إن الحمد لله ...
أما بعد :-
فاتقوا الله يا عباد الله، واستعدوا للقياه، واجعلوا بينكم وبين عذابه وقاية بطاعته وتقواه ( وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)
أيها المسلمون : كل الناس في هذه الدنيا يغدو، وكل فيها يسعى ويؤمل ولفضل الله يرجو (إن سعيكم لشتى)
ولكن ليس كل مؤمل مدركاً، ولا كل ساع سعيه مشكورا !
وعمله مبرورا !
فلله سر في كدح العباد، فمنهم السعيد الذي جعل الله سعيه على هدى ورشاد، ومنهم الشقي الذي ضل سعيه فأمره في تباب وفساد .
إنه التوفيق الذي يحضر ويغيب .
ألست تقول: نسأل الله التوفيق، و اللهم وفقنا
وخطيب الأنبياء شعيب عليه السلام يقول: (وما توفيقي إلا بالله) .
وفي آخر خطابك تسطر، وفق الله الجميع .
ألم تقل مرة ومن توفيق الله لي أن حصل كذا !
وقد وفقني الله في كذا !
ويقال: فلان لم يوفق في هذه الكلمة، وفاته التوفيق حينما أصر على كذا، وتقول: مودعاً ولدك: موفق يا ولدي !
ما هو التوفيق الذي نسأله الله؟ هل نعي معناه وأين يكون؟
وهل أنا وأنت من الموفقين، أو ممن فاتهم التوفيق فأصبحوا محرومين خاسرين ؟ .
أما التوفيق فهي كلمة مع جمالها، وجلالها فقد استوعبت حياة العاملين، فالتوفيق قد يكون رفيقا لأقوالهم، ولأعمالهم المشاهدة، والمستترة في قلوبهم، وأخفتها ضمائرهم .
فالتوفيق إصابة الخير، ولزوم الصواب, وإن شئت قل التوفيق: هو عون الله للعبد بحيث لا يكله إلى نفسه، ولا إلى أحد غيره في قليل أو كثير .
وإذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده!
فالإنسان يطلب التوفيق في عبادته، فتكون خالصة صواباً على السنة، وقد يكون ترك العبادة هو التوفيق إذا وافقت نهياً شرعياً، أو كان غير العبادة من المباحات أولى في تلك اللحظة .
لذا مع اجتهادك في اختيار ما تفعله سل الله التوفيق .
وإليك يا عبد الله يا من أحببت التوفيق، ورغبت فيه، وتخاف أن تكون من غير الموفقين إليك بعض ميادين التوفيق، وساحاته .
فمن أعظم ميادين التوفيق وأرحبها أن يوفق العبد للعمل الصالح فله حظ وافر واضح من طاعة الله والبعد عن معصيته، قال الله تعالى ( وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
وعن أبي أيوب: أن أعرابياً عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في سفر، فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها، ثم قال: يا رسول الله أخبرني بما يقربني من الجنة، وما يباعدني من النار، قال: فكف النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نظر في أصحابه، ثم قال: (لقد وفق) قال: كيف قلت؟ فأعاد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم، دع الناقة) رواه مسلم
وأعظم الطاعة طاعة عظمها الله وأثنى على أصحابها (قد أفلح المؤمنون الذي هم في صلاتهم خاشعون)
(رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة) .
ولا تزال درجات التوفيق في لزوم المؤمن طاعة الله حتى يكون ممن استعمله في طاعته وحسن ختامه على ذلك ففي المسند وسنن الترمذي بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله، قيل : كيف يستعمله ؟ قال : يوفقه لعمل صالح قبل الموت ، ثم يقبضه عليه)
ومن علامات التوفيق أن يرفع المسلم نفسه بما رفع الله به خواص عباده (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) فالعلم الشرعي والفقه في الدين وحضور مجالس الذكر، وسماع الخطب والدروس والمحاضرات رفعة وتوفيق، وفي الصحيحين عن معاوية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)
ثم يتبع هذا التوفيق توفيق نشر الخير بين الناس ودعوتهم وإصلاحهم، وتذكير العاصين، وتعليم الجاهلين، تعليما في المدارس والمساجد والمجالس
(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين)
ثم من هؤلاء من يضيفون لهذا التوفيق توفيقا آخر بنفع الناس وقضاء حوائجهم ،
وفي صحيح الجامع من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( أحب الناس إلى الله : أنفعهم) .
ثم إن توج هؤلاء توفيقهم يحسن الخلق ولين الكلمة، وسلامة الصدر، ورفقاً بمراجعيهم, وحب الخير للناس فهو توفيق فات كثيراً من الناس عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )
وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا) متفق عليهما .
ثم لا نغفل علامة عظمى من علامات التوفيق لاسيما في وقت امتحان الأمة، وتكالب الأعداء وإعجاب كل ذي رأي برأيه، وهي من حسن إسلامك، وسلامة دينك ففي سنن الترمذي وابن ماجة بسند صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)
هذه التي لا يقوى عليها إلا من عرفوا حقيقة الدنيا، ومهمتهم فيها، وعرفوا قدر أنفسهم وأن في عيوبها شغلاً عن عيوب الآخرين، فهم غير راضين عن أنفسهم لو صدقوا فكيف نصبوا أنفسهم قوامين على عباد الله في فضول ثقيل، وتدخل مشين .
والعاقل إذا علم أنه لا ينظر إليه إذا رفع رأسه أو طأطأه فليرفق برأسه، وليكن رأسه بمستوى بدنه، ونظره موضع سيره، وعليه بخاصة نفسه، وليدع عنه أمر العوام
(ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً)
هذه يا عبد الله معالم، وهو قليل من كثير فانظر بعدها أي توفيق حصلت ؟، وأي توفيق فاتك ؟.
فاللهم إنا نسأل التوفيق في أمورنا كلها، وحسن الخاتمة .
اللهم وفق المسلمين والمسلمات وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام ....
الحمد لله .. أما بعد:-
فلقد فجع الناس اول هذا الأسبوع بانتهاك حرمة الأنفس المعصومة المؤمنة الآمنة في قتل وفساد في الأرض، وترويع للآمنين .
أحداث غصوا بنظائر لها ، وقد ظنوا أنهم ألقوا السلاح من شرها، ولفظوا الأنفاس من هولها .
فجاءت هذه الفتنة بعد أن نامت الفتنة ماشاء الله أن تنام!
جاءت هذه الأحداث على فترة من الانقطاع ، قطع الله الشر عن المسلمين ، وأبطل كيد المفسدين .
جاءت هذه الأحداث لتقول للناس لا تغفلوا عن قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم)
فالحذر الحذر .. فما دام الحق ظاهرا فلا بد من مناوشات الباطل ، ونهويش المبطلين سنة بنيت عليها هذه الحياة .
لقد فاقت تلك الأحداث أن يقال في حقها إنها جرائم ، أو يقال إنها عدوان .
فوالله ما قرَّت بها إلا أعين الحاسدين ، وما ابتهجت بها إلا أقلام ومقولات الشامتين .
جاءت هذه الأحداث لتبين أنَّ التربية السيئة عملت عملها في عقول طائفة من الشباب حينما أوحت إليهم أن الإخلاص في معاداة الولاة والعلماءولمزهم ، والدين في تكفير العلماء والولاة وعيبهم ، والعقيدة في بغض الوطن وإفساد ممتلكاته والمكر بأهله .
والاصلاح في قتل رجال الأمن ومعاداة المسلمين !
فما أعظم النازلة حين يكون الضلال فيها ضلالا فكرياً ، والحامل لهذا شذوذاً معرفياً ، وتعظم أيضاً حين يرتبط ذلك برابط الدين ، أو يعلق هذا الزيغ على اسم الجهاد وفاعله يظن ذلك طريقاً لنيل درجات الآخرة والاستشهاد
وصدق الله العظيم (والفتنة أشد من القتل) ، (والفتنة أكبر من القتل) .
عباد الله : إنَّ الله تعالى يقول (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإنَّ الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء)
حين يغلق الله عن عبد من عباده باب التوفيق فلا تسأل عن فساد العمل وتنكب الطريق .
يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
ماذا يريد هؤلاء المباشرون للعملية و الذين خططوا لهم والذين يباركون أعمالهم من رؤوس الفتنة في الداخل والخارج
هل ملوا الاجتماع والوحدة ؟
هل ملوا من الأمن والنعمة
هل اشتاقوا إلى تفرق اليمن ؟
أو مجاعة الصومال ؟
ومجازر بلاد الشام، وانفلات الأمن في العراق ؟
لا بدَّ أن يدرك الجميع أن حفظ الأمن واجب لا يتعلق برجال الأمن أنفسهم فكل عليه واجب في حفظ الأمن
فأي صلاح يبقى لنا إذا ضاع الأمن ؟
فإذا ضاع الأمن تعطلت العبادة فلا صلاة في المساجد ولا جمع في الجوامع .
وإذا ضاع الأمن تعطلت المدارس ودور العلم .
وإذا ضاع الأمن كسدت تجارتكم وتعطلت عمرانكم، وأغلقت مصانعكم ، وماتت مزارعكم .
إذا ضاع الأمن لزمتم بيوتكم خوفاً على محارمكم، وحماية لممتلكاتكم .
إذا ضاع الأمن فهو موت قبل الموت الحقيقي .
إذا انفرط الأمن تعطلت الحدود وانتشرت الخمور وراجت سوق الفسق والفجور .
فاللهم احفظ علينا أمننا، واحفظ لنا رجال أمننا، وثبت قلوبهم، وصوب رأيهم، اللهم ارحم من مات منهم، واجعلهم شهداء عندك، واربط على قلوبهم ذويهم واخلفهم في عقبهم .
اللهم احفظ ولاة أمرنا وقوهم في الأخذ على أيدي العابثين بأمننا المفسدين لديننا، المفرقين لوحدتنا ...