إن الحمد لله . ..
أما بعد :-
فآية في كتاب الله قرأناها، وحفظناها، ولكن غفلنا عن عميق معناها، وفاتنا كثير من دلالاتها .
آية يقل في حقها أن يقال إنها عظيمة، فهي فوق ذلك، وكيف لا تكون كذلك؟
وهي آية خلاصتها تدبير الله تعالى للكون.
آية تعليم الله عباده الرضا، وآية تضمنت تسليم العبد أموره لله، وهي حقيقة الإيمان بالقدر والقضاء .
فلنجدد إيماننا بهذه الآية، ولنملأ قلوبنا من جلالة معانيها، ولنتذاكر شيئاً من هيبتها يقول الله تعالى (يسأله من في السماوات والأرض كلَّ يوم هو في شأن)
هذا إخبار الله جلا في علاه عن غناه عما سواه وافتقار الخلائق إليه في جميع الآنات ، وأنهم يسألونه بلسان حالهم وقالهم، وأنه تعالى (كل يوم هو في شأن) .
فما شأن الله تعالى ؟ وقد وسع كل شيء رحمة وعلماً، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير !
(وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة ألا يعلمها ولا حبة في ظلمات االأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) .
قال مجاهد رحمه الله تعالى: كل يوم هو يجيب داعيا، ويكشف كربا، ويجيب مضطرا ويغفر ذنبا ".
وقيل: ( كل يوم هو في شأن ) من شأنه أن يجيب داعيا، أو يعطي سائلا، أو يفك عانيا ، أو يشفِيَ سقيما .
وقال قتادة : لا يستغني عنه أهل السماوات والأرض، يحيي حيا، ويميت ميتا، ويربي صغيرا ، ويفك أسيرا ، وهو منتهى حاجات الصالحين وشكواهم .
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية : ( كل يوم هو في شأن ) ، فقال الصحابة: يا رسول الله ، وما ذاك الشأن ؟ قال : " أن يغفر ذنبا، ويفرج كربا، ويرفع قوما، ويضع آخرين " .
وفي الرؤى والأحلام فسحة لنا في الحديث بشيء منها إذا شهد الشرع بصحتها، وكان فيها عبرة لمن سمعها
جاء أن طالباً سأل أبا حامد الغزالي الموصوف بحجة الإسلام عن هذه الآية، فقال : يقول الله تعالى : " يسأله من في السماوات و الأرض كل يوم هو في شأن "
فما شأن ربك اليوم ؟ فاستمهله الإمام إلى درس الغد .. فلما كان في درسه من الغد ذكره الطالب بسؤاله .. فاستمهله الإمام يوما آخر .. و تكرر الأمر بضعة أيام حتى أحس الإمام بالحرج .. و عزم أن ينهي الأمر .. فقال أمهلني يوما أخيرا .. و كان قد انتهى إلى أن يعتذر للسائل إذا هو لم يهتد للجواب .. رجع أبو حامد إلى بيته .. و قام من الليل يصلي و يسأل الله أن يلهمه الجواب .. ثم اضطجع قليلا .. فرأى رسول الله في المنام يقول له : " إن لله أمورا يبديها و لا يبتديها .. يرفع أقواما و يضع آخرين .. يؤتي الملك من يشاء و ينزع الملك ممن يشاء و يعز من يشاء و يذل من يشاء بيده الخير إنه على كل شيء قدير .. يولج الليل في النهار و يولج النهار في الليل و يخرج الحي من الميت و يخرج الميت من الحي و يرزق من يشاء بغير حساب " .. استيقظ الإمام فرحا بجواب رسول الله صلى الله عليه و سلم و رؤى الأنبياء حق.
.. و لما كان في مجلسه طلب السائل و أسمعه الجواب .. فنظر السائل إلى الإمام و قال : يا أبا حامد أكثر من الصلاة و السلام على من علمك هذا في المنام ..
" إن لله أمورا يبديها و لا يبتديها "
فالله يبدي لعباده أموراً خافية عليهم، حتى يروها وتكون ظاهرة لهم بعد حصولها فشأن الله فيما مضى من الزمن أبداه لعباده .
وهو " لا يبتديها " لأنه قد علمها، وجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون .
أيها الإخوة: ربنا (كل يوم هو في شأن)
فشأن الله أن يكرم أهل طاعته.
وشأن الله أن يزيد الذين اهتدوا هدى، و أن يهدي الذي بحث واجتهد في تحصيل التقوى !
(والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم)
غير طريقتك وطور حياتك ولا تقنع من الخير بحال، ولا تجعل حداً لطموحك، والتزود من توفيق ربك فالله أكثر، وخزائنه ملئ لا تغيضها نفقة سحاءَ الليلَ والنهارَ ..
يقول الخليفة الراشد عمر بن العبدالعزيز رحمه الله:
" إن لي نفسا توّاقة، ما أُعطيت شيئا إلاتاقت إلى ما هو أكبر: تمنت الإمارة، فلما أعطيَتها تاقت إلى الخلافة، فلما بلغتها تاقت إلى الجنة "
شأن الله أن يعطي خلفاً على من أنفق على نفسه وعلى أولاده وقراباته (وما أنفقتم من شيئ فهو يخلفه).
وقال عليه الصلاة والسلام " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكاً تلفاً " متفق عليه.
شأن الله أن يجعل مخرجاً لمن اتقاه (ومن يتق الله يجعل محرجا) .
شأن الله أن يكفي من اكتفى به عما سواه (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) .
شأن الله أن ييسر كل عسير على المتقين (ومن يتق يجعل له من أمره يسرا)
شأن الله أن يكفر ذنوب التائبين ويعظم أجور المتقين (ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا) .
وفي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إنَّ الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها"
إذا أردت أن تعرف شأنك عند الله فما شأن الله عندك ؟
أيها الأخ المبارك: تختلف مع زوجتك وأولادك حتى تظن أن سبيل إصلاح الحال ضرب من المستحيل، وعود الأمور إلى طبيعتها ليس إليه سبيل .
هذه مقاييسك وتقاديرك أما ربك عز وجل ف(كل يوم هو في شأن) .
فهو الذي يميل القلوب، ويلين الصعاب حتى يكون أعدا الأعداء أصدق الأصدقاء (فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)
(عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم) .
فيامن يحمل همَّ بنيات عنده من سيتزوجهن ؟
ومن يحمل هم أولاد تخرجوا أين سيذهبون ومن سينفق عليهم ومن سيوظفهم ؟
ربك (كل يوم هو في شأن)
فاللهم أصلح لنا شأننا كله، وأجرنا ...
الحمد لله ... أما بعد:-
فقد ظهرت نتائج أبنائنا وبناتنا، وبعضها محل سخط من صاحبها فكان يؤمل أمراً ودرجات فوق ذلك .
فأقول لهذه الطائفة الدرجات لا تحكي واقعك وأهليتك الحقيقة، ولا تعكس قدراتك العقلية فأنت أدرى بنفسك، وأعلم الناس بمواطن قوتك وضعفك .
وربك عز وجل (كل يوم هو في شأن)
فانظر في شأنك مع الله يصلح الله شأنك مع عباد الله .
فلا تستوقفك النتائج الوقتية، والدرجات البشرية فخط طريقك وأمل بربك فهو (كل يوم هو في شأن) .
معاشر الإخوة: الناس يستقبلون أيام إجازة وهي من أيام الله فلتكن إجازتنا فيما لا ينقصنا أو يأخذ شيئاً من ديننا أو حياء وحشمة محارمنا وأنتم ترون ركضاً تغريبياً، ويأبى قوم إلا يردوا حياض قوم آخرين ولو كانت آسنة منتنة .
فكلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته .
وأنت أيها الأب ما تستنكره بالأمس من الاختلاط في المحافل والمهرجانات والتزاحم المخجل هو على عهدك به من المنع (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) .
فلا تبدل فيبدلَّ الله عليك، و سل الله الثبات فالعاقبة للتقوى .
ومن يريد إشغال الناس بدنياهم على حساب دينهم ولم يردعه القرآن، فنسأل الله أن يجعل له رادعاً له في يد السلطان .
والغيورون على دينهم وعلى بلادهم وحكومتهم لم يغب بالهم قوله تعالى (كل يوم هو في شأن)، (والله لا يصلح عمل المفسدين)
(وكان على الله حق ما ارتفع شيء من أمور الدنيا إلا وضعه)
أرأيتم كيف هذه الأية انتظمت تحقيق الإيمان، وتصحيحاً للتوكل وثباتاً على المنهج الصحيح ؟.