• ×

د.عبدالرحمن الدهش

من خبر الطفيل بن عمرو

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  1.3K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

إنَّ الحمد لله نحمده ،  …
أما بعد :-
مَن كانَ مُسْتَنًّا ، فَلْيَسْتَنَّ بمن قد ماتَ ، فإنَّ الحيَّ لا تُؤمَنُ عليه الفِتْنَةُ ، أولئك أصحابُ محمد - صلى الله عليه وسلم - ، كانوا أفضلَ هذه الأمة ، وأبرَّها قلوبًا ، وأعمقَها علمًا ، وأقلَّها تكلُّفًا ، اختارهم الله لصحبة نبيِّه ، ولإقامة دِينه ، فاعرِفوا لهم فضلَهم ، واتبعُوهم على أثرهم ، وتمسَّكوا بما استَطَعْتُم من أخلاقِهم وسيَرِهم ، فإنهم كانوا على الهُدَى المستقيم" 
هذه بعض فضائل الصحابة، وهذا ميزانهم عند أهل العدل والاستقامة .
سير الصحابة تزيد في الإيمان، وقصصهم تحرك القلوب والوجدان، ومدارستها تربط    والسير على هديهم سبيل إلى الجنة والرضوان .   
وفي صحيح مسلم  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
« النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا
 يوعدون                                             َأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
نختار من هذه الثلة المباركة صحابياً أراد الله به خيراً ، وأراد بقومه بسببه خيراً أيضاً .
فهو شريف من أشراف العرب المرموقين وواحد من أصحاب المروءات المعدودين، كريم فلا تنزل له قدر عن نار، ولا يوصد له باب أمام طارق، يطعم الجائع ويؤمن الخائف  ويجير المستجير.
إنه سيد دوس في الجاهلية, وشاعرها المفوه . 
قدم مكة في السنة العاشرة من البعثة النبوية فتلقاه كفار قريش بالإكرام والخفاوة، ولم ينسوا أن يحذروا من الاستماع إلى محمد صلى الله عليه وسلم خشية أن يفسد عليه دين قومه وعبادة آبائه، فقالوا له:
 أبا الطفيل، إنك قدمت بلادنا فهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد فرق جماعتنا، وأفسد ما بين الرجل وأبيه و ما بينه وبين أخيه وبين الرجل وزوجته وإنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمه ولا تسمع منه!                                                            قال: فو الله ما زالوا بي حتى أجمعت على أن لا أسمع منه شيئًا ولا أكلمه حتى حشوت أذني قطناً حين غدوت إلى المسجد خشية  أن يبلغني من قوله شيئ وأنا لا أريد أن أسمعه .
قال: فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله  قائم يصلي عند الكعبة قال فقمت قريبًا منه فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله !
قال: فسمعت كلامًا حسنًا. قال فقلت في نفسي واثكل أمي إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى عليَّ الحسن من القبيح, فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ 
فإن كان الذي يأتي به حسنًا قبلته، وإن كان قبيحًا تركته،
فمكثت حتى انصرف رسول الله  إلى بيته فاتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت: يا محمد إن قومك قالوا لي كذا وكذا للذي قالوا لي, فوالله ما برحو يخوفنني أمرك .
ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه فسمعت قولاً حسنًا فاعرض علي أمرك
فعرض عليَّ الإسلام وتلا عليَّ القرآن, فوالله ما سمعت قولاً قط أحسن ولا أمرًا أعدل منه،  وقال: فأسلمت وشهدت شهادة الحق.
وأمره رسول الله  بدعوة قومه إلى الإسلام .
فقال: يا رسول الله اجعل لي آية تكون لي عونًا، فدعا له رسول الله  فجعل الله في وجهه نورًا فقال: يا رسول الله إني أخاف أن يجعلوها مثلة، فدعا له رسول الله  فصار النور في سوطه وكان يضئ في الليلة المظلمة ولذا يُسمى ذو النور.
فانطبق رضي اله عنه إلى قومه في اليمن 
قال الطفيل: فلما نزلتُ أتاني أبي وكان شيخًا كبيرًا. 
فقلت: إليك عني يا أبت فلست مني ولست منك، قال: ولِمَ يا بني؟                         
قال: قلت أسلمت وتابعت دين محمد  قال أبي: ديني دينك، فاغتسل وطهر ثيابه ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم،
 قال: ثم أتتني صاحبتي زوحته فقلت لها: إليك عني فلست منك ولست مني قالت: لِمَ بأبي أنت وأمي؟ قال: قلت: فرق بيني وبينك الإسلام، فأسلمت، ودعوت دوسًا إلى الإسلام فأبطأوا عليّ، وتلكؤ .
ثم عاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو قومه ومالقيه منهم .
وقال يا رسول الله : انه غلبني دوس فادع الله أن يهلك دوسا”..!!
وكانت المفاجأة ممن بعثه الله رحمة للعالمين، وأذهلت الطفيل حين رأى الرسول يرفع كفيه إلى السماء وهو يقول:” اللهم أهد دوسا وأت بهم مسلمين”..!!
ففي الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَدِمَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ دَوْسًا قَدْ عَصَتْ وَأَبَتْ ،
فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا . فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ يَدْعُو عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ « اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ » 
ثم التفت إلى الطفيل وقال له:” ارجع إلى قومك فادعهم وأرفق بهم”.


وخرج الطفيل إلى قومه فلم يزل بأرض دوس يدعوهم إلى الله حتى أسلموا  فقدم على رسول الله  بمن أسلم من قومه سبعين أو ثمانين بيتًا من دوس، ثم لحقوا برسول الله  بخيبر وقد فتحها الله عليه .
وأشركهم في الغنايم تأليفا لقلوبهم وترغيبا لغيرهم فصلوات الله وسلامه عليه .

 

 

 

 

 


الحمد لله  ..
أما بعد:-
أسلمت دوس وتحولت ديارهم إلى ديار إسلام وأمر النبي صلى الله عليه وسلم الطفيل أن يذهب لصنمهم ويهدمه.
فذهب رضي الله عنه وهدم صنم دوس وحرَّقه إيذانا بانتهاء الشرك من ديار دوس، وأنها بلد إسلامي . 
ثم نقول بعد ذلك إن من أعظم أو هو أعظم من أسلم من قبيلة دوس وهو في ميزان حسنات الطفيل إن شاء الله .
هو راوية الإسلام، وحافظ السنة لأهل الإيمان إنه عبدالرحمن بن صخر الدوسي  أبو هريرة رضي الله عنه .
فأي خير حصلها الطفيل بدعوته أن يكون نتاجها صحابياً أصبح فيما بعد ركنا في الدين، وحاملا لشرع رب العلمين ؟.
فأين الدعاة وأين المعلمون والمربون , أين مدرسو حلق النحفيظ الذين قد ينتابهم الملل، ويقع في نفوس بعضهم شيء من الإحباط حينما لا يرون ثمار غرسهم سريعاً، ويظنون بالأجيال التي بين أيديهم سوءاً! 
فالصبر أيها الباذلون والاحتساب فلعل من بين من تزهد فيهم من يجعل الله علي يديه نصرة وعزاً للأسلام في علم أو عمل 
(ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير) .
ولعل فيهم من هو أبو هريرة زمانه !
ثم لولا فضل الله على الطفيل حينما أعمل عقله وترك التحذير من قومه الظالم تجاه النبي صلى الله عليه وسلم .
فلا تعر عقله لكائن من كان فالله حملك الأمانة في تفسك ودينك فلا تكن أمعة إن أحسن الناس أحسنت وإن أسأؤا أسأت فتلك قاصمة الظهر موردة المهالك .
فلو استمر الطفيل في قبول التحذير من كفار قريش لفاته خير الدنيا وسعادة الآخرة .
وزمننا هذا أجدر فيه أن يستعمل فيه الإنسان عقله وأن ينظر في أمره، وأن يراجع العلماء الربانيين والدعاة الناصحين .
وبعض الناس يوشك أن تقلب موازينه تغريدة أو مقطع نظر فيه، ثم قد تتقاذفه وسائل الإعلام وتعبث فيه قنوات الفضاء، ونشرات الأخبار !   اللهم ألهمنا رشدنا ... 



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 03:44 مساءً الخميس 19 مايو 1446.