• ×

د.عبدالرحمن الدهش

الفتح العمري للقدس

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  935
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

إن الحمد لله . ..

أما بعد :-

فسنة الله في خلقه معلومة مشهودة أمر الله بالاعتبار بها، (فاعتبروا يا أولى الأبصار)

وحث على النظر فيها والادكار .

 

فإليك شيئاً من سنة الله، إليك موعظة للمتقين

استقر رأي عمرو بن العاص رضي الله عنه على أن يبعث رجلاً لينظر حال الروم في بلاد القدس ومدى قوتهم وكيف هم في داخل حصنهم الذي استعصى عليهم ؟.

فكَّر في رجل يبعثه لأرطبون الروم ذاك القائد الذكي الذي اشتهر دهاؤه، وعرفته سياسيته العسكرية .

فليس كل رجل يصلح لهذه المهمة، ولا يمكن أي يشفي ما صدري عمرو بن العاص أي رجل يذهب !

فكر عمرو ثم فكر !

فوقع اختياره على رجل واحد لن يكون لهذه المهمة الصعبة غيره، ولا يمكن أن يحقق ما في نفس عمرو بن العاص إلا هو ! .

أتدري من هذا الرجل الذي اختاره عمرو بن العاص ؟

لقد وقع اختيار عمرو بن العاص على عمرو بن العاص !

نعم، فهو لم يقتنع إلا أن يذهب بنفسه متنكرا يظهر لخصمه أنه رسول من قبل عمرو بن العاص !

إذن عمرو بن العاص رسول عن نفسه !

أرأيت كيف المخاطرة ؟

وماذا لو كشف أمره ؟

فسوف يكون غنيمة باردة لقائد الروم أن يأتي خصمه إلى  مكانه .

ولكنه وثق بحفظ الله ؟ ثم هم لا يعرفون شخصه !

عزم على المضي لمراده متوكلا على الله .

وبلغ منزل قائد الروم على أنه رسول من قائد المسلمين فاستقبله قائد الروم وباحثه أموراً كثيرة تتعلق بالحصار وعمرو مع تسجيل ما يجري من حديث في قلبه، هو يرمق قائد الروم وينظر في حصن قصره، واستعداد جنده .

فبهر قائد الروم بفصاحة عمرو وسرعة جوابه، ونير عقله.

فأدرك أن الذي يحاوره ليس رسولا عاديا، بل هو عمرو بن العاص القائد للمسلمين، أو هو رجل يعتمد على رأيه قائد المسلمين فهو ليس رسولا يبلغ رسالة فقط .

فأدرك عمرو بن العاص ما وقع في نفس قائد الروم!.

وأدرك عمرو أيضاً أنه أوشك من ورطة قد لا يخرج منها، وهذا ما بيته قائد الروم حينما أوعز لحراسه في الخارج أن يقتلوه إذا مر بهم !.

ولكن لا نجاة من المكر الكبَّار إلا بذكاء أكبر !

ولا تدفع المكيدة إلا بحيلة .

حينها طلب عمرو بن العاص من قائد الروم أن يأذن له بأن يحضر بقية أصحابه العشرة الذين بعثهم قائد المسلمين معه، وهم خارج الحصن ليكون البحث مع الجميع والرأي مشتركاً .

فراقت لقائد الروم هذه الفكرة وكونه يظفر بعشرة خير من قتل واحد وخلفه تسعة مثله!

(والله غالب على أمره)

نجحت خديعة عمرو بن العاص، ونجاه الله من الروم الكافرين (وإن الله يدافع عن الذين آمنوا) .

فكان عمرو بن العاص فيما بعد إذا أقسم يقول: والذي نجى عمرا بن العاص من أرطبون الروم .

وعلى ذلك مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه

قد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب فننظر عم تنفرج ؟.

ثم رجع عمرو إلى عسكر المسلمين وقد أحاط علما بحال عدوه، وعرف كثيرا عن حصونهم فهو شاهد عيان .

فاستمر في حصار القدس حتى انضم إلى جنده بأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقية الجنود الإسىلامية من أطراف الشام .

ضاق الحصار على بلاد القدس من قبل الجيوش الإسلامية فما كان من قائد الروم الذي يصدر جنده عن رأيه إلا أن يعمل ذكاءه كيف ينجو بنفسه ؟

فكان من أمره أن تسلل هاربا، وخرج مستخفيا من طرف الحصن تاركاً جنده متوجهاً إلى بلاد مصر حيث الحامية الرومانية.

أدرك النصارى الرومان أن نهايتهم قربت، وأن حصنهم يوشك أن يفتح فاستشاروا في أمرهم .

فكان رأيهم أن يسلموا بلاد القدس ومفاتيح المسجد الأقصى إلى قائد المسلمين ولكن ليس هو الموجود قريباً منهم، ولكنهم زعموا أنهم يجدون في كتابهم صفات القائد الذي يتسلم القدس منهم .

فكتب أبو عبيدة إلى عمر يعلمه بما قاله أهل القدس، فشاور عمرُ أصحابه في الخروج على عادته في مشاورته أصحابه، والأخذ بمشورتهم فانشرح صدرُه إلى الذهاب إلى  بيت المقدس، واستخلف عليًّا رضي الله عنه إلى المدينة ليسير ما يقارب مسافة ألفين وخمس مائة كيلو .

في صحراء ممتدة، وبين جبال موحشة !

فما موكبه الذي أعده لهذه السفرة الطويلة، ومن من حاشيته سوف يسعد بصحبته ؟.

لولا أن هناك أخباراً تاريخية مؤكدة لقلنا هذه ضرب من الخيال، والرواية المبالغ فيها !

مشى إليها عمر رضي الله عنه بناقة وخادم معه، وزاد هو كفايته للطريق من الماء والخبز والتمر.

بدأت الرحلة التاريخية من المدينة فكان عمر رضي الله عنه يركب ناقته ساعة، ويمشي خادمه، ثم ينزل ليركب خادمه ساعة أخرى، ويمشي هو، ثم يمشي الاثنان ليريحا الناقة، حتى وصلا قريباً من الجيش المحاصر للقدس بقيادة أبي عبيدة الجراح، وبينهما منخفض ملئ بالماء والطين، وكان الخادم راكباً، وعمر ماشياً بيده مقود الناقة، فخلع أمير المؤمنين نعليه، قائد جيوش الفتوحات الإسلامية الكبيرة، خلعهما ليضعهما على عاتقه، ثم يشمّر ثيابه ليخوض الوحل بقدميه، حتى اجتاز المنخفض ليصل جهة قواد جيوش المسلمين بقدمين وساقين قد حملتا بالطين!

فأسرع قائدها أبو عبيدة مع قواده ليستقبلوه استقبالا يليق بمقام خليفة المسلمين، ثم اقترح أبو عبيدة على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أن يصلح من حاله

قال له أبو عبيدة رضي الله عنه:"يا أمير المؤمنين، لو ألقيت عنك هذا الصوف، ولبست البياض من الثياب، لكان أهيبَ لك في قلوب هؤلاء الكفار، فقال عمر رضي الله عنه: "لا أحب أن أُعَوّد نفسي ما لم تعتده، فعليكم معشر المسلمين بالقصد"

ولم تفلح محاولة أبي عبيدة رضي الله عنه !

بل قال عمر درسا لأبي عبيدة ولقادة المسلمين من بعده وللمسلمين كلهم إلى قيام الساعة قال مقولته المشهورة

والله لو غيرك قالها يا أبا عبيدة لجعلته عبرة لآل محمد صلى الله عليه وسلم!!! لقد كنا أذلة فأعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا عزاً بغير الإسلام أذلنا الله".

ثم واصل الموكب العمري مسيرته إلى حصن بيت المقدس

حتى إذا استقر الركب عند الباب، نزل إليه رئيس الأساقفة، وبيده مفاتيح القدس، وبعد أن سلّم عليه، واستوثق من صفاته في مشهد تاريخي مهيب

وكتب عمر رضي الله عنه لهم الأمانَ لأنفسهم وأموالهم وكنائسم وصلبانهم، ولا ينتقص شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم في مقابل أن يعطوا الجزية للمسلمين

كتب الله العز للمسلمين .

 

الحمد لله ...

فمما يذكر في هذا الحدث العظيم

أن النصارى اشترطوا على عمر رضي الله عنه أن لا يسمح لليهود بدخوله؛ لأنَّهُمْ قَتَلَةُ المسيح حسب زعم النصارى، فكيف يسكنون بلد المسيح عليه السلام؟! ووافق عمر على هذا الشرط.

وظل بيتُ المقدس تحت حكم المسلمين خمسة قرون؛ حتى سلمته الرافضة العبيديون للصليبين حينما حكموا الشام، ومكث في أيدي الصليبيين قريبًا من تِسْعينَ سنةً، ثُمَّ استردَّه المسلمون على يدي صلاح الدين رحمه الله  وظل في حوزة المسلمين أَكْثَرَ من ثمانية قرون، حتى غير المسلمون فجاء الاستعمارُ الظالم فاستولى عليه وسلّمه لليهود في أواسط القرن الهجري الماضي.

فاليهود عبر تاريخهم الطويل لم يحاربوا ولا مرَّةً واحدة من أجل الاستيلاء على بيت المقدس؛ وإنما استلموه من النصارى !

فهم يريدون من يحارب عنهم، ويُخرجُ لهم العدو ليدخلوها فاتحين، وما تبدَّلت حالهم إلى يومنا هذا فليس بلاءُ المسلمين من قُوَّة اليهود؛ وإنَّما من ضعفِ المسلمين أنفسهم، حينما انتشرت فيهم العقائد المنحرفة، والأخلاقُ الفاسدة، وركنوا إلى الذين ظلموا، وأخذوا من الشبهات والشهوات ما أفسدوا به دينهم، وفوت بسببه دنياهم .

حتى نشأ جيل يستخف بقضايا المسلمين، وربما تجاسر فقال أو كتب ما أحجم عنه اليهود الغاصبون !

دع عنك الساسة الخانئين، والمرتزقة في القضة الفلسطينية منذ سنين !

أيها الإخوة فلسطين بلد إسلامي والقدس لنا، ولكننا لسنا أهلا لها  والله تعالى (ولينصرن الله من ينصره)

ثم بينهم (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) .

فاللهم رد المسلمين إليك رداً  ....    



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 09:38 مساءً الثلاثاء 1 يونيو 1446.