• ×

د.عبدالرحمن الدهش

3- خواطر أيام الاختبارات

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  1.7K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

الحمد لله
أما بعد :-
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) .
واعلموا أنَّ أعمالكم تحصى عليكم، وأنَّ أعماركم مطية آمالكم، وأنَّ الذي تخلفونه ورآء ظهوركم هو جزء تقتطعونه منكم ، تقتربون به من آجالكم وتبتعدون به من دنياكم .
فالله ، الله في إحسان العمل ، فالموفق من كان في يومه خيراً من أمسه ، و من هو في غده خير من يومه .
ولا يتحقق لك هذا يا عبد الله إلا بتمام المراقبة لله تعالى .
وذلك بتمام الخوف من الله عند المعصية .
وبتمام الرجاء وإحسان الظنِّ بالله عند الطاعة .
ولئن كانت مراقبة الله مطلباً يطالب به العبدُ في كل وقت ، وفي كلِّ مكان (اتق الله حيث ما كنت) ، ولكن التذكير به يتأكد بمناسبة أو أخرى ، ومن ذلك ما سيعيشه أبناؤنا وبناتنا في أيامهم القادمة .
أيام الاختبارات ، أيام حصاد لموسم دراسي ، قضاه الطلاب تردداً على مدارسهم ، ومتابعة لأساتذتهم ، يؤملون النجاح ، ويخشون الرسوب .
ومهما هوَّن التربويون أيام الامتحانات إلا أنها لا تزال أياماَ تتغير لها الأجواء ، وتجند لها الأذهان ، فيصبح هماً وهاجساً للآباء والأمهات .
فيا أيها الأولياء والمربون : ألفت نظركم أن تحرصوا على غرس روح المراقبة في نفوس أولادكم ، ومن تحت أيديكم ، ولا بدَّ أن يعوا أن توفيق الله فوق كل شيء ، وأنَّ ما يفعله الطالب حين يستذكر دروسه لا يعدو أن يكون سبباً لنجاحه ، وأنَّ عليه أن يرتبط بالله فهو المقدم وهو المؤخر ، ولا راد لما قضى .
ثم على الطالب وغيره أن يأخذ العبرة من هذا الامتحان البشري المحدود في وقته ومكانه إلى الامتحان الحقيقي الذي من أجله خلق الإنسان (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً)
هذا الامتحان الحقيقي وقته عمر الإنسان ، ومكانه كل مكان (أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر) (وكل صغير وكبير مستطر) ، (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبؤهم بما عملوا يوم القيامة إنَّ الله بكل شيء عليم ) .

عباد الله : إنَّ ربط الإنسان شئونه بالله خوفاً ورجاء عنوان سعادته ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك "
بهذه الكلمات يؤسس بنيان المراقبة في قلب العبد من أوَّل أيامه ، وفي عموم شؤونه فيهون عليه كل شيء في جانب رضا الله ، ودوام خشيته .
ثم أنتم أيها المدرسون الذين لم تألوا جهداً في تدريس طلابكم لا تنسوا مراقبة الله في أموركم كلها ، وفي أمور الامتحانات خاصة ، وضعاً للأسئلة ، وملاحظة للطلبة ، وتصحيحاً للأجوبة ، عاملوا طلابكم كما تحبون أن يعامل غيرُكم أبناءكم ، فكما تدين تدان ، والجزاء من جنس العمل .
أيها الآباء ، أيها الأولياء: إنَّ ظروف الحياة ومشاغلها التي لا تنقضي بل إنها تتجدد ، إنها أوجدت في كثير من الأسر فجوة وصدعاً في علاقة الآباء بأولادهم ذكورهم وإناثهم إلا من رحم الله.
فبينما كان الأولاد يتربون على مرأى ومسمع من آبائهم وأوليائهم، ويصنعون على أعينهم ، تغيرت الحال ، ودبَّ الفصام ، فالأب مشغول في وظيفته أو تجارته ، والأولاد مشغولون أو متشاغلون في دراستهم ثم في مجالسهم وأصحابهم .فاكتفى الأب من أولاده بالتحية الجافة ، والكلمة العابرة ، وإن زادت العلاقة فهي جلسة خاطفةٌ تعدُّ دقائقها على أصابع اليد الواحدة .
وفي المقابل اكتفى الأولاد من آبائهم أن يجدوا مطاعمهم ومشاربهم موفرة لا يجدون نقصاً فيها ولا تأخراً .
وإنَّ هذا مؤشر خطر ، وخلل له عواقبه .
فالأولاد بحاجة ماسة إلى رعاية آبائهم وأوليائهم وإن جاوزوا مرحلة الصبا ، بل وإن تقدموا في دراستهم وآنس الأب منهم رشداً . فالأولاد ذكورهم وإناثهم بحاجة ماسة إلى توجيه المجرب الناصح الذي عافس الدنيا ، ووقف على مواقع الدحض والمزلة منها .
أيها الآباء والأولياء : تقربوا إلى أولادكم ذكورهم وإناثهم اجلسوا معهم لاعبوا صغيرهم ، وصاحبوا كبيرهم ، أظهروا لهم احترامكم نادوهم بأحب الأسماء إليهم شاركوهم في مشاكلهم ، شاوروهم في مشاكلكم ، ولو مشاورة صورية ، احذروا تجهيلهم أو تسفيههم ، لا سيما بحضرة غيرهم من أقرانهم وأقاربهم .
يعيش أولادنا جواً تواصلياً عبر الأجهزة الذكية فهم أعضاء في مجموعات متعددة ولهم حسابات متنوعة فلابد للمربي أن يحتسب أن يعيش جو أولاده يحتسب التعرف على شيء من تواصلهم ليقوّم المعوج وينبه الغافل ويوجه ويشجع المتنبه ويشد عضده علّ الله أن يحفظ أجيال المسلمين, وليس من الدين ولا من العقل أن تعلن اعتزالك لبحر يسبح فيه أولادك يوشك أن يغرقهم!
واحذروا هجرهم بحجة مخالفة وقعت منهم أو عصيان صدر منه ، فإن ما يفقده منك قد يجده عند رفاقه فيزيد هجرك الطين بلة .
وإن كان لا بدَّ من هجره فاهجره وراقبه ، واحذر إخراجه من البيت مهما عظم ذنبه فإن فعلت فقد ساهمت في ضياعه وهيأت فرصة الفساد له .
واعلموا أنَّ إيجاد الفجوة بين الآباء والأولاد مطلب حرص على تحقيقه أعداء المسلمين ، وسائر المفسدين الذين يغيظهم تماسك البيت المسلم ، يغيظهم أن يجدوا الأب مع أولاده متعاونين على البر والتقوى بينهم من المودة والإلفة الشيء الكبير .
وما بنود الاتفاقات الدولية الغربية إلا أكبر شاهد على ذلك حينما كان من أبرز فقراتها إضاعة القوامة وإعطاء الحرية البهيمية لأفراد الأسرة فلا أخلاق تربطهم .
كل هذا تحت حقوق الإنسان ورعاية الأسرة (وما تخفي صدورهم أكبر) .
وكيف لا يغيظهم تماسك البيت المسلم ؟
وتماسكه أمان من انحراف أفراده ، وحصن حصين فلا مطمع لمروج مخدر ، أو بائع رذيلة ، أو مساوم على خلق أو فضيلة .
وإنَّ ندَّ من البيت المتماسك فردٌ بمعصية لسبب أو آخر فرجوعه قريب ، وغيه بعقبه رشد فهو يجد المعين من أهله وفي بيته .
ثم أنتم أيها الأبناء : اتقوا الله في آبائهم ، واسمعوا وأطيعوا و اصبروا على الجفاء منهم
فمن تمام الابتلاء أن يبتلى الشخص بأب أو أم لا تعين أولاده على بره فهو المسفه لأولاده المخاصم له في القليل والكثير ، والله المستعان ، وما أعطى أحد خيراً وأوسع من الصبر .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين ...

الحمد لله رب العالمين ...
فها هنا أمر يتعلق بانصراف الطلاب وخروجهم من مدارسهم أثناء أيام الاختبارات ، فهم يخرجون مبكرين على خلاف عادتهم فيبقى عند الطلاب متسعٌ من الوقت أكثرهم لا يحسن استغلاله ، فهو وقت ضائع على غالب الطلاب فتجد بعضهم يتجمعون عند أبواب مدارسهم في أصوات مزعجة ، أو في خصومات وشجار بينهم ، أو مع من يمر بهم .
وتجد البعض الآخر يذهبون ويجيئون ماشين أو على دراجاتهم ، أو سياراتهم معرضين أنفسهم وغيرهم للخطر
حتى صارت أيام الامتحانات موسماً للحوادث وإزهاق الأنفس!!
وقد يركب كبيرُهم صغيرهم ، وسيئُهم غافلَهم ، وقد يستدرجه إلى أمور عظام ويهون عليه ما يستقبح من الفحش والآثام ، وأقل ما يورطه فيه أن يجرئه على شرب الدخان .
وبعضهم في فوضوية ظاهرة ، وعشوائية متعمدة ، أمام البقالات ، وبائعي الإفطار .
وإني أقول واجب على الولي من أب أو غيره أن يحسب حساباً دقيقاً لحفظ ولده في فترة ما بعد الامتحانات وأول الحفظ أن تعرف متى سيخرج من امتحانه هذا اليوم ، أيمتحن مادة أو مادتين ، وليس بكثير أن تضع صورة جدول الاختبار في جيبك تشجيعاً لابنك ومراقبة .
ثم عليك بإرجاعه بعد امتحانه من غير تأخير له إن كان ممن يحتاج ذلك .
إن استطعت ذلك بنفسه أو بالوكيل الثقة من قريب أو صديق أو جار ، ومع ذلك أنت متابع له عبر الهاتف هل وصل إلى البيت ومتى ؟ بأسلوب يفهم منه الحرص والمتابعة لا التجبر و المضايقة ؟
ثم إن رغب في إفطار جماعي مع زملائه فلا بد أن تعرف منهم وأين يكون ذلك ؟
وكم يحتاج من الوقت ؟
وإن شجعته أن يجعل ذلك في البيت ويدعو من رغب في دعوته، فما أكرمها من ساعة ؟
وإفطاره إن أحبه من البيت أو يحضره من خارجه .
ومكسبنا حينئذ قرب ولدنا، وألا يعتاد الأكل خارج البيت في أماكن تجمع الواضح والغامض .
ثم لا تنس أيها الولي المبارك : أن تنبهه لشيء من الطرق الملتوية التي تظهر عند بعض الطلاب في أيام الامتحانات فالسهر المفرط بحجة المذاكرة له آفاته وأضراره على الصحة والنفسية وفي الغالب لا يؤدي الغرض المرجو ، وتعاط المنشطات والحبوب التي تَجْمع الذاكرة كما يزعم، وقد يغرر بها بعضهم بعضاً شر مستطير وبوابه إلى إدمانها والتردي إلى ما هو أسوء منها .
وإنما يوصي الأب ابنه بالاعتماد على الله ، والمحافظة على الصلاة وألا يسمح له بتفويتها عن الجماعة بحجة أنه متعب أو مشغول بالمذاكرة فضلاً عن تفويتها عن وقتها ، ثم يرشده إلى الدعاء بالتوفيق وأخذ الأمور بطمأنينة واعتدال وما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه .
ومن فضول التنبيه لوضوحه لا لهوانه التنبيه على حرمة الغش وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من غشَّ فليس منا " فالغش من كبائر الذنوب ويدخل في ذلك الغش في الامتحانات ، ثم ينبني على ذلك بطلان وحرمة ما ترتب على هذه الدرجة التي لا يستحقها الغاش فإن توظف فهي وظيفة بنيت على كذب، فما حال مرتبها ؟
فتضيق على الإنسان بذلك السبل ويندم حين لا ينفع الندم .
حمانا الله وإياكم من الشرور وأسبابها ....

 



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 03:48 مساءً الخميس 19 مايو 1446.