• ×

د.عبدالرحمن الدهش

كيف مد الظل؟

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  2.5K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

إن الحمد لله ...

أما بعد:-

فحينما يتعالى النهار، ويشتد لهيب الشمس، وينتشر ضياؤها مع حرها، وتتغير لهذا الأجواء فالرياح سموم ساخنة، والمياه حارت، والأرض محرقة

يطلب الناس على إثر ذلك ظلا يظلهم، وأكناناً من شدة ما يجدون تكنهم !

فلا طاقة لهم إلا بستر عن الشمس، فأجسامهم على لفحاتها لا تقوى.

فهم يطلبون ظلاً لأنفسهم، وظلاً لبهائمهم، بل يطلبون الظل لسياراتهم ومقتنياتهم، بل يعيب البيت، وينقص قيمة الأرض أن تكون جهته إلى الشمس أكثر .

وكل هذا من أكبر دلائل ضعف الإنسان، وقلة حيلته، و أن قدرته مهما توسعت فلها حدود لا تتجاوزها .

حينما يُذكر الله عباده في سورة النِّعم كما يسميها بعض السلف وهي سورة النحل يُذكر الله بلطفه ورحمته حيت جعل لهذه الشمس المحرقة ولهذا القيظ المنهك ما يخفف الله به عن عباده يقول تعالى (والله جعل لكم مما خلق ظلالاً وجعل لكم من الجبال أكناناً وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم)

ماذا لو عدم الظل ؟

أتصلح الدنيا مكشوفة في العراء، أو تستقيم لهم مصالح أو يقضون حوائجهم تحت شمس دائمة !

لا تستقيم !

فتداركهم ربهم فجعل لهم مما خلق ظلالاً .

فوجدوا الظل تحت الأشجار، ووجدوه خلف التلال والجبال والكبير من الأحجار .

وتطور الإنسان فهو يحاكي ظل الشجر والحجر التي خلقها الله ليجعل ظلاً نظيراً له من جلود الأنعام ومن أصوافها وأوبارها وأشجارها ويخلق ما لا تعلمون .

(كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون)

أيها الأخ المبارك: هذا الظلُّ الذي ألفته ينبه الله عباده إلى أنه آية من آياته يستدل به الموفق على عظمة خالقه، وعظمة المخلوق تدل على عظمة الخالق .

وجمال المخلوق ينبئ عن جمال الخالق !

ابتدأ الله حديثه عن الظل بقوبه (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل)

فمن أفعال الرب المربي ذي الملك والتدبير أن جعل الظل ممدوداً منبسطاً على قدر ما هو ظل له فظل الجبال الشاهقة الآخذة في عرض الأرض ليس كظل ما دونه من الجبال .

 والشجرة المنبسطة، والنخلة الباسقة ظلهما بحسب امتدادهما !

وهذا الظل لو شاء الله لجعله ساكنا ثابتا لا يتغير وحينئذ تضيع منه الحكمة، وتنصرف عنه الرغبة.

فجاءت الشمس دليلا عليه (ثم جعلنا الشمس عليه دليلا) أي: علامة، فتغير أحوال الظل بسبب تغير أحوال الشمس.

فيمتد الظل من وقت الإسفار بعد الفجر حتى تشرق الشمس فيأخذ الظل طوراً آخر (ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيرا) خفيفاً: لا يكاد يشعر به الإنسان .

وهكذا ظل الأشياء على وجه الأرض يتقلص شيئاً فشيئاً كلما زادت الشمس في الارتفاع زاد نقصانه وتقلصه حتى لا تكاد تجد للشيء ظلاً .

أين ذهب؟

قبضه الله إليه قبضاً يسيراً .

فأين المتأملون في آية الله في الظل ؟

هذا الظل المتحرك بقدر الله سعى الإنسان في تحصيله فهو يبني عريشاً يستظل به، ويسقف مكاناً ليتخذه مجلساً له.

ثم يغادره الظل ليبقى مكاناً مشمساً لا يستطيع أن يبقى به.

أليس في هذا دلالة أنه لا بقاء لهذه الدنيا، وأن أمورنا وأحوالنا مبنية على النقل والتغير والانتهاء .

وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما لي وللدنيا ؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .

 

 

 

الحمد لله ...

فمن آيات الله في ظل الدنيا أنه يذكرك بظل الآخرة، وفي الآخرة ظلان لا سواء بينهما .

الظل الأول: الظل في الآخرة في عرصاتها، ثم ما يتبعه لأهل الجنة قال الله تعالى: (إن المتقين في ظلال وعيون) هذا الظل جعله الله جمالاً في منازل أهل الجنة (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون)، (ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلاً)

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة ما يقطعها، واقرؤوا إن شئتم: (وظل ممدود) [الواقعة:30])

(مثل الجنة التي وعد المتقون أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا)

وقد جعل الله لتحصيل ظل الجنة أسباباً يسيرة بتيسير الله

فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله،ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه " متفق عليه .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي)  .

وعن أبي اليسر رضي الله عنه مرفوعاً: (من أنظر معسراً أو وضع عنه؛ أظله الله في ظله) رواهما مسلم.

و عن أبي قتادة رضـي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من نَفَّسَ عن غريمه أو محا عنه؛ كان في ظل العرش يوم القيامة).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (من أنظر معسراً، أو وضع له؛ أظلَّه الله يوم القيامة تحت ظل عرشه، يوم لا ظلَّ إلا ظِلُّه) حديثان صحيحان رواهما الإمام أحمد .

وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كل امرئ في ظل صدقته، حتى يفصل بين الناس - أو قال: يحكم بين الناس". قال يزيد: فكان أبو الخير مرثد لا يُخْطِئُه يومٌ إلاَّ تَصَدَّق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة أو كذا. رواه أحمد بسند صحيح على شرط مسلم

أما الظل الآخر: فهو ظل أهل النار، أصحاب الشمال: (وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم) في ريح حارة من حر نار جهنم تأخذ أنفاسهم وماء حار يغلي، وظل من دخان شديد السواد لا بارد المنزل ولا كريم المنظر .

(إنهم كانوا قبل ذلك مترفين) منعمين أنفسهم بما حرم الله، مضيعين ما أوجبه عليهم !

(انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب) فهو ظل من دخان جهنم إذا ارتفع افترق إلى ثلاث فرق عظيمة - (لا ظليل) – يظلهم،  (ولا يغني من اللهب) فيدفع عنهم حر جهنم.

اللهم إنا نعوذ من نار جهنم ....



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 03:04 مساءً الخميس 19 مايو 1446.