• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة 22-7-1437هـ بعنوان القائمون على غيرهم

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  1.6K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

(إنما تُنصرون وتُرزقون بضعفائكم). إن الحمد لله ... معاشر الإخوة الدنيا دار ابتلاء (ولكن ليبلو بعضكم ببعض) وهي دار كبد وعناء (لقد خلقنا الإنسان في كبد) من أجل ذلك جعل الله من صفات المؤمنين التواصي والتعاون (ثم كان من الذين أمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة) (وتعاونوا على البر والتقوى) وإنما تطيب الحياة، وتسهل مصالحها وتتحقق مقاصدها، وتنجز مشاغلها بمثل هذه المشاعر العظيمة، والأرواح المتكاملة، والأيادي المتساعدة . فلا تخلو بيوت كثير من الناس عن باب من أبواب الجنان، ومدخل إلى تحصيل الخير، والفور برضا الرحمن . فليكن حديثنا حول هذا ! تأمل معي طائفة من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم عن سهل بن سعد، قال: رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا"، وأشار بالسبَّابة والوسطى، وفرَّج بينهما شيئًا؛ أخرجه البخاري، وفي رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وقال بإصبعيه السبابة والوسطى وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال" الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل" رواه مسلم وعن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من كان له ثلاث بنات، فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته، كن له حجابا من النار يوم القيامة. رواه ابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو ـ وضم أصابعه ـ رواه مسلم وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : " دَخَلَتْ امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا ، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا ، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا ، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ : مَنْ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ"متفق عليه . أجور عظيمة على أعمال في الظاهر وبادئ الرأي سهلة ليس فيها كبير عناء، وكلفة وشقاء . ولكن الأمر ليس كذلك، وإنما عظم جزاء مع عظم البلاء . فالذي رتب هذه الأجور يعلم حقيقة هذه الأعمال وما وراءها وتبعاتها فهو وحي يوحى عليه الصلاة والسلام ، وما ينطق عن الهوى . فحقيقة كفالة اليتيم والقيام على الأرامل والمساكين، ورعاية البنات حقيقته رباط وصبر، وملاحظة مستمرة تستدعى ممن أختارهم الله لهذه الأعمال حياة خاصة متكيفة مع حال هؤلاء فهو رباط لا يدري متى تنقضي مدته؟ وجهد بدني وأكلف منه الجهد الذهني لا يكاد يفرغ منه . فحق على هؤلاء أن يواسوا بكلمات تعينهم على استمرارهم، وتجدد نشاطهم، وتزيح شيئاً من الملل الذي قد يتسرب إلى نفوسهم (وخلق الإنسان ضعيفا) لذا جاءت النصوص بموفور الأجور للقائمين على هؤلاء، ولم تذكر أجوراً لليتامى ولا للأرامل والمساكين أنفسهم ولاشك أن لهم أجورالصابرين، وتنالهم رحمة أرحمة الراحمين. أيها الإخوة: الأعمال المتعدية لها حظوة في ميزان الشرع، والنفع الذي يصل منك لغيرك أكرم الله منزلته، وأعظم مثوبته . فعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد - يعني مسجد المدينة - شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ـ ولو شاء أن يمضيه أمضاه ـ ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة ـ حتى يثبتها له ـ أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب: قضاء الحوائج، والطبراني وغيرهما، وحسنه الألباني. والنصوص في أمثال هذا كثيرة ولو لم يكن منها إلا أنها إحسان إلى الخلق (وإن رحمة الله قريب من المحسنين) . إذن معاشر الإخوة: حديثنا إلى قوم هم بيننا ولكن مجاهدون فيها يبذلون، وجمع مع جهادهم الرباط حيث حبسوا أنفسهم لغيرهم، فأوقاتهم ليسوا أحراراً فيها ينازعهم من جعل الله حاجتهم ورعايتهم إليهم فهم يعيشون تكليفاً بتشريف! فما أعظم أجرهم وهم يرون منة الله عليهم بهذه المسؤلية . فربما تطلبهم هذه الرعاية والتكليف أسفاراً متوالية، وربما أحوجنهم إلى لزوم بيوتهم، وعدم المغادرة منها فهم رجال الطوارئ لأن من تحت يدهم قد يحتاجهم بما لا يحتمله الانتظار فضلاً عن التأجيل! أرأيتم عظم التكليف، وربك يخلق ما يشاء ويختار! فيامن اختارهم الله لهذه الأمور العظام، فهم رعاة لأيتام، وقائمون على أرامل ومساكين، ومسؤولون عن بنيات في نفقة وتربية وتعليم في زمن تزل فيه أقدام بعد ثبوتها، ويكثر فيه الساقطون (وما تركت بعد فتنة أضر على الرجال من النساء) قاله النبي صلى الله عليه وسلم . وأنتم كذلك يامن هم قائمون على كبار السن من الآباء والأمهات وعموم القرابات أوغيرهم، ويامن هم يرافقون المرضى لايدرون ما الله صانع بهم، ارتبط نومكم بنومهم، وأكلكم بأكلهم إن نشطوا نشطتم، وإن انتكست صحتهم قلقتم وأشفقتم . وقد قيل: إن المريض الحقيقي هو مرافق المريض فهو يعتل بعلته، ويبرأ لبرئه ! ولما مرضت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر النبي صلى الله عليه وسلم زوجها عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أن يبقى عندها ليُمرضها، ويقوم على شؤنها، وتخلف عن غزوة بدر الكبرى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لك أجر رجل ممن شهد بدراً وقسم له سهمه من الغنيمة كأحد الغزاة الحاضرين) رواه البخاري. هكذا المواساة لمن ربط نفسه لغيره، وهكذا فهم الصحابة هذه الموازنة العظيمة بين الأعمال فالعمل المقدم ما قدمه الشرع، وإن فاتك بعض محبوباتك، وآثرت عليه شيئاً من أعمالك، وفي صحيح مسلم قال سعيد بن المسيب" وبلغنا أن أبا هريرة لم يكن يحج حتى ماتت أمه لصحبتها " فلله درهم ؟ هل يعي هذا شباب يضربون الأرض طولا وعرضا ليأنسوا بزملائهم وقد خلفوا أباً شيخاً كبيراً ، أو أما عجوزاً ألا إن التوفيق من الله، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ! الحمد لله ... أما بعد:- فإن وجود كبير سن في البيت لا يخدم نفسه، وهو ينظر في أموره كلها إلى غيره، وربما يكون مع ضعفه في بدنه ضعيفاً في عقله بلغ الطور الذي قال عنه (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم بعد شيئا) ومثل هؤلاء ذو الإعاقة الحركية كلية أو بعضية، وكذا المتخلفون عقليا، ومن قدر الله عليهم أمراضاً مستعصية، وأصحاب مرض التوحد، وانفصام الشخصية، والوساوس، والعلل النفسية كل هؤلاء هم من أسباب نزول الرحمة في البيت وأن الله يدفع السوء عن أهله وهم من أسباب والرزق في البيت والمجتمع كما قال عليه السلام (إنما تُنصرون وتُرزقون بضعفائكم). فاحذر الضحر منهم والتأفف من حالك أو من حالهم فهذا مداخل الشيطان يذهب على إثرها الأجر كله أو شيء منه! وأشعر ذوي البيت من الأهل والأولاد أن وجودهم بركة البيت وخير لأفراده، وشجعهم على التنافس في خدمتهم، وكسب الأجر عن طريقهم، فالتعامل مه هؤلاء يكسب المتعامل رحمة ورقة، ويربيه على خلق التواضع والإيثار، ويذهب عن النفوس أشرها وبطرها والمستعان على هذا وعليه التكلان ! ولا تدري لعل دعوة من العاجز وأنت تخدمه تسعد بها في الدنيا والآخرة، بل لعل عملا منك أو قول يقع موقع الرضا من الله فيذلل الله لك به صعاب الدنيا، ويكشف به عنك كرب الآخرة . بل أنت أيها المباشر خدمة هؤلاء الضعفاء وأنت ترى ضعف من تحت يدك، وترى ضعفك تجاهه وهو يعاني مرضاً أو تعباً وليس بيدك له حول ولاقوة فتلهج بدعوة صادقة اجتمع عليها قلبك، وصدق فيها لسانك فتكون بوابة قرب من الله، وتوفيق من عنده ! فيامعاشر الغافلين، أو المتغافلين هذه ميادين التنافس في بيوتكم وقريبة من دياركم، وما فاتك بعملك احذر أن يفوتك بنيتك الصادقة وأنك لو قدرت لعملت، ولو تيسر لك لبذلت والجزاء من جنس العمل فـ(الراحمون يرخمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) و"إنما هي أعمالكم أُحصيها لكم ثم أُوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله"



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 03:17 مساءً الخميس 19 مايو 1446.