إن الحمد لله ... أما بعد :- فإن لله من خلقه أصفياء، وخص من هؤلاء الصفوة من بلغوا المراتب فصاروا لله أخلاء، فلقد نال خلة الرحمن إبراهيم أبو الأنبياء، وحصلها المصطفى محمد وله بإبراهيم تأس واقتداء، صلى الله عليهما وسلم تسليما بلا انتهاء . (واتخذ الله إبراهيم خليلاً)، وقال عليه الصلاة والسلام (فإن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا) أيها الإخوة: كلمات المنبر هذه الجمعة ستكون قليلا من كثير عمن أوحى الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم في شأنه (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين) . فماذا نأخذ من ملته وهديه وسنته ؟ أنأخذ دعوته للتوحيد ونبذه الشرك، وصلابته في الحق وفي ذلك يقول الله تعالى (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداَ حتى تؤمنوا بالله وحده) ثم أنعرج بعدها على تحطيم الأصنام حينما جعلها جذاذا: حطاماً متكسرة (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ فجعلهم جذاذاَ إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون)؟ وفي نهاية الحدث يتجلى الإيمان ونصر الله للمؤمنين (قالوا حرقوه وانصروا ألهتكم إن كنتم فاعلين، قلنا يا نار كوني برداً وسلاما على إبراهيم وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين) هذه والله الأحداث والمواقف والبطولات التي يطيب الحديث عنها، وتحلو فيها الأسمار، وتفني فيها الأعمار، وصدق الله العظيم (وإبراهيم الذي وفى) في المقامات كلها فهو رجل الصدق قولا وفعلا ! (إنه كان صديقاً نبيا) أتم الله عليه نعمته (ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم) وقال الله عنه (شاكراً لأنعمه) بادره ربه بالرشد وهو صغير (ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل) أنعم الله عليه بالقلب السليم، فهو العبد الأواه المنيب الحليم (وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم) (إن إبراهيم لحليم أواه منيب) رفع الله درجته في الدنيا والاخرة فهو ذو الفهم، قوي الحجة (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم) في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم وصفه بأنه خير البرية، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا خير البرية ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ذاك إبراهيم عليه السلام " . وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكريم، فهو أبو للكرماء الذين كرمت أخلاقكم، وعلت مقاماتهم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهماعن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم رواه البخاري . هو البحر من أي النواحي أتيته ... فلجته المعروف والجود ساحله نعته ربه بالصلاح في الآخرة : "وانه في الاخرة لمن الصالحين" وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه اول الخلائق يُكسى يوم القيامة , فعن ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال : " خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" يا أيها الناس ، إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا ، ثم قال : ( كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين)، ثم قال : ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم ) . أبان النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض حبه لإبراهيم حينما سمّى ابنه باسم أبيه ابراهيم عليه السلام , فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ولد لي الليلة غلام . فسميته باسم أبي إبراهيم " رواه مسلم . لا أظنك بعد هذا تملك قلبك من أن يتعلق بإبراهيم بعد أن جددت عهدك بشيء من أخباره، أو استجد لك ما كان غائباً عنك فالأرواح جنود مجندة فما تعارف منها إئتلف ! كيف إذا عرفت أن أشبه الناس بإبراهيم هو من فضله الله على العالمين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ففي صحيح البخاري لما ذكر إبراهيم في حادثة الإسراء والمعراج قال عليه الصلاة والسلام عن نفسه (وأنا أشبهُ ولدِ إبراهيم - عليه السلام – به). فأكرم بالشبيه والمشبه به ! وصلى الله وسلم على الخليلين محمد وإبراهيم وجمعنا الله بهما في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر . الحمد لله ... أما بعد:- فلن نوفي إبراهيم الخليل عليه السلام حقه ولن تأخذ نفوسنا حظها من أخبار إبراهيم عليه السلام، وقد أحبته . والنفوس تحب الصادقين والأوفياء المجاهدين، فكيف إذا كانوا أنبياء ورسلا من رب العالمين . وإليك موقفاً من مواقفه الخاصة في ابتلاء في أهله سلمه الله منه، وحمى الله فيه عرضه، ونجاه الله منه (وكذلك ننجي المؤمنين) قدم إبراهيم عليه السلام أرض مصر وما علم أن الابتلاء قد سبقه ينتظره، ويبتلى المؤمن على قدر إيمانه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قدم إبراهيم عليه السلام أرض جبار ومعه سارة وكانت من أحسن الناس فقال لها: إن هذا الجبار إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك فإن سألك فأخبريه أنك أختي وإنك أختي في الإسلام فإني لا أعلم اليوم مسلما غيري وغيرك فلما دخل أرضه رآها بعض أهل الجبار فأتاه فقال لقد دخل أرضك امرأة لا ينبغي لها أن تكون إلا لك فأرسل إليها فأتي بها وقام إبراهيم عليه السلام إلى الصلاة فلما أن دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده إليها وتقبضت يده قبضة شديدة فقال لها سلي الله أن يطلق يدي ولا أضرك ففعلت فانطلقت يده فعاد فقبضت يده أشد من القبضة الأولى فقال لها سلي الله أن يطلق يدي ولا أضرك فعاد فقبضت يده أشد من القبضتين الأوليين فقال سلي الله أن يطلق يدي ولك الله علي أن لا أضرك ففعلت فانطلقت يده فدعا الذي جاء بها فقال له إنك إنما أتيتني بشيطان ولم تأتني بإنسان فلما رآها إبراهيم قال لهم مهيم قالت خير كف الله يد الفاجر وأخدمني هاجر. قال أبو هريرة فتلك أمكم يا بني ماء السماء) أخرجه البخاري ومسلم . وفي القصة قرب إبراهيم من الله فحيث لاقدرة على حفظ نفسه وأهله فكان المفزع إلى مناجاة الله بالصلاة يشكو ضعفه ويسأله حماية في عرضه فكان الله أكرم من عبده وصدق عليه احفظ الله يحفظك، فالذي أنجاه من النار وكيد الكفار قادر على حفظه في أهله وحمايته من العار ! وبقدر غيرتك على حرماتك، يكون دفع الله عنك . (ولا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن) . (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) اللهم صل على محمد ....