• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة يوم الجمعة 22-5-1431هـ بعنوان علم نافع وولد صالح

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  3.7K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

 

إن الحمد لله ... أما بعد:- فحديث النبي صلى الله عليه وسلم في الأعمال التي تبقى للإنسان بعد موته لا يزال ندياً في أذاننا، ومعناه قريباً من قلوبنا، وقد أتينا في جمعتنا الماضية على الصدقة الجارية أول خصلة في الحديث يقول أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ) رواه مسلم . أما ثاني الأعمال التي لا ينقطع بها الأجر وبستمر بها الفضل (فعلم ينتفع به من بعده) فأين المعلمون في المدارس والمعاهد والكليات والحلق في المساجد وغيرها؟ إي، والله! تقول الكلمة، أو تلقي الدرس ثم ينقلب المستمعون بعلم نافع تستنير به قلوبهم وتنشرح به صدورهم ويعرفون من خلاله شيئاً من شرعهم فتتهذب النفوس وتستقيم به السلوك وتحسن به الأخلاق فيكون ذلك عملا مستمرا ثم هذا المتعلم سوف ينقل شيئاً من علمه بقوله أو حاله إلى غيره فلا تزال سلسلة الأجر ممتدة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، مع ما في ذلك من الذكر الحسن لمعلمي الناس الخير فضلاَ عن الأجر، واستغفار الملائكة . ومن العلم النافع من وفقه الله فألف كتاباً أو كتب مقالا نافعاً فتناولتها الأيدي فقرئت في حياته أو من بعده . أيها الأخ المبارك لا يقف بك الطموح فتظن أن العلم النافع للعلماء وطلاب العلم فخذ ما تستبشر به !! ألم تعلم ولدك من صغره توحيد الله، وتعرفه من نبيه ؟ . أتذكر حينما كنت تقول له من ربك ؟ فيجيب بلسان الطفولة لا يكاد يبين الحروف . ثم تسأله من نبيك؟ فيجيب بلسان مثله . سبحان الله، هل هذا من العلم الذي ينتفع به !! إذن من أي شيء! . فلعلك تقول: لقد علمته الصلاة ودربته على الصيام وحسن إلقاء السلام، وأنا آخذه لأقاربي ليتعود على صلة الأرحام فأقول: هنيئاً لك العلم النافع وقد بذلته في أخص الناس بك . فاللهم وفقنا للعلم النافع وتعليمه أما ثالث الأمور التي يستمر الأجر فيها للإنسان بعد موته ونقلته إلى القبور، فيقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم (أو ولد صالح يدعو له) أنتكلم عليها أو ندعها في زمن غفل فيها الأبناء عن الآباء الحيين فالغفلة أكبر عنهم ميتين ! أنتكلم عليها في زمن يتخطف فيها الأبناء من محاضن آبائهم فهم نهب للقنوات، وضحايا للأنترنت، قد غابوا عن بيوتهم في مجالس، واستراحات. لا والله لا ندعها، وقد عدَّها النبي صلى الله عليه وسلم وإن ند بعض الأبناء وركبوا الشطط من أمرهم فالأمل لم ينقطع وعودة الأبناء لرشدهم قريبة بتوفيق الله ثم بدعاء آبائهم الذين يرجون دعاء أبنانهم . يقول النبي صلى الله عليه وسلم (أو ولد صالح يدعو له) فيا من يعد ولداً صالحاً ليدعو له أطب الغرس ليطيب الثمر. فأول درجات صلاح ابنك أن يراك صالحا في نفسك قدوة مشرقة، مشرفة له فأنت الأب المبادر للصلاة، المعظم لحرمات الله، فأنت مثاله الحازم في حفظ بصرك وسمعك وجوارحك، لا يحفظ عنك كلمات العهر والكذب والخيانة. إن سئل عن اسمه افتخر أن يقول: هو ابن فلان، لم يتردد أو يتلعثم؛ لأنه يعلم أنه سوف يقابل بعبارات التكريم والإنعام . فكن لابنك كما تحب أن يكون لك، والجزاء من جنس العمل وبهذا تعد ولداً صالحاً . والهداية بيد الله فهو مقلب القلوب، وقلوب العباد بين أصبعين من أصابعه يصرفها كيف يشاء؟. وإنما علينا الأخذ بالأسباب، ومداومة النصح والإرشاد، ولكل مرحلة من مراحل أعمار الأولاد ما يناسبها إلا أنه لا جدال في أن الرفق لا بد منه في جميع المراحل والنبي صلى الله عليه وسلم بقول \" ما كان الرفق في شيء إلا زانه \". ولا بد أن تقدر الظرف الذي يعيشه ابنك فهو في زمن تموج به الفتن، ويقابل ابنك سيل من الصوارف،لم تعش أيها الأب معشارها في وقتك مع أبيك وجدك. وخير الهدي خير النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ولو ذهبنا نذكر شيئاً من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأخباره مع الناشئة ومن هم في مرحلة الشباب، ومن يعيشون فورة المراهقة وكيف حرص عليه الصلاة والسلام على استصلاحهم، واستمالة قلوبهم، بعد إدراكه أن فترة الفتوة هي فترة سكر من مراحل عمر الإنسان لا بد أن يؤخذ بيد من يعيشها حتى يتخطاها بسلام لا تظلمون ولا تظلمون لو ذهبنا نبحث عن شيء من هديه صلى الله عليه وسلم لوجدنا عجباً من سيرة النبي صلى الله العطرة، وإليك خبر ذلك الفتى الشاب الذي أتى يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الزنا ؟ ماذا ؟! نعم يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في أن يزني ؟ ويريد أماناً ورخصة من النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يكلمه أحد!! هذه عقليته!! وهذا منتهى تفكيره !! عن أبي أمامة قال: إن فتى شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ائذن لي بالزنا فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا مه مه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أدنه فدنا منه قريباً، قال فجلس قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم؟ قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال أفتحبه لأختك قال لا والله جعلني الله فداءك. قال ولا الناس يحبونه لأخواتهم قال أفتحبه لعمتك؟ قال لا والله جعلني الله فداءك. قال ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال فوضع يده عليه وقال اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء\" رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح. الله أكبر ما أعظم تربية النبي صلى الله عليه وسلم . تفهم للمشكلة، إعطاء فرصة للكلام وإن كان كلاماً مزعجاً، ثم محاورة وإقناع بالحجة، ولكن تذكر أيضاً أن كل هذا لم يحمل عليه إلا ما عرفه هذا الشاب من حلم النبي صلى الله عليه وسلم، وسعة صدره، وأن النقاش معه لا يمكن أن يصل إلى طريق مسدود بل لا بد من نهاية مرضية توصل صاحبها إلى قناعة تامة . هذه المفاهيم التي عرفها ذاك الشاب من خلق النبي صلى الله عليه وسلم هي التي حملته على تلك الصراحة، ليست في خلوة عن الناس بل في جمع من القوم حتى زجروه ولكن الدرس للجميع، وأدب التعامل ومعالجة الموقف ينقله لنا الرواة فما أحوجنا إليه فأجله في خاطره. وختام هذا الحوار دعوات ثلاث \" اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه \" كيف تحاور ابنك حينما يساومك على شأن من شؤونه لا يبلغ مبلغ موضوع ذلك الشاب فالله وفقنا لحسن التأسي بنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم . أقول قولي ... الحمد لله ... أما بعد:- فيا معاشر الأبناء: آباؤكم ينتظرون صلاحكم، وصلاحكم لأنفسكم قبل غيركم . ولا يدرى من سينفع الآخر؟ أينفع الأب ابنه أو ينفع الابن أباه والله تعالى يقول\"آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً\" فلا يظن أحد استغناءه عن الآخر، فالآباء سبب في وجود الأبناء وسعوا في تربيتهم فأوجب الله برهم في الدنيا والإحسان إليهم (وبالوالدين إحساناً)، وأمر بالدعاء لهما أحياء وأمواتاً (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) . جاء رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به من بعد موتهما ؟ قال: نعم الصلاة عليهما و الاستغفار لهما و إنفاذ عهدهما و إكرام صديقهما و صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما\" حديث صحيح رواه أبو داود وغيره. والدعاء للوالدين والاستغفار لهما نافع بعد قبول الله فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول : يا رب أنى لي هذه ؟ فيقول : باستغفار ولدك لك) رواه أحمد قال ابن كثير: إسناده صحيح .... وفي مقابل هذا أوصى الله الآباء بالأولاد خيرا فقال تعالى (يوصيكم الله في أولادكم) فالحياة تكامل. من الآباء للأبناء، ومن الأبناء للآباء، وهذا التكامل لايتم إلا بالتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) وبهذا تنال دعوة الملائكة (ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم، وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم) . فاللهم أصلح لنا ذرياتنا، واجعلهم قرة لأعينا في الدنيا والآخرة . اللهم وفقنا لبر والدينا، والإحسان بهما، وصدق الدعاء لهما . اللهم رد شباب المسلمين إليك رداً جميلا، وقهم شرور أنفسهم، اللهم حب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، واجعلهم راشدين.



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 03:28 مساءً الخميس 19 مايو 1446.