• ×

admin

خطبة الجمعة 15-10-1436هـ بعنوان النخلة

admin

 0  0  1.8K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

إن الحمدلله أما بعد :- فإليكم حديثاً من أحاديث الود والمؤانسة ، في مجلس عدد من فيه عشرة رجال، عرفنا ثلاثة منهم،ولم تبين الروايات البقية الباقية ، أما الثلاثة فهم صديق هذه الأمة أبو بكر و عمربن الخطاب وابنه عبد الله بن عمر رضي الله عنهم . أمَّاسيد المجلس وتاجه، وقرة عين الجالسين فهو من أرسله الله رحمة للمؤمنين إنه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم . فاستمع:عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: بينا نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوسإذ أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجمار نخل . أتعرف الجمار ؟ إنه قلب النخلة . فجعل عليه الصلاة والسلام يأكل من هذا الجمار . ثم دار حديث المجلس بهذا السؤال من النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( مثل المؤمن كمثل شجرةخضراء لا يسقط ورقها ولا يتحات صيفاً ولا شتاء) وفي رواية قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنَّ من الشجر شجرة كالرجل المؤمن ) . وفي رواية أخرى (إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم) وفي رواية رابعة (أخبروني عن شجرة مَثلُُها مثل المسلم تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ولاتحت ورقها ) هكذا جاء السؤال من النبي صلى الله عليه وسلم يختبر الحاضرين، لغز منه لأصحابه . فللهدر الحاضرين !! ما أشد فطنتهم ، وقرب بديهتهم . كيف؟ وهم يرون دليل المراد في يد النبيصلى الله عليه وسلم ومع ذلك ضاع الجواب منهم، وعمي المراد عليهم !! فقالالقوم هي شجرة كذا هي شجرة كذا . فجعلوايذكرون شجر البوادي شجرة شجرة !! قالابن عمر وهو أصغر الحاضرين : فوقع في نفسي أنها النخلة فكرهت أن أتكلم ، وثمَّ أبوبكر وعمر فلما لم يتكلما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( هي النخلة ) . قالابن عمر: فلما خرجت مع أبي قلت: يا أبتاه وقع في نفسي أنها النخلة . قالما منعك أن تقولها ؟ لو كنت قلتها كان أحب إلي من كذا وكذا . قال: ما منعني إلا أني لم أرك ولا أبا بكر تكلمتما فكرهت أن أتكلم وأنا غلام شاب فاستحييت!. هذهصورة من صور مجالس النبي صلى الله عليه وسلم مباسطة وشحذ همة . فذكرالناس بما يكرهون لا مجال له، وهي الغيبة التي هي من كبائر الذنوب . وملاحقةالقنوات، والتصفح في المواقع في غثه وسمينه كل هذا سلموا منه. والقيلوالقال بما يقسي القلب ويقضي على الوقت ليس من طبع تلك المجالس، فأحاديثهم بقدر اهتماماتهم،واهتماماتهم بقدر هممهم. ولذالا نمر هذا التشبيه من غير وقفات نعتبرها . أيهاالإخوة : شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن بالنخلة فما وجه الشبة ؟ إن منأوضح أوجه الشبه بين المؤمن والنخلة الثبات الذي جعله في الاثنين فشجرة النخل ثابتةفي أصلها لا تزيدها السنوات إلا ثباتاً في أرضها ليست كشجرة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار . وفيهذا يقول تعالى (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعهافي السماء ) وكذامن أراد الله ثباته من عباده المؤمنين فهو ثابت رغم البلاء الذي يعصف، والفتن التيتقصف وهي تحاول زعزعته فالعالم من حوله يلهث خلف شهوات الدنيا ، وتعج بهم شبهاتها وهملا يزالون مستمسكين بدينهم صبروا أنفسهم، وصابروا لربهم ، ورابطوا علموا أنَّ وعد اللهحق فلم تغرهم الحياة الدنيا، ولم يغرهم بالله الغرور . فإنرأوا كثرة الكافرين تذكروا أنَّ هؤلاء حصب جهنم وفيهم قول الله تعالى (إنكم وما تعبدونمن دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون) . وإنرأوا كيدهم ومكرهم وتسلطهم على المسلمين لم يزدهم ذلك إلا يقينا بفرج الله للمستضعفين(وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً) . أمانظرتهم للعاصين فهم يرون أولا منة الله عليهم أن لم يكونوا مثلهم, وهم يرون أن عصيانالعاصي إنما يضر به نفسه (يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضروا فتضروني) هذهالنظرة الصائبة أعطهم ثباتاً على دبنهم وثقة بمنهجهم (يثبت الله الذين آمنوا بالقولالثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) . ثم منوجه الشبه بقاؤها على هيئتها كما قال في الحديث (لا يحت ورقها صيفاً ولا شتاء) فهيبكامل لباسها وزينتها. وكذلكالمؤمن ليس له وجهان وجه في الرخاء يطغى فيه ويغفل، ووجه في الشدة والضراء يقبل فيهويتذكر . بل المؤمنالصادق يعبد ربه في الرخاء والشدة في المنشط والمكره في عسره ويسره إذا وافقت العبادةرغبته أو خالفت . فهومتزين بلباس التقوى يعبد ربه حتى يأتيه اليقين . فأوقاتهمعمورة بما يناسبها، لكل لحظة من عمره وظيفتها. إن سافرفسفره لا ينسيه مراقبته لله . أيامإجازته وغيرها على حد سواء لا يضيع فيها وقاره، ولا يفرط فيها بواجباته، ولا يتخلىعن رعاية أولاده وملاحظة بيته . ومنأوجه الشبه وأعجبه أنَّ قلب النخلة أبيض حلو وكذلك قلب المؤمن أبيض لم يدنسه بالمعاصيوالتعلقات الآثمة وإن حصل شيء منها بادره بالتوبة التي تغسل ما علق به فيعود أبيض ناصعاً. وهوحلو تجاه إخوانه المسلمين قد سلم من الغل والحقد على مسلم (والذين جاؤوا من بعدهم يقولونربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا) فياعبد الله : كيف قلبك على إخوانك المسلمين ؟ كيفهو على جيرانك وأقاربك وخاصة أصحابك ؟ البدارالبدار قبل أن يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور، (يوم تبلى السرائر فماله منقوة ولا ناصر) . أماعظيم نفع النخلة فهي شجرة مباركة لا يذهب منها شيء بلا نفع فثمرها التمر قوت كامل وطعامتام، وكان الأسودان -التمر والماء - طعام النبي صلى الله عليه وسلم يمضي على ذلك الشهروالشهران والثلاثة لا يوقد في بيته نار) قالته عائشة رضي الله عنها . وفيصحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ياعائشة بيت لا تمر فيه جياع أهله أو جاع أهله، قالها مرتين أو ثلاثاً) . بل ثمرالنخل التمر يدخل في بعض تراكيب العلاجات والأدوية الشعبية والكيماوية . وقدأخبر عليه الصلاة والسلام عن أمر وقائي والوقاية خير من العلاج فعن سعد بنن أبي وقاصعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( من تصبح كل يوم بسبع تمرات عجوة لم يضرهفي ذلك اليوم سم ولا سحر) ومعنى(تصبح) أكل صباحا قبل أن يأكل شيئا، (لم يضره) لم يؤثر عليه . وقدجاء الحديث مقيدا بالعجوة وجاء مطلقاً فيعم كل تمر [1]. ثم جذوعهاوليفها وسعفها وخوصها وكل جزء من أجزائها له فائدة قد لا تجدها في غيره ومع تقدم الصناعاتوتتنوع المواد إلا أن ما صنع من مادة النخل له ميزته الخاصة به . وهذهالمنافع المتعددة هي كذلك في المؤمن فالمؤمن كثير المنافع فهو مبارك على نفسه وغيرهفالمؤمن مبارك في بدنه فهو المعين لإخوانه الساعي على مصالحهم (وتعين الرجل في دابتهفتجمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة) وهومبارك في جاهه ووساطته . وهومبارك في ماله يتصدق على هذا، ويقرض هذا ويعطي هذا، ويعفو عن ماله الذي عجز عن ردههذا . وخيرهالمالي ليس فقط في حياته بل يستمر إلى ما بعد وفاته فهو يوصي ويوقف من ماله ما يرجىأجره وذخره. وأعظمبركة في المؤمن أنه يعلم الجاهل وينصح العاصي ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فكممن خير تسبب فيه وكم من شر سعى في دفعه ومنعه . فهوالمصلح لذات البين الذي إصلاح الناس هم في نفسه وهاجس في خاطره فما أعظم أثره على الناس. وهولا يقف في ذلك على مرحلة من عمره بل كلما طال عمره وتقدمت به سنه ازداد خيره وحسن عمله. فعنعبد الله بن بُسر: أنَّ أعرابياً قال: يا رسول الله من خير الناس؟ قال: «من طال عمرُهوحَسُن عملُه" رواه الترمذي، وصححه الألباني . الثانية: ... إن للنخلةموقعاً خاصة في نفس المؤمن بعد أن جعلها النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً للمؤمن . كيفوقد ذكرها الله في القرآن في مواطن كثيرة ممتناً بها على عبادة (والأرض وضعها للأنامفيها فاكهة والنخل ذات الأكمام) . (والنخلَباسقاتٍ لها طلع نضيد رزقاً للعباد) وممايؤكد أن بيننا وبين النخلة علاقة حنو وعطف ما حدَّث به جابر رضي الله عنه أنه لما صنعالمنبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصار يخطب عليه صاحت النخلة التي كان يخطب عندهاالنبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك صاحت على فراق ما كانت تسمع من الخير حتى كادت تنشقحتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم من على منبره فأخذها فضمها إليه فجعلت تئن أنين الصبيالذي يسكت حتى استقرت " متفق عليه . عبادالله : لقد أنعم الله علينا فصارت بلادنا بلاد نخل والناس في هذه الأيام يبتهجون بنضجالتمر وطيب الرطب فهم يأكلون ويتهادون ويبيعون فاشكروا الله على هذه النعم. ومنشكر الله على نعمته أن يراعي الإنسان حد الشارع في بيع ثمار نخله وقد نهى النبي صلىالله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا . نَهَى الْبَائِعَوَالْمُشْتَرِيَ . وفيرواية: حَتَّى تَحْمَرَّ؛ لأنها قبل بدو صلاحها تكون عرضةً للتغير والفساد . والصلاحفي العنب أن تظهر فيه الحلاوة ويطيب أكله فمن باع شيئًا من ثمار النخيل والأعناب علىشجره قبل بدو صلاحه فقد عصى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم والبيع باطل والثمرة للبائعلا يحل للمشتري أن يتصرف فيها بشيء والثمن للمشتري لا يحل للبائع أن يتصرف فيه بشيء. ويكفيفي صلاح التمر أن يبدو الصلاح ولو في تمرة واحدة من كل نوع، سواء باع البستان جميعاً،أو فرده نخلات . ومنشكرها امتثال أمر الله فيها يقوله (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيباتِ ما كسبتمومما أخرجنا لكم الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيهواعلموا أنَّ الله غني حميد) . فمنبلغت ثمرة نخلة نصاباً وهو ستمائة كيلو واثنا عشر كيلو وجَبَ عليها أن يخرج نصفَ عشرهامادامَ أن السَّقْيَ بمؤونَةٍ . سواءكانت هذه الثمرة في نخيل مزرعته أو استراحته أو بيته . وإنباع ثمرةَ نَخْلِه أخْرَجَ نِصْفَ عُشْرِ قيمتها . بحيثتقسم القيمة التي حصلتها على عشرين وليس على أربعين كما يغلط بعض المزارعين . فلوباع ثمرة مزرعته بمائة ألف فإنه يقسم المائة على عشرين والناتج خمسة آلاف هو الزكاة. والذيأكله أو أهداه عليه أن يقومه ليحسبه في الزكاة أيضا . ومنشكر الله على نعمه أن يحسن التصرف في التمر الذي بقي عنده من العام الماضي فيدفعه إناستغنى عنه إلى من يستفيد منه في داخل البلاد أو خارجها عن طريق المستودع الخيري أوغيره . وكذاما يتساقط أثناء الخراف والجذاذ احتسب واجمعه لمن يستفيد منه ولو علفاً للبهائم،ولا تجعله مداساً للماشين بأقدامهم أو سياراتهم. . فاتقواالنار ولو بشقِّ تمرة . فاللهملك الحمد على نعمك الظاهرة والباطنة ... اللهماجعلنا لك شاكرين، ولنعمك من القابلين وأتمها علينا برحمتك يا أرحم الراحمين . [1]قال الشيخ ابن باز : الصواب أن ذلك ليس خاصاً بالعجوة بل يعم كل جميع تمر المدينة لقولهصلى الله عليه وسلم في رواية مسلم " مما بين لا بتيها " ينظر : كتاب فتحالحق المبين ص 173 .



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 07:52 مساءً الخميس 19 مايو 1446.