إن الحمد لله ... أما بعد :- فأمر عظيم، وتوجيه نبوي حكيم، وعبادة جليلة، وباب من أبواب الجنة قلَّ من يأتيه، وكثير ممن يأتيه لا يحسن القيامَ بحقه والصبر على ما فيه! فسرعان ما يتخلى، أو يبقى فيه على ملل أدى به إلى تقصير وخلل. فسبحان من اصطفى ثلةً من خلقه لهذا العبادة فهي من أجل أعمالهم، وأرجاها عند مليكهم. قدموها سبباً يدفعون بها نكبات الدنيا، وادخروها فرجاً لكربِ الدار الأخرى. القائمون بهذه العبادة الموصفون بها معدودون في أقوامهم، وهم غُرر في أزمانهم. وأزيدك هذه العبادة قد تفوتُ من هم من أرباب الصف الأول، ومن قد يمضي ليله ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه! وقد تفوتُ هذه العبادة من يده طولى في العطاء وصدقاتهُ نالت الأقاربَ والبعداء! قد تفوتُ هذه العبادة من حسنت أخلاقهم مع الناس ودامت ابتسامتهم، وحُمدت سيرتهم! قد تفوت هذه العبادة القويَ الأمين في عمله، والمواظبَ على وظيفته الحريصَ على إنجاز مهماته، وإبراء ذمته، ونقاوةٍ مرتبه. بل قد تفوت هذه العبادة من هو إمامُ في مسجده، وواعظ في مجلسه! بل هو معلمُ للأجيال في مدارسهم! أما إنها قد تفوت طالب العلم الذي لا يفتأ عن مراجعة المسائل، والنظر في كتبه، والعكوفِ في مكتبته! إي، والله هذه حقائق شاهدها في الواقع! فيا ترى أيُ عبادة هذه التي أطلنا في تمجيدها، ورفعة شأنها؟ فقد تطلعتَ نفوسنا في الإفصاح عنها. أمَّا أننا أطلنا في تمجيده! فما سبق هو غيظ من فيض! وهذه حالنا مع هذه العبادة، إنها منزلة عبادة الجهاد في ديننا، وواجبِ صبرِ النفس، والمصابرةٍ والمرابطة! هل عرفت المقصود؟ المقصود، من عناه النبي ﷺ بقوله: "ففيهما فجاهد" فما قصة هذه الكلمةٍ النبوية، وما مناسبتها؟ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ﭭ قال: (جاء رجل إلى نبي الله ﷺ فاستأذنه في الجهاد فقال: أحي والداك؟ قال: نعم قال: ففيهما فجاهد) متفق عليه، وفي رواية لمسلم قال: أقبل رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: (أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله. قال ﷺ: فهل من والديك أحد حي؟ قال نعم، بل كلاهما حي! قال فتبتغي الأجر من الله! قال: نعم! قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما), وعند أبي داود بسند صحيح قال جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: (جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبويَ يبكيان! فقال: ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما!).
أيها الإخوة: الجهاد في بر الوالدين انتابه كثير من الضعف عند كثير من الناس الذين أنعم الله عليهم بإدراك نعمة الأبوين أو أحدهما، فصارت عبادةُ بر الوالدين حملاً على أناس لم يستطيعوه، هربوا منه، واستثقلوا لحظاته! وكل أدرى بنفسه! والعاقل من أنصف نفسه من نفسه. وتدارك تقصيره، واعلم أن الله جعل الحياة فرصاً للراغبين، ومن الأعمال ما هي بمنزلة الضيوف الراحلين، لا تستعاد بفواتها، ولا يوقف الأسف تِرحالها! ولكن الذكرى تنفع المؤمنين!.
فما معنى برَ الوالدين؟ البر: كلمة جامعة لكل خير من قول أو فعل.
أما الوالدان فهما من كانا سبباً في وجودك في هذه الدنيا، تباشرا خبر الحمل بك، جنينا في أحشاء أمك، نموك على حساب ضعفها، واكتمالك نقص في قوتها: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ). ومع كل هذا العنت (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا) مع كل هذا تتجدد الآمال لتنسي الآلام، وتكبر مع ذلك الأحلام فعما قريب سوف يصل إليهما مولود جديد ينضاف إلى حياتهما. (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) جاء المولود, ففرحهم بقدومه ممزوج بالخوف عليه، وحذر عوائق سلامته. ولا يزال كذلك يحفظانه من الريح، تسهر أمه لينام، تميط عنه الأذى، وتبادره بالعلاج تخشى الردى. فمن عليه ربه بالعافية وأنبته نباتاً حسنا ولا يزال والداه يرقبانه فهو ريحانة قلوبهم، وسلوة نفوسهم، وزينة حياتهم (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) ابتسامته شفاء والديه، وخطواته المتعثرة عافية روحهم. درج ودرس وبلغ مبلغ الرجال فالأيام تزيده خبره، وتزيد والديه به علقة، فهو امتداد حياتهم، وعوض عن كل ما فاتهم. فعلى الله أجر دموع فاضت من عيون الوالدين فرحا بنجاح أو تفوق ناله الأولاد في حياتهم. فسعادة الأولاد هي قبل ذلك سعادة الوالدين! يفرحون لفرحهم، ويحزنون وتتكدر خواطرهم، وتضيق صدورهم، لإخفاق نالهم، أو لخير فاتهم! فما أشد هم الوالدين تجاه أولادهم! فهو هم ممتد متجدد ولو كبر الأولاد وصار لهم أولاد وأحفاد! (رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).
أيها الولد المبارك: هل تقوى هذه المعاني والمعالم على جذب قلبك تجاه والديك؟ لعلك تقضي بعض الدين الذي عليك؟ (ففيهما فجاهد) أجاهد من؟ جاهد نفسه واحملها على بر والديك! فأين راغبو الأجر؟ هذا ميدانكم! وهذه هي ثغرات لا يسدها إلا أنتم! وحفت الجنة بالمكاره؟ والأجر على قدر النصب! فإن شق عليك الطبع فالزم نفسك بالشرع. فقد جعل الله حق الوالدين قرينَ حقه (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا), (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً), (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ).
بل إن الجهاد وحمل النفس على بر الوالدين مقدم على جهاد الأعداء الكافرين فهل سمعت بما حدث به ابن مسعود ﭬ قال سألت رسول الله ﷺ أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها, قلت: ثم أي قال: بر الوالدين قلت ثم أي قال: الجهاد في سبيل الله) متفق عليه. فهل يفقه هذا الحديث شبابٌ طارت عقولهم وخرجوا لواذا يبغون الجهاد؟ أليس الذي حث على جهاد الأعداء هو الذي أمر بجهاد النفس في بر الوالدين؟ وإذا كان للجنة بابُ الجهاد فإن لها بابَ بر الوالدين، وهو شامل للأم أو هي من باب أولى في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه الألباني. عن أبي الدرداء: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذاك الباب، أو احفظه". وفقني الله وإياكم لحفظ حقوق والدينا والقيام بحقوقهم ...
الثانية: الحمد لله رب العالمين ... فإن من المصائب والرزايا التي لا يكشفها إلا الله فهو مقلب القلوب والقادرُ على كل شيء وهو علام الغيوب؛ من المصائب أن يمتحن الإنسان بعقوقٍ من أحد أبنائه؛ فبعد أن أمَّل الوالدان في ابنهما، وعلقا عليه آمالهما يأتي الابن فيطعنُ في خاصرة والديه نكراناً للجميل وإعراضاً وحرماناُ بعد أن انتظر الأبوان براً وإحساناً. -فإنا لله وإنا إليه راجعون- إلا أن باب الرجاء مع الإلحاح في الدعاء لا ينقطع، ولا يجوز أن ييأس الأبوان من روح الله وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون!
أما الذين ركبوا المركب الصعب من الأولاد تجاه والديهم فإليهم ما رواه الإمام أحمد بسند صحيح عن النبي ﷺ أنه قال: (ما من ذنب أجدر أن تعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم).
أيها البارون في والديهم: لا ينقطع بركم بموت والديكم فقد جعل الله لكم وصلاً بعد الوفاة زيادة في الخير وتعويضاً عما قد فات فعن أبي أسيد الساعدي ﭬ قال: بينا نحن عند رسول الله ﷺ إذ جاء رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبوي أبرهما به بعد موتهما؟ قال: "نعم، الصلاة عليهما ]الدعاء[، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما". رواه أبو داود، وابن ماجه اللهم وفقنا لبر والدينا ....
أيها الإخوة: الجهاد في بر الوالدين انتابه كثير من الضعف عند كثير من الناس الذين أنعم الله عليهم بإدراك نعمة الأبوين أو أحدهما، فصارت عبادةُ بر الوالدين حملاً على أناس لم يستطيعوه، هربوا منه، واستثقلوا لحظاته! وكل أدرى بنفسه! والعاقل من أنصف نفسه من نفسه. وتدارك تقصيره، واعلم أن الله جعل الحياة فرصاً للراغبين، ومن الأعمال ما هي بمنزلة الضيوف الراحلين، لا تستعاد بفواتها، ولا يوقف الأسف تِرحالها! ولكن الذكرى تنفع المؤمنين!.
فما معنى برَ الوالدين؟ البر: كلمة جامعة لكل خير من قول أو فعل.
أما الوالدان فهما من كانا سبباً في وجودك في هذه الدنيا، تباشرا خبر الحمل بك، جنينا في أحشاء أمك، نموك على حساب ضعفها، واكتمالك نقص في قوتها: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ). ومع كل هذا العنت (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا) مع كل هذا تتجدد الآمال لتنسي الآلام، وتكبر مع ذلك الأحلام فعما قريب سوف يصل إليهما مولود جديد ينضاف إلى حياتهما. (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) جاء المولود, ففرحهم بقدومه ممزوج بالخوف عليه، وحذر عوائق سلامته. ولا يزال كذلك يحفظانه من الريح، تسهر أمه لينام، تميط عنه الأذى، وتبادره بالعلاج تخشى الردى. فمن عليه ربه بالعافية وأنبته نباتاً حسنا ولا يزال والداه يرقبانه فهو ريحانة قلوبهم، وسلوة نفوسهم، وزينة حياتهم (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) ابتسامته شفاء والديه، وخطواته المتعثرة عافية روحهم. درج ودرس وبلغ مبلغ الرجال فالأيام تزيده خبره، وتزيد والديه به علقة، فهو امتداد حياتهم، وعوض عن كل ما فاتهم. فعلى الله أجر دموع فاضت من عيون الوالدين فرحا بنجاح أو تفوق ناله الأولاد في حياتهم. فسعادة الأولاد هي قبل ذلك سعادة الوالدين! يفرحون لفرحهم، ويحزنون وتتكدر خواطرهم، وتضيق صدورهم، لإخفاق نالهم، أو لخير فاتهم! فما أشد هم الوالدين تجاه أولادهم! فهو هم ممتد متجدد ولو كبر الأولاد وصار لهم أولاد وأحفاد! (رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).
أيها الولد المبارك: هل تقوى هذه المعاني والمعالم على جذب قلبك تجاه والديك؟ لعلك تقضي بعض الدين الذي عليك؟ (ففيهما فجاهد) أجاهد من؟ جاهد نفسه واحملها على بر والديك! فأين راغبو الأجر؟ هذا ميدانكم! وهذه هي ثغرات لا يسدها إلا أنتم! وحفت الجنة بالمكاره؟ والأجر على قدر النصب! فإن شق عليك الطبع فالزم نفسك بالشرع. فقد جعل الله حق الوالدين قرينَ حقه (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا), (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً), (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ).
بل إن الجهاد وحمل النفس على بر الوالدين مقدم على جهاد الأعداء الكافرين فهل سمعت بما حدث به ابن مسعود ﭬ قال سألت رسول الله ﷺ أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها, قلت: ثم أي قال: بر الوالدين قلت ثم أي قال: الجهاد في سبيل الله) متفق عليه. فهل يفقه هذا الحديث شبابٌ طارت عقولهم وخرجوا لواذا يبغون الجهاد؟ أليس الذي حث على جهاد الأعداء هو الذي أمر بجهاد النفس في بر الوالدين؟ وإذا كان للجنة بابُ الجهاد فإن لها بابَ بر الوالدين، وهو شامل للأم أو هي من باب أولى في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه الألباني. عن أبي الدرداء: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذاك الباب، أو احفظه". وفقني الله وإياكم لحفظ حقوق والدينا والقيام بحقوقهم ...
الثانية: الحمد لله رب العالمين ... فإن من المصائب والرزايا التي لا يكشفها إلا الله فهو مقلب القلوب والقادرُ على كل شيء وهو علام الغيوب؛ من المصائب أن يمتحن الإنسان بعقوقٍ من أحد أبنائه؛ فبعد أن أمَّل الوالدان في ابنهما، وعلقا عليه آمالهما يأتي الابن فيطعنُ في خاصرة والديه نكراناً للجميل وإعراضاً وحرماناُ بعد أن انتظر الأبوان براً وإحساناً. -فإنا لله وإنا إليه راجعون- إلا أن باب الرجاء مع الإلحاح في الدعاء لا ينقطع، ولا يجوز أن ييأس الأبوان من روح الله وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون!
أما الذين ركبوا المركب الصعب من الأولاد تجاه والديهم فإليهم ما رواه الإمام أحمد بسند صحيح عن النبي ﷺ أنه قال: (ما من ذنب أجدر أن تعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم).
أيها البارون في والديهم: لا ينقطع بركم بموت والديكم فقد جعل الله لكم وصلاً بعد الوفاة زيادة في الخير وتعويضاً عما قد فات فعن أبي أسيد الساعدي ﭬ قال: بينا نحن عند رسول الله ﷺ إذ جاء رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبوي أبرهما به بعد موتهما؟ قال: "نعم، الصلاة عليهما ]الدعاء[، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما". رواه أبو داود، وابن ماجه اللهم وفقنا لبر والدينا ....
أيها الإخوة: الجهاد في بر الوالدين انتابه كثير من الضعف عند كثير من الناس الذين أنعم الله عليهم بإدراك نعمة الأبوين أو أحدهما، فصارت عبادةُ بر الوالدين حملاً على أناس لم يستطيعوه، هربوا منه، واستثقلوا لحظاته! وكل أدرى بنفسه! والعاقل من أنصف نفسه من نفسه. وتدارك تقصيره، واعلم أن الله جعل الحياة فرصاً للراغبين، ومن الأعمال ما هي بمنزلة الضيوف الراحلين، لا تستعاد بفواتها، ولا يوقف الأسف تِرحالها! ولكن الذكرى تنفع المؤمنين!.
فما معنى برَ الوالدين؟ البر: كلمة جامعة لكل خير من قول أو فعل.
أما الوالدان فهما من كانا سبباً في وجودك في هذه الدنيا، تباشرا خبر الحمل بك، جنينا في أحشاء أمك، نموك على حساب ضعفها، واكتمالك نقص في قوتها: (حملته أمه وهنا على وهن). ومع كل هذا العنت (حملته أمه كرها ووضعته كرها) مع كل هذا تتجدد الآمال لتنسي الآلام، وتكبر مع ذلك الأحلام فعما قريب سوف يصل إليهما مولود جديد ينضاف إلى حياتهما. (ثم السبيل يسره) جاء المولود, ففرحهم بقدومه ممزوج بالخوف عليه، وحذر عوائق سلامته. ولا يزال كذلك يحفظانه من الريح، تسهر أمه لينام، تميط عنه الأذى، وتبادره بالعلاج تخشى الردى. فمن عليه ربه بالعافية وأنبته نباتاً حسنا ولا يزال والداه يرقبانه فهو ريحانة قلوبهم، وسلوة نفوسهم، وزينة حياتهم (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) ابتسامته شفاء والديه، وخطواته المتعثرة عافية روحهم. درج ودرس وبلغ مبلغ الرجال فالأيام تزيده خبره، وتزيد والديه به علقة، فهو امتداد حياتهم، وعوض عن كل ما فاتهم. فعلى الله أجر دموع فاضت من عيون الوالدين فرحا بنجاح أو تفوق ناله الأولاد في حياتهم. فسعادة الأولاد هي قبل ذلك سعادة الوالدين! يفرحون لفرحهم، ويحزنون وتتكدر خواطرهم، وتضيق صدورهم، لإخفاق نالهم، أو لخير فاتهم! فما أشد هم الوالدين تجاه أولادهم! فهو هم ممتد متجدد ولو كبر الأولاد وصار لهم أولاد وأحفاد! (رب ارحمهما كما ربياني صغيرا).
أيها الولد المبارك: هل تقوى هذه المعاني والمعالم على جذب قلبك تجاه والديك؟ لعلك تقضي بعض الدين الذي عليك؟ (ففيهما فجاهد) أجاهد من؟ جاهد نفسه واحملها على بر والديك! فأين راغبو الأجر؟ هذا ميدانكم! وهذه هي ثغرات لا يسدها إلا أنتم! وحفت الجنة بالمكاره؟ والأجر على قدر النصب! فإن شق عليك الطبع فالزم نفسك بالشرع. فقد جعل الله حق الوالدين قرينَ حقه (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين أحسانا), (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً), (أن اشكر لي ولوالديك).
بل إن الجهاد وحمل النفس على بر الوالدين مقدم على جهاد الأعداء الكافرين فهل سمعت بما حدث به ابن مسعود رضي الله عنه قال سألت رسول الله ﷺ أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها, قلت: ثم أي قال: بر الوالدين قلت ثم أي قال: الجهاد في سبيل الله) متفق عليه. فهل يفقه هذا الحديث شبابٌ طارت عقولهم وخرجوا لواذا يبغون الجهاد؟ أليس الذي حث على جهاد الأعداء هو الذي أمر بجهاد النفس في بر الوالدين؟ وإذا كان للجنة بابُ الجهاد فإن لها بابَ بر الوالدين، وهو شامل للأم أو هي من باب أولى في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه الألباني. عن أبي الدرداء: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذاك الباب، أو احفظه". وفقني الله وإياكم لحفظ حقوق والدينا والقيام بحقوقهم ...
الثانية: الحمد لله رب العالمين ... فإن من المصائب والرزايا التي لا يكشفها إلا الله فهو مقلب القلوب والقادرُ على كل شيء وهو علام الغيوب؛ من المصائب أن يمتحن الإنسان بعقوقٍ من أحد أبنائه؛ فبعد أن أمَّل الوالدان في ابنهما، وعلقا عليه آمالهما يأتي الابن فيطعنُ في خاصرة والديه نكراناً للجميل وإعراضاً وحرماناُ بعد أن انتظر الأبوان براً وإحساناً. -فإنا لله وإنا إليه راجعون- إلا أن باب الرجاء مع الإلحاح في الدعاء لا ينقطع، ولا يجوز أن ييأس الأبوان من روح الله وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون!
أما الذين ركبوا المركب الصعب من الأولاد تجاه والديهم فإليهم ما رواه الإمام أحمد بسند صحيح عن النبي ﷺ أنه قال: (ما من ذنب أجدر أن تعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم).
أيها البارون في والديهم: لا ينقطع بركم بموت والديكم فقد جعل الله لكم وصلاً بعد الوفاة زيادة في الخير وتعويضاً عما قد فات فعن أبي أسيد الساعدي - رضي الله عنه - قال: بينا نحن عند رسول الله ﷺ إذ جاء رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبوي أبرهما به بعد موتهما؟ قال: "نعم، الصلاة عليهما ]الدعاء[، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما". رواه أبو داود، وابن ماجه اللهم وفقنا لبر والدينا ....