• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة 26-12-1436هـ بعنوان عدة النصر التوكل

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  1.8K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

الحمد لله كفى من توكل عليه ، وهدى ،وأغنى من استغنى به واتقى وأشهد ألا إله الله ، أعظم جزاءالمتوكلين ، وتوعد من ركن إلى غيره من العالمين . وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه حقَّق توكلَه للربِّ الرحمن الرحيم . صلى الله عليه وعلى آله ، والتابعين ، وسلم تسليماًكثيراً . أما بعد:- حديث إليكم - أيها الإخوة عن مقامٍ عظيمٍ ، وعمل قلبي كريم ، وهو مركبُ السائرين ، وعمدة السالكين ، أمر الله به فيكتابه المبين (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين). فالتوكل شعارُ أهلِ الإيمان ، وتعظمُ بسببه صلتهم بالرحمن، وبه يتميزون (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون). ولقد ضمن الله لمن توكل عليه القيام بأمره ، وكفاية همه فقال (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) وبالتوكل ينال العبد محبة الله تعالى (إنَّ الله يحب المتوكلين) أما حقيقة التوكل: فأن يعلم العبدُ أنَّ الأمرَ كلَّه لله ، وأنَّ ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وأنه هوالنافع الضار المعطي المانع ، وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله ، فبعد هذا العلم يعتمدُ بقلبه على ربه في جلب مصالح دينه ودنياه ، وفي دفع المضارِ ، ويثق غاية الوثوقِ بربه في حصول مطلوبه ، وهو مع هذا باذلٌ جهده في فعلِ الأسبابِ النافعة (). فالتوكل اعتماد وعمل، فلا مجال للبَطَّالين ، وإن ادعوا التوكل بألسنتهم فهم متواكلون . فعن أنس رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي فقال: أعقل ناقتي وأتوكلُ ، أو أطلقها وأتوكل ؟ فقال النبي: اعقلها وتوكل) إسناده حسن.

إنَّ التوكل على الله مطلب يشغل به الإنسانُ قلبه في كلِّ وقتٍ ، فهو باذل قدرته ، مقدم ما يستطيعه من أسباب مادية ثمبعد ذلك يكل أمره إلى ربِّه (وربك يخلق مايشاء ويختار) فإن تم ما خطط له ، ووافق رغبته فهذا تيسير الله وفضله ، وإن كان غيرُ ذلك علم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأهلم يكن ليصيبه (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون) ومع كون التوكل مطلباً لا يفارق الإنسان إلا أنه يظهر في مجالاتٍ كثيرة ، وميادين واسعة . فالمؤمن يتوكل الله في جانب الطاعة ،فهو مجتهد في طاعة الله متوكل على الله في إعانته على فعلها (إياك نعبد وإياك نستعين). ثم هو متوكل على الله في تسديدها ،وتكميل نقصها ، وسدِّ خللها ، ثم في قبولها ، وادخار أجرها . فهو عابد متوكل (فتوكل على الله إنك على الحق المبين)(وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا) والمؤمن يتوكل الله في ترك ما حرَّم الله عليه ، علم أنَّ لله حدوداً فلم يتعدَّها ، فهو في جهادٍ مع نفسه ، استفرغ طاقته ، وبذل جهده ، أبعد عن مواطن الزلل ، وهجر أسباب المعاصي ، متوكلاً على الله في العصمة من أسباب سخطه ، ومتوكلاً على الله في أن الله يغنيه بطاعته عن معصية (ومن ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه) . ومن مجالات التوكل طلبُ الرزق والبحثُ كما يقال : عن لقمة العيش التي أشغلت عقولا ، وأنْهَكت أبداناً ، لا بدَّ مع بذل سببها من التوكل على الله ؛ لأنَّ الله يقول: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) (وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم) (ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم وإياكم) فرزقك ورزق أولادك ، ومن تحت يدك كله في قبضة الله ، ويد الله ملآ لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار . فحينما تطلب تجارة ، أو تسابق على وظيفة، أو تفتش عن عمل فلا تنس أن تشفع هذا كله بصدق التوكل على الله . وإياك أن تلج باباً محرماً ، فتستبيح رباً ، أو تأخذ رشوةً ، أو تتساهل في مالٍ لا يحلُّ ؛ فلقد لعن النبي (آكل الربا ، وموكله ، وكاتبه ، وشاهديه ) ، (ولعن الراشي والمرتشي) فإنَّما الأرزاق تطلب بطاعة الله وصدق التوكل عليه . قال النبي: (إنَّ جبريل نفث في روعي: أنه لن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها وأجلها ، فاتقوا الله وأجملوا فيالطلب). قيل لأحد السلف : علام بنيت أمرك في التوكل ؟ قال : (على أربع خصال : علمتُ أنَّ رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت به نفسي ، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغولٌ به ، وعلمت أنَّ الموت يأتي بغتة فأنا أبادره ، وعلمت أني لا أخلو من نظر الله فأنا مستحي منه ).إن من صحة التوكل بذلَ الأسباب الصحيحة في مجالها الصحيح فلا إفراط ولا تفريط ، فمن أفرط فقد تجاوز الحدَّ وربَّما وصلت به الحالُ إلى سوء الظنِّ بالله ، والتشاؤمِ من كلِّ شيء ، وبكل شيء ، فهو لا يأنس بمجالسة الناس ، ولا يتبسط إليهم لضعف توكله على الله فهو يخشى أذيتهم ، أو أن يحسدوه على ما آتاه الله من فضله . وهو كذلك لا يهنأ بأكله ولا شربه يخشى أن يلحقه ضرر من طعامٍ أو شرابٍ يتناوله . فعاد ضعفُ توكله قلقاً في حياته ،وحَيْرة في أفعاله فهو خائف من لا شيء ، يحذر من كل شيء . ولأجل ما للتوكل على الله من أهمية فيحياة الإنسان ، صار مما يشرع للإنسان أن يقولَ عند خروجه من منْزله (بسم الله توكلت على الله ، لا حول ، ولا قوة إلا بَالله ) قال النبي ( مَنْ قال يعني إذا خرج من بيته -: بسم الله توكلت على الله ، لا حولَ ولا قوَّة إلا بالله يقال له : هديت وكفيت ، ووقيت ، وتَنَحَّى عنْه الشيطان) . وإن الشيطانَ أبعدُ ما يكون من المتوكلين ، فلا سلطانَ له عليهم ،إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون . رزقنا الله وإياكم التوكل عليه ، والثقة بما عنده أقول قولي هذا ...

الحمد لله ، وكفى ، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى . أما بعد :- فإن من التوكل على الله أن تثق بالله عزوجلَّ ، وتجزم أن الله ناصر دينه ، ومعز أولياءه (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) .(إن ينصركم الله فلا غالب لكم ، وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون) فالتوكل على الله في كون الدائرة للمسلمين بأسباب ظاهرة أو خفية لا يحققه إلا بعيد النظر، يعلم أن لله أسراراً فيكونه قد لا ترى من ظاهرها، ولا يستبينها الناس إلا بعد انكشافها . (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوء) وإن هذا الدين لم يقم على فرش الحرير قدأحيطت بالورود وإنما قام على بذل وتضحية، ولا يزال أعداء الدين يخلقون العوائق دونه، ويصدون الناس عن سبيله . والبلاء قرين الإيمان ويبتلى المؤمن على قدر إيمانه . وإن المؤمنين أمة واحدة فإن نجح المستعمر في تفريقهم جغرافياً، ووضع الحدود المكانية فلن ينجح في تفريقهم وجهة ومنهجاً بإذن الله. (وكذلك جعلنا أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) (إنما المؤمنون إخوة) وقد تابع العالم أجمع أحداث بلاد الشام ووقف على جرائم الظالمين خلال سنوات خمس عجاف (فإنا لله وإنا أليه راجعون) . وهاهو المعسكر الشرقي بلاد الروس جاء من دياره بطراَ ورئاء الناس ينصر أولياءه، ويحمي عروشا متهالكة، يعمل سلاحه المتطور في قوم إنما يقولون ربنا الله، فالرافضة أمامهم، والغلاة المكفرون من خلفهم، والروس الملحدون والنصارى الصليبيون من فوقهم، يمطرونهم بالقنابل والبراميل المتفجرة فهنالك أبتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً . وضاعت مؤتمرات الحوار، وحقوق الإنسان، وديمقراطيات الدول العظمى ضاعت هذه كلها لتقول بلغة السلاح : أتظنون أن نسكت عن بوادر تمكين للإسلام وعز لأهله في أي مكان ! ورسالتنا إنما هي دمروا الإسلام أبيدوا أهله ! وصدق الله (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون) فما أعظم الكرب! ولكن الذي ساق هؤلاء الأعداء وجمعهم هوالذي قال (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً) والصبر هو الصبر على هذا الدين والإقبال حتى يبلغ من إيمان الرجل وتوكله على الله أن يقول ما قال المؤمنون الصادقون لمارأوا الأحزاب (قالوا هذا ما وعد الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما رادهم إلاإيمانا وتسليما) وإن للمؤمنين مع إخلاصهم سهاماً أسرع منسهام الأعداء وأنكى (وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فيأمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين) فالدعاء يا عباد الله يرفع الله به البلاء ويحفظ به المسلمين وإن بعدت ديارهم، وغابت عنا أحوالهم فاللهم في هذه الساعة المباركة ....

وبعد أيها الإخوة بين أيديكم شهر الله المحرم قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم رواه مسلم، وفيه يوم عاشوراء يكفر السنة الماضية . ولم يثبت شيء من الأعمال به بخصوصه لامن صلاة ولا عمرة ولا فضيلة في نفقة على العيال وتوسعة عليهم ولا غيرهم . كما أن بداية المحرم هي بداية للسنة الهجرية التي اختارها الفاروق عمر رضي الله عنه بمحضر من الصحابة وليس لهذه البداية أيضا خصوصية بعمل بحيث يقال كما في بعض رسائل التواصل ابدأ عامك بكذا أواختم عامك بكذا من صيام أو صدقة أو أرسل تسامحا أو طلبا للمسامحة قبل أن ينتهي العام و تطوى الصحائف فهذا خطأ غير صحيح، ولم يرد أن هناك صحائف تطوى في نهاية السنة، والتسامح والعفو وسلامة القلب مطلوب في كل وقت ... بارك الله لنا في أيامنا واستعملنا في طاعته وأعاننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وصلى الله وسلم ...



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 01:52 مساءً السبت 21 مايو 1446.