحسن من كذا وكذا حينها أصيبت مقاتلنا .
(وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) .
إن المتكلمين في ولاء المسلمين لولاتهم، وظنوه قميصاُ يخلعه الإنسان متى شاء ويرتديه متى شاء .
لم يفهموا أو لايريدون أن يفهموا أن شأن ولي الأمر في الإسلام شأن عظيم ألف العلماء كتباً مستقلة في لزوم تعيينه، ووجوب طاعته، وتحريم الخروج عليه وحددوا ما له وما عليه . وكل هذه بأدلتها المسطرة من الكتاب والسنة لا غلو ولا إجحاف، ولا تفريط ولا إفراط .
وجعلوا هذه المسائل جزءاً من متون عقائدهم يدرسها الطلاب في مدارسهم، ويحفظونها في دروسهم
قال في متن الطحاوية "ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا ، وإن جاروا ، ولا ندعوا عليهم ، ولا ننزع يداً من طاعتهم ، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ، ما لم يأمروا بمعصية ، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة، ونتبع السنة والجماعة ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة، ونحب أهل العدل والأمانة ونبغض أهل الجور والخيانة.
والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر، من المسلمين برهم وفاجرهم إلى قيام الساعة"
وفي صحيح مسلم عن سلمة بن يزيد الجعفي رضي الله عنه: " قال: يا نبي الله، أرأيتَ إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم، ويمنعونا حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا، وعليكم ما حُمِّلتم)"
وفي الصحيحين "أحد الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل بايع إماماً لا يبايعه إلا لدنياه، إن أعطاه ما يريد وفى له، وألا لم يف له"
أيها الإخوة: هذه النصوص غيض من فيض واستذكار شيء من هذه النصوص زمن الفتن وانتعاش المتربصين ووقت الدعوة إلى منابذة ولي الأمر والاستحفاف بسلطانه من آكد ما نتدارس به فالعاقل يدرك أن الفساد الناشئ من ذلك تحت أي حجة قيلت، وبأي ذريعة صيغت أن فيها من الفساد ما الله به عليم
قال شيخ الإسىلام رحمه الله (وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير . ثم ذكر أمثلة ممن خرجوا على خلفاء بني أمية ثم قال: فلا أقاموا دينا ولا أبقوا دنيا، والله تعالى لا يأمر بأمر لا يحصل به صلاح الدين ولا صلاح الدنيا ، وإن كان فاعل ذلك من أولياء الله " ا.ه
أقول قولي هذا ...
الحمد لله ..
أيها الإخوة: غير خاف على كثير من الناس تلك الحملة المرتبة والأدوار المتقنة لمن امتلأت قلوبهم حقداً على وحدتنا، وضاقت صدورهم بالتفافنا على ولاة أمرنا فغردوا وعرّضوا وصرّحوا ولمزوا ولاة أمورنا وعلماءنا بأقبح الأوصاف وتصيدوا وعملوا المقاطع وجاؤا بكلمات تباعدت أزمنتها وتغيرت مناسباتها ليوهموا التناقض في كلام العلماء والأمراء وسخروا !
وربما من أدمن مشاهدة هذه الأطروحات ممن قلت بصيرتهم يقول في نفسه: ماذا بقي لنا هلكنا من حيث لا نشعر ؟.
وهذه بغيتهم أن يوصلوا إلى نفوسنا إحباطاً صنعوه وزهداً في واقعنا، وكراهية لولاتنا استؤجروا عليه فهو عمل لا يقوى عليه أفراد الناس ولكنها مؤسسات وجيوش الكترونية وفرق متعددة اشتغل فيها البطالون، وتنادى لها المبغضون والمتبرصون دفعت لإنجاحها الأموال الطائلة، واشتريت لاستمرارها الذمم الرخيصة (والله غالب على أمره) (ولن يصلح عمل المفسدين)
فأقوى سلاح نواجه به هؤلاء لننعم بنعمة الأمن والإيمان ونستبقي فينا منن الرحمن هو الوعي وتبين طريق المجرمين (ولتستبين طريق المجرمين) .
فاعرفوا عدوكم الحقيقي تدركوا حقيقة التباكي عليكم، والغيرة المزعومة على بلادكم، واصبروا لايضركم كيدهم (وإن تصبروا وتتقوا لايضركم كيدهم شيئاً)
ألا فلنر عدونا ما يسؤه منا فوحدتنا وثقتنا بولاة أمرنا أعظم ما يفكك ويفتت الاصطفاف ضدنا من أمم الشرق والغرب وأذنابهم من ذوي النفوس المريضة وأصحاب السوابق مع الدولة ! قوتنا في وحدتنا
ونحن في دولتنا دولة التوحيد حامية الحرمين مثُلُنا مثلُ قوم في بيت واحد فيه من الخير الشيء الكثير وفيه من التقصير والقصور شيء آخر كثير، فإن دافعنا هذا بهذا وسعينا في إصلاح ما نستنكر أدينا الواجب علينا، واستقامت أمورنا وحفظنا بيتنا لأنفسنا ومن أعدائنا .
وإن زهدنا فيه، ومللنا نعمة الله علينا ببيت جمع شملنا، وأقمنا فيه ديننا، وذهبنا نهدم البيت على رؤس من فيه بدعوى إصلاحه فلا بيتاً حفظنا و لا لمن فيه أبقينا ... وهذا ما يريده منا عدونا!
فما أسعدها من لحظة عنده لو ظفر بها!
حينها سوف يضحك كثيراً، ونبكي كثيراً
رد الله كيد الكائدين في نحورهم، ولا أقر أعينهم
إذن هذه أيام الصبر والصدق فيما بيننا، والتعاذر والتلاحم في صفوفنا
وجزى الله الشدائد كل خير عرفت بها عدو من صديقي
أيها الإخوة لقد بلغ من المكر الكبار أن يصنفوا من يدعو لولي الأمر أنه منافق يرتضى كل سوء في البلد ويقر كل ما فيه خطأ وهو تلبيس من إبليس فالدعاء لمن ولاهم الله أمرنا هو دعاء حقيقته لنا فالسلطان ظل الله في الأرض، وصلاحه صلاح لنا في ديننا ودنيانا فلا تستثقل ألسنتنا دعوة لولي أمرنا، بل ولمن ولاهم الله أمر المسلمين .
ولا تدري لعل العجاجة السياسية والغبار المثار الذي يوشك أن ينقشع بإذن الله لصالح هذه البلاد ولحكامها لعل ذلك بدعوة صادقة بلغت غايتها وقبلت عند ربها .
والذي قلع خيام الأحزاب ورد الذين كفروا بغيضهم لم ينالوا خيرا قادر على مثله وأعظم منه لأعداء اليوم (ولينصرن الله من ينصره)
(يا أيها الذين اذكروا نعمة الله إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم يروها وكان الله بما تعملون بصيرا)
اللهم مجري السحاب وهازم الأحزاب ...