الحمدُ لله ربِّ العالمين ،الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .
وأشهد ألا إله إلا الله الرب الحميد ، وأشهد أن محمداً عبدهورسوله ...
أما بعد :-
فعم نخطب ؟
وماذا نجعل موضوعاً لخطبتنا اليوم ؟
لا يسعنا إغفال آية من آيات الله .
أنجعل حديثنا عن الشمس وكيف طلعت هذا اليوم من مشرقها ولمتتأخر عن أمر ربها فهي حقاً آية !!
أم نجعل حديثنا عن القمر وهو في ليال إبداره، وجمال كماله !
حقاً فهذه أيضا آية أخرى !!
أم نجعله عن الليل والنهار وكيف يأخذ أحدهما من الآخر وبداليلنا يقصر ونهارنا يطول!
كل ذلك أيها الإخوة آية من آيات الله
(ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر)
(وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار)
إلا أنَّ حديثنا يكون إن شاء الله عن آية حصلت وفي كل شيءله آية تدل على أنه الواحد !
كيف ؟
أذن الله بنزول المطر ، فأفرغ السحاب مابه ، فترى الودقيخرج من خلاله ، وتباشر الناس بأخباره ، وتساءلوا عن جهاته ومدى انتشاره
أرأيتم كيف اهتزت الأرض وربت ، و تطهرت به الأبدان والأقدامبه ثبتت ؟.
(وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجزالشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام) .
أرأيتم كيف انتعش مرضى الحساسية ومن يؤذيهم الغبار كيف أذهبالله بالمطر أذية ما يجدون ، فهم بآثار رحمة الله يستبشرون ؟
(الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيفيشاء ويجعله كسفاً فترى الودق – وهي قطرات الماء – يخرج من خلاله فإذا أصاب به منيشاء من عباده إذا هم يستبشرون وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسينفانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها)
عباد الله : إنَّ نزول المطر لم يكن يوماً حدثاً طبعياًمنفصلاً عن علم الله وتقديره ، ولا أمراً عشوائياً خارجاً عن حكمة الله وتدبيره بلنزوله بعلم الله (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث) ، وتصريفه بتقدير الله(ولقد صرفناه بينهم ليذكروا)
وإسكانه في الأرض لحاجة العباد بحكمة الله (وأنزلنا منالسماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض)
فهل في نزول المطر عبر أو عظات ؟
إي ، والله ، إنَّ في نزول المطر شيئاً من بيان عظمة الخالقالرازق وقد لفت الله أنظار عباده لينظروا في حقيقة هذا الماء النازل .
(أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعاًتأكل منه أنعامهم وأنفسهم)
والأرض الجرز هي الأرض اليابسة التي لا نبات فيها .
فأنزل الله من السماء ماء بقدر فسالت أودية بقدرها ، وجعلالله نزول المطر من عُلْوٍ ليعم سقيُه وهاد الأرض وتلالها ومنخفضها ومرتفعها . ولوأتاها من تحتها لتعذر على الناس سكناها ولو أتاها من أطرافها عن يمينها وشمالها لميستفد مَن بأعلاها إلا بعد أن يغطي من بأسفلها فسبحان اللطيف الخبير .
و من عبر هذا المطر الذي ينزل أنه لا ينزل إلا بأمر اللهفلقد وكَّل الله بهذا السحاب ملكاً يسوقه حيث شاء الله .
فميكائيل موكل بالقطر والنبات اللذين يخلق الله منهماالأرزاق وبهما حياة الناس والأنعام .
فالرياح تلقح السحاب ثم يصرف الله الرياح فتسوق السحاب إلىالأرض التي يأذن الله بسقيها فقد تتخطى مكانا إلى مكان وتترك قرية إلى قرية أخرى ,بل قد يؤمر أن يسقي زرعاً لفلان دون زرع فلان .
واستمع واعتبر بما حدَّث به أبو هريرة عن النبي صلى اللهعليه وسلم حين قال : " بينا رجلٌ بفلاة من الأرض فسمع صوتاً في سحابة : اسقحديقة فلان ، فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرَّة ، فإذا شرجة من نلك الشراج قداستوعبت ذلك الماء كله .
والشرجة : مسيل الماء .
فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته ، يحول الماء بمسحاته، فقال له : يا عبد الله ، ما اسمك ؟
قال : فلان ، للاسم الذي سمع في السحابة .
فقال له : يا عبد الله ، لم تسألني عن اسمي ؟
قال إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول : اسقحديقة فلان لاسمك ، فما تصنع فيها ؟
قال : أما إذا قلت هذا ، فإني أنظر إلى ما يخرج منها ،فأتصدق بثلثه ، وآكل أنا وعيالي ثلثاً وأرد فيها ثلثه ) رواه مسلم .
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليهوسلم أنه قال : (ما من عام أمطر من عام ولكن يصرفه حيث يشاء ثم قرأ (ولقد صرفناهبينهم) رواه الحاكم وقال على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ، ورواه البيهقي
من أعظم عبر نزول المطر وحياة الأرض به أنه مثال لحياةالناس في قبورهم وخروجهم ليوم نشورهم ، فقد ضرب الله المثل لإعادة الحياة إلىالجثث الهامدة والعظام البالية بإحياء الأرض بعد موتها (والله الذي أرسل الرياحفتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور)
(والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتاً كذلكتخرجون)
(ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماءاهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير)
وفي معنى ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " يصعقالناس ثم ينزل الله مطراً كأنه الطلُّ فتنبت منه أجساد الناس " رواه مسلم(4/2258)
أنه مثال لحياة القلوب بعد قسوتها ، ورجوعها بعد فسقهافالذي يحيي الأرض بعد موتها قادر على إحياء القلوب بعد موتها ، ولينها بعد قسوتهافالماء حياة للأرض والوحي حياة للقلوب (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكرالله وما نزل من الحق ولا يكون كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقستقلوبهم وكثير منهم فاسقون) ثم قال تعالى بعدها (اعلموا أن الله يحيي الأرض بعدموتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون) .
فما أعظم حياة الأرض بعد موتها، وأعظم منه حياة القلوببإقبالها على وحيي ربها ، واطمئنانها إلى خالقها .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيهمن الآيات والذكر الحكيم .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولجميع المسلمين .
الحمد لله
أما بعد :-
فيقول الله تعالى (أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِيتَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُمِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ ) أجاج أي: شديدالملوحة .
وفي صحيح البخاري ومسلم عن زيد الجهني أنه قال: صلى بنارسولُ الله الصبح بالحديبية على أثر سماءكانت بليل، أي: بعد ليلة ممطرة، فلما انصرف النبيّ أقبل على الناس فقال: (هل تدرون ماذا قالربكم؟) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (أصبح من عبادي مؤمن بي و كافر، فأما منقال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: بنوء كذا أوكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) .
فالنعم تقابل يا عباد الله بالشكر ، وأوَّل الشكر الاعترافبالقلب أنَّه ما من خير إلا من الله ، وما بكم من نعمة فمن الله .
ثم يتبع ذلك استعمال النعمة في طاعة الله والاستعانة علىمراضية والاستقامة على مراده والله تعالى يقول (وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَىالطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ، أي : لو استقاموا على طريقة الهدى وملةِ الإسلام قولا وعملا واعتقادالأسقيناهم ماءً كثيرا .
أيها الإخوةالمسلمون، لقد علّمنا رسول الله أدعيةوأذكارا تقال آناء الليل وأطراف النهار، ومنها ما هو مخصوص بحسب الحال والمكان،وما ذلك إلا ليبقى المسلم دائما متصلا ومتعلقا بربه جل وعلا، ذاكرا وداعيا إياهمستغيثا ومناجيا.
روى البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسولالله كان إذا رأى المطر قال: (اللهم صيبانافعا) ، وعندما يتوقف كما تقدم يقول:(مطرنا بفضل الله ورحمته)
وكان يحسر عن ثوبه حتى يصيبه من المطر ، فسئل عن ذلك فقاللأنه حديث عهد بربه رواه مسلم .
وإذا نزل المطر خشيمنه الضرر دعا وقال: (اللهم حولينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب وبطونالأودية ومنابت الشجر) .
وإذا هبت الريحُ نهانا عن سبّها لأنها مأمورة، وكان يدعوبهذا الدعاء: (اللهم إني نسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بكمن شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به).
وجاء في الأثر بسند صحيح عن عبد الله بن الزبير رضي اللهعنهما أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: (سبحان الذي يسبح الرعد بحمدهوالملائكة من خيفته).
فلا ينبغي للمسلم أن تفوته مثل هذه الأدعية و الأذكار.
أيها الإخوة : يخرج بعض الناس يتتبعون جهات المطر، ينظرونإلى آثار رحمة الله .
فالحمد لله أن خروجهم باختيارهم بأنفسهم أو بعوائلهم خروجباختيارهم خروج فرح ونشوة لم تخرجهم راجمات الصواريخ، ولا قذائف مدفعية فخرجواهاربين،
فلنحمد الله على الأمن والأمان .
ثم التنبيه الذي يجب ألا نتساهل فيه ألا يذهبوا لأماكن خطرةأو ينزل وديان وعرة أو مسايل تلتهم من يقرب منها فهم مسؤولون عن أنفسهم وعنأولادهم وفي حوادث سابقة عظة وتذكيرهم فلا يسحرنكم خرير الماء فتتسابقوا إليهوأرضه رخوة ومفاجآته غير متوقعة .
كما يجب على الولي ألا يأذن لابنه أن يذهب مع زملائه للبرأو غيره إلا مع زملائه الموثوقين الذين يعرفهم فرداً فرداً بحدود الزمن المعقول ،وذهاب الابن مع رفقة مجهولة متفاوتين معه سناً تفريط ثمنه كبير ، وبوابة شر لاتخفى على المربي البصير .
فاللهم احفظنا أولادنا بحفظك
اللهم اجعل ما أنزلته صيبا نافعاً ... اللهم تابع علينافضلك ...