هنيئاً لكم عيدكم, وجعله الله مباركاً على كل مسلم في كل مكان, وأعاده علينا وعليكم بالأمن والإيمان, والسلامة والإسلام.
أيه الإخوة: هذا اليوم هو يوم الحج الأكبر, وقد جمع الله لنا فيه فضيلة أخرى؛ حيث وافق يومُ عيدنا يومَ جمعتنا, فلله الحمد والفضل والمنة, حيث جمع لنا الفضائل في هذا اليوم.
أيه الإخوة: هذا اليوم يوم الجمعة وهو قبل ذلك يوم الحج الأكبر, فلا تغفلوا عما سنه النبي صلى الله عليه وسلم لكم في هذا اليوم, ومن ذلك:
أنه يكثر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة واحدة (صلَّى اللهُ عليه بها عشرًا) خصوصاً في يومكم هذا.
ثم أيه الإخوة: في هذا اليوم ذبح المسلمون ضحاياهم متقربين لله عزوجل بهذا النسك محين سنة إبراهيم وسنة محمد عليمها الصلاة والسلام. وقد بين النبي صلى الله عليم وسلم أنه ما من عمل أفضل في هذا اليوم من إراقة دم, وأما من عجز عن ذلك -أن يضحي لأي سبب آخر- فل يطب نفساً فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد ضحى عنه وهو داخل –إن شاء الله- في أضحية النبي صلى الله عليه وسلم حينما ضحى وقال: (اللهم هذا عن محمد وعن أمة محمد)
أيه الإخوة: مما يذكر به في هذه الأيام, يذكر بذكر الله عز وجل, فاذكروا الله كثيراً, واشكروه كثيراً, هذه الأيام, هذا يوم العيد, وغدا والذي بعد والذي بعدهما ثلاثة أيام هي أيام التشريق وهي الأيام المعدودات التي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها إنها(أيَّامُ أَكْلٍ وشُربٍ وذِكرِ اللَّهِ) وإن كثيراً من الناس قد يتفطنون إلى الخصلتين الأوليين, يتفطنون إلى الأكل والشرب, ولكنهم يغفلون عن ذكر الله عز وجل, ولا ينبغي لقلب مسلم أن يغفل عن ذكر الله.
أيه الإخوة: ذكر الله على كل حال وفي كل مكان وفي أي زمان, يكبر الإنسان في هذه الأيام المباركة تكبيراً مطلقاً في كل وقت, ثم يكبر تكبيراً مقيداً يكون عقب الصلوات المفروضة. هو ما يسميه العلماء بالتكبير المقيد بعد أن يصلي فريضته ويقول أستغفر الله ثلاثاً ويقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام , يكبر ما شاء الله أن يكبر, مرتين, أو ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً. تكبير غير مقيد بعدد, ولكنه مقيد بعد الصلوات المفروضة, ثم يشتغل بعد ذلك بالذكر الوارد عقب الصلوات.
أيه الإخوة: إن الذكر حياة القلب, وإن المسلم إذا انقطع عن ذكر الله فإن قلبه يوشك أن يجف, ثم إذا جف يوشك أن يمرض, ثم إذا مرض فإنه يوشك أن يموت, فأحيوا قلوبكم –رحمكم الله- بذكره, (اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) واعلموا أن الله غني عنكم, ولكنكم أنتم الفقراء إليه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ).
أيه الإخوة: مما يذكر به أيضاً أن هذا اليوم وأيام التشريق بعده لا يجوز صيامها مطلقاً , لا في قضاء عن رمضان ولا في نفل, إنما هي أيام ذكر, أما صيامها فإنه لا يجوز ولا يحل صيامها. وربما جهل بعض الناس, أو بعض النساء فصمن أيام الشريق قضاء.
وبعض الناس يسأل عن اليوم الثالثَ عشر, هل يصومه على اعتبار أنه من الأيام البيض, أو لا يصومه؟ والحق أنه لا يصوم يوم الثالث عشر من هذا الشهر, وليس داخلاً في الأيام الثلاثة أيام البيض, ولكنه إن أحب أن يصوم أيام البيض, فليصم اليوم الرابع عشر والخامس عشر ثم يصم يوم ثالثا في يوم آخر إلا أنه لا يصوم في أيام التشريق.
أيها الإخوة أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذ ابن جبل رضي الله عنه بحديث عظيم أذكره لكم لأن وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأي واحد من أمته هي وصية لجميع الناس إلى قيام الساعة.
أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد معاذ بن جبل رضي الله عنه وقال: (يا معاذُ واللهِ إني لَأُحبُّك, أوصيك يا معاذُ لا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ تقول اللهمَّ أعِنِّي على ذكرِك وشكرِك وحسنِ عبادتِك) هذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل, وهي وصية لكل مسلم. (اللهمَّ أعِنِّي على ذكرِك وشكرِك وحسنِ عبادتِك) نعم أيه الإخوة إن ذكر الله عزوجل يحتاج أن يعينك الله عليه, فإن لم يعنك الله على ذكره فربما مرت عليك الأيام, تلو الأيام وأنت لا تذكر الله عزوجل, إلا قليلا, أو لا تذكره البته, فاسئل الله أن يعينك على ذكره, الذكر المطلق كما تقدم, والذكر المقيد.
وإن من أعظم الذكر أن يتلو الإنسان كلام الله, فإن كلام الله سبحانه من أعظم الذكر الذي يتعبد الإنسان ربه به.
نسأل الله أن يعيننا على ذكره وعلى شكره وعلى حسن عبادته.
أقول قولي هذا..
الخطبة الثاني:
فعوداً على بدأ في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الدعاء وتلك الجمل على قصرها لكنها جامعة قال: (اللهمَّ أعِنِّي على ذكرِك) ثم قال: (وشكرِك) أجل أيه الإخوة فإن لله علينا أيادي كثيرة ونعم لا تعد ولا تحصى, وإن قرار النعم ودوامها إنما يكون بشكرها, وهذا الشكر يحتاج إلى إعانة الله تعالى, فكم من ذي نعمة لم يشكرها, بل إنه ربما التبس عليه الأمر فلم يرى نعمة الله عليه, وربما استعمل نعمة الله في معصيته, وفيما يبعده عن ربه ويقسي قلبه.
فاحرصوا رحمكم الله على شكر نعم الله عليكم, (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا), فنعم الله عليك في بلدك, ونعم الله عليك في بيتك, ونعم الله عليك في خاصة نفسك, فماذا نذكر منها, وماذا نذر, نعم كثيرة.
ألا وإن أعظم نعمة أنعم الله بها عليك أيها الموفق, هي نعمة الإسلام, فأصبحت ترى للحياة طعما, وأصبحت ترى في سيرك طعما آخر, غير الذي يسير عليه كثير من الكافرين والعاصين, هذه نعمة كبرى نعمة الدين ونعمة الإسلام, فاسئلوا الله أن يثبتكم عليه, وألا يزيغ قلوبكم بعد إذ هداكم.
ثم من شكر النعم أيها الإخوة: خصوصاً في هذه الأيام, ألا يمضيها الإنسان في شيئ يغضب الله عزوجل, لا يمضي لياليها بسهر على محرم, لا من مشاهدات ولا من مسموعات, ولا يمضي أيامها بنوم وتفويت صلاة, فإن هذا من كفران النعم, فاسئلوا الله أن تكونوا مغتنمين لأيام الفضائل, ولأوقات المناسبات, والموفق من وفقه الله تعالى.
ثم ختام الجمل, قال: (وحسنِ عبادتِك) ما أكثر الذين يعبدون الله تعالى, ولكن القليل منهم, هو الذي يعبد الله بإحسان, يعبده بحسن وإتقان, هؤلاء قليلون, فكن ياعبدالله من هؤلاء القليلين, واحرص أن تكون عبادتك حسنة, متبعاً فيها نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم , وقبل ذلك مخلصاً فيها لربك, فإن شرط العبادة , اخلاص لله, ومتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم .
اللهم أعنا على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك, اللهم اجعل عيدنا سعيداً, اللهم اجعله سعيداً على كل مسلم في كل مكان,