الحمد لله جعل المسلمين أمة واحدة ، وجعل تمسكها بدينها لها عصمة ، به تبقى سائدة ، ولا تزال طائفة من هذه الأمة ظاهرةً منصورة ، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله .
وأشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
أما بعد :-
فإنَّ الله أعطانا من نبأ أعدائنا خبراً ، وبين شدَّة عداوتهم لتبقى لنا معلماً وذكرى .
يقول الله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم )
وقال تعالى (ما يودُّ الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خيرٍ من ربكم)
وأما تفاوتهم في العداوة فقال الله تعالى في ذلك : (لتجدنَّ أشدَّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا)
فأشدُّ الناس عداوة للمسلمين هم اليهود وإخوانهم الذين أشركوا ويدخل في المشركين من يسمون بالبوذيين ، والهندوس وغيرهم من ملل الكفر . والكفر ملة واحدة .
فاليهود شرقوا بالدعوة الإسلامية ، وعادوا النبي صلى الله عليه وسلم حسداً من عند أنفسهم ، وهم يعرفونه ويعرفون صدقه (الذين آتيناهم الكتب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم)
وما زال اليهود يكيدون الدَّعوة وينقضون العهود المبرمة في كل فرصة يستطيعونها .
ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وكان فيها قبائل اليهود الثلاث بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة عقد معهم عهداً ألا يخونوا ولا يغدروا، ولا يعينوا أحداً على المسلمين .
ومن تأصل الشر في نفسه، والخيانةُ في طبعه أيؤمن جانبه؟
نقضوا العهود مع النبي صلى الله عليه وسلم تباعاً ، نقض بنو قينقاع العهد بعد أن نصر الله رسوله في بدر فأخلوا بالأمن ، فأجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة .
وأظهر بنو النضير الغدر بعد غزوة أحد فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نصره الله عليهم، وقذف في قلوبهم الرعب .
وأما بنو قريظة فنقضوا العهد لما تحزَّبوا مع أحزاب المشركين غير مبالين بالاتفاق السابق فأمر الله نبيه بقتال بني قريظة بعد عودته من الخندق فبادر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع الفساد وعقوبة الخائبين ، وقال لأصحابه \"لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة\" حسماً للقضية وإنهاء للأذية وغيرة لدين الله وحمية .
فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكم الصحابي سعد بن معاذ رضي الله عنه .
وتتمةً لسلسلة غدرهم حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم مرات عديدة .
فلما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر أهدت امرأةٌ يهودية للنبي صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فأكل منها أكلة أثرت عليه إلى حين وفاته فكان يقول صلى الله عليه وسلم : \" ما زالت أجد أثر الأكلة التي أكلتها من الشاة يوم خيبر ، وهذا أوان انقطاع أبهري \" أي عروقي .
عباد الله : إنَّ عداوة اليهود للمسلمين عداوة يؤكدها اليهود أنفسهم ولا يتورعون عن التصريح بها، فهذا حيي بن أخطب أحد زعماء اليهود ينظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم - وهو يقدَّمُ للقتل جزاء خيانته ينظر ويقول \" والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولكن من يَخْذُلِ الله يُخْذَل \"
فهذه إشاراتٌ سريعة لمكائد اليهود والرسولُ صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم والإسلام في مهده .
فكيف كيدهم وحقدهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد أمن بعض المسلمين جانبهم، وركونهم إليهم، فلن ينتهي شغبهم عند حدٍّ، وهم يجدون لإفساد الآخرين سبيلاً ، والنكاية بغير اليهود طريقاً .
كيف لا ؟ وهم يقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه .
وكيف لا يفعلون ذلك وهم يرون كلَّ شعب دون شعب اليهود بل كل شعبٍ يجب أن يكون خادماً لليهود
(ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيلٌ) .
فاليهود وراء كل فساد عريض ، فرَّقوا دولة الإسلام إلى دويلات، واجنهدوا في تفريق قلوبهم إلى أحزابٍ واتجاهات، فتمزَّق الجسد الواحد .
جانب كبير من الجرائم في العالم كانت من تنظيم اليهود، ترويج المخدرات وتنظيم بيوت الفساد ونشر المطبوعات القذرة والروايات السافلة، والأفلام الخليعة هي في معظمها من أعمال اليهود .
أغرقوا المسلمين بالفتن فتحوا لهم أبواب الشهوات فجَرُّوا شباب المسلمين واستدرجوهم إلى ما جعلهم لقمة سائغة في أفواههم .
إنَّ هذه الأعمالَ الخبيثة في الأمة الإسلامية لا تقلُّ ضراوة عن أعمالهم اليوم في أهل فلسطين وتقتيلهم للمسلمين رجالا ونساء صغاراً وكباراً
يتخطفونهم من منازلهم ، ويقتلونهم في أسواقهم ، سحقاً لمخيماتهم ، وتشريداً وسجناً لمن وقع في أيديهم .
شعارهم \" دمروا الإسلام أبيدوا أهله \"
فما أعظم حلم الله !
وما أهون الخلق إذا ضيَّعوا أمر الله !
وماذا ينتظر المسلمون من قوم سبوا الله وعادوا رسله ؟
ماذا ينتظر المسلمون من قوم قالوا : إنَّ الله فقيرٌ ونحن أغنياء ، ومن قوم قالوا : يد الله مغلولة ؟
غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا .
اللهم إنا نشكو إليك ضعف المسلمين وهوانهم على الناس، وقلةَ حيلتهم وعدم الناصح في أمرهم
اللهم هيئ لهم فرجاً من عندك ، ونصراً من لدنك .
ولا تجعل لأعدائهم عليهم سبيلاً .
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وصحبه أجمعين .
الحمد لله رب العالمين
أما بعد:-
فحديث الإعلام في هذه الأيام عن تلكم السفينة الإغاثية التي كانت في طريقها إلى قوم طال حصارهم واشتد كربهم، ثم يأتي المكر اليهودي ليعيق سيرها بطريقة ملؤها الخبث والخيانة .
وإن هذا الحدث ليس دور المنبر فيه أن يشجب مستنكراً ما حصل فالشجب قد كفينا إياه من أناس تمرسوا عليه، وأدرى بالعبارات المناسبة له، وسوف يصل اليهود من عبارات التنديد من الساسة ما يغطي الحدث، إلا أنه لن ينهي الحديث.
ولكن دور المنبر يذكر أن اليهود ما كانت لهم قائمة وما كانوا يتجرؤن على معشار هذا إلا لما جرأناهم علينا، ومن حنى ظهره فلا يلم من ركبه وامتطاه .
وما تسلط عدو للمسلمين يهود أو نصراني أو غيره على شيء من حقوق المسلمين إلا والمسلط له قبل كل أحد المسلمون أنفسهم
\" وما ربك بظلام للعبيد \"
\"أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا ؟
قل هو من عند أنفسكم ؟\"
(نسوا الله فنسيهم) .
وإنَّ المسلم ليحزن أن تصل حال المسلمين إلى هذه الدرجة من تسلط الأعداء يسومونهم سوء العذاب يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، ويعيقون أمور دينهم ويعطلون مصالح كثيرة لهم .
ومع كل هذا التسلط لم يسلموا أن تلصق بهم التهم فهم المتهمون دائماً، المعتدون، الإرهابيون .
إن المسلم ليحزن ، ولكن لا يجوز له أن ييأس من روح الله فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون .
ولكن المسلم يرى إن شاء الله أنَّ في هذه الأحداث تمحيصاً وتطهيراً للمسلمين الذين طالما انكبوا على ما حرَّم الله ، واستهانوا فيما أوجب الله .
أضاعوا الصلاة ، أكلوا الربا ، قطعوا أرحامهم ، ظلموا أنفسهم بالمعاصي دقيقها وجليلها .
والمسلم واثق أنَّ العزة للمسلمين، ولكنَّ القضية قضية وقت ليميز الله الخبيث من الطيب
(أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ؟
ألا إن نصر الله قريب ).
أيها المسلمون: إن اليهود الذين جيء بهم إلى بلاد فلسطين، وجمعوا من أصقاع الأرض ليغرسوا في خاصرة المسلمين ويكونوا حرباً على أهل الدين
وصدق الله العظيم (ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباؤا بعضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) .
وإن الحبل من الناس هو حبل تلك الدول التي ساندت اليهود وذللت العقبات لقيامها، ثم تسترت على جرائمها، فدولة اليهود هي البنت المدللة في أحضان أمريكا والدول الغربية، والقضية التي ترفع ضدها في مجالس الأمن قد حسمت لصالح اليهود وسطرت قرارات الاجتماعات بٍبراءة المجرمين اليهود قبل نهايات الجلسات، أو قل قبل بدء الجلسات .
أمور تضحك الثكلى .
فمتى نعي هذه الحقائق ؟ ولا نكون من أصحاب الذاكرة المخروقة التي ينسينا فيه حدث عن حدث .
فاستمسكوا بدينكم ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسكم.
(واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)
واحذروا الذين يخدمون أعداء الأمة، فتقر بهم أعين الحاسدين، ويدعون الناس إلى ما يفسد الدنيا والدين ردَّ الله كيدهم وأبطل سعيهم .
فاللهم احفظنا في أمننا، وأحفظنا في ديننا واحفظنا فيمن وليتهم أمرنا .
اللهم ارحم من مات علماء المسلمين وبارك في بقيتهم ...
للاستماع للخطبة من هنا