• ×

د.عبدالرحمن الدهش

الثقة بالله

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  2.8K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

فإن الثقةَ بالله عز وجل من أجل العبادات، ومن أعظمِ ما يدخره الإنسان في وقت السراء والأزمات. (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)، (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ). فدعونا معاشر الإخوة نفتح أبواب الفأل على مصراعيه في زحمة الحياة وصخب مشاغلنا، وتوتر نفسيات كثير من أهلها, في وقت بدأ التشاؤم على بعض الوجوه قبل أن تتكلم به الألسُن.

عباد الله: إننا نقرأ جميعاً كتاب ربنا, ونقرأ من بَشَاراته قوله تعالى: (مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ), حقاً إنها آية من كلام ربنا, وسنة أمضاها خالقنا. (مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ)؛ فالرحمة لا تأتي إلا بعد فتح ممن هي بيده (وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ). فما هي الرحمة التي يفتحها الله؟!. وقبل ذلك لا يغب عن بالك أنَّ الذي يفتح الرحمة هو عزَّ وجلَّ قد اتصف بها، وافتتح بذكرها كلامه في كتابه (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ), فبرحمته عزَّ وجل أحسن كل شيء خَلْقَه (ذَٰلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ~ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ), وبرحمته أكرم عباده وعرَّفهم نفسه (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ), فسكنت نفوسهم واطمأنت قلوبهم. وبرحمته أرسل إليهم رسله (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ), وبرحمته أرشد العباد لمصالح معاشهم ومعادهم. وبرحمته أحوج الخلق بعضهم إلى بعض, وجعل فيهم الغني والفقير والعزيز والذليل والعاجز والقادر؛ ثم عمَّ الجميع برحمته (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا), ثم دعا الجميع لعبادته ورغبهم جنته وجعل السبب الموصل إليه رحمته قال النبي (سدِّدوا وقارِبوا وأبشِروا. فإنَّهُ لن يُدْخِلَ الجنَّةَ أحدًا عَملُهُ. قالوا ولا أنتَ يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: ولا أَنا إلَّا أن يتغمَّدَنيَ اللَّهُ منهُ برحمةٍ).

عباد الله: إنَّ آثارَ رحمة الله بعباده مشهودة، ومعالمها كثيرةُ غير معدودة. فاستمع!! دعونا ننظر إلى شيء من المواطن التي يفتح الله الرحمة وكيف أثرها إذا قارنت أمراً من الأمور؟ وإنَّ رحمة الله تقارن ما ينعم به على عباده فتتم بالرحمة النعمة؛ فيعطي المال, فإذا اقترنت الرحمة بالمال يصير ماله حلالاً ينتفع به ويسلم من مسؤوليته, ويباركُ له فيه؛ فهو ينفق منه سراً وجهراً. وإنَّ رحمة الله تقارن من لك بهم صلة فيكونونَ سبيلاً إلى كل خير, فالرحمة تقارن الوالدين فيكونون عوناً لأولادهم على أنفسهم, فبرحمتهم أولادهم يأمرونهم بالصلاة ومكارم الأخلاق: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ), فينشأ الأولاد رحماءُ من بيت الرحمة. حدَّث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال كان رسول الله يأخذني فيقعدني على فخذه ويقعد الحسن بن علي على فخذه الآخر ثم يضمنا ثم يقول: (اللَّهمَّ ارحَمْهُما فإنِّي أَرحَمُهما).

الله أكبر ما أعظم سنة النبي وما أكرم أخلاقه. فأين الجلادون في بيوتهم لأولادهم الذكور والإناث لأتفه الأسباب؟ أين هم من الرحمة؟. فقدت لما ظن التربية عصا ورفع صوت، وتسلط، وطرد من البيت.

وإنَّ رحمة الله تقارن الزوجة والولد (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً), (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا), (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا), وحينئذ تَقْرُ العين، وتطمئن البيوت (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا). وإن رحمة الله تقارن عافية البدن وصحة الجسم فتكون قواه عوناً على طاعة مولاه، فيجد بغيته من عباده ربه فهو الصائم القائم الماشي لما يحبه ربه ويرضاه. وإن رحمة الله تقارن ذا الوجاهة في وَجاهته وذا السلطان في أمره ونهيه فهو المسؤول الرحيم الذي يكون رحمة على من تحت يده، مفتاح خير على أمته فهو أداة إصلاح يحتسب عَمله قبل أن يحسب مرتبه، يرجو ما عند الله قبل أن يرجو ما عند الناس. جمع القلوب بالرحمة قبل أن يجمعنا بسوط الكلمة (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ). ثم لنتوسع في الرحمة وكيف الشأن إذا قارنت تعامل الناس وصارت ديدناً في طبعهم ومَعْلماً في أخلاقهم حينئذ تضرب الطمأنينة أوتادها وتحلو الحياة لأصحابها (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ~ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ), رحمةً بهما وجبراً لكسرهما. وفي مسند الإمام أحمد وغيره يقول (ليس منا مَنْ لم يَرْحَمْ صغيرَنا، ويعرِفْ شرفَ كبيرِنا). ولا تقف الرحمة في حال الحياة فهي ممتدة إلى آخر لحظات الموت وساعات الفراق فعن أنس بن مالك قال: دخلنا مع رسول الله على إبراهيم ابن النبي عليه الصلاة والسلام فأخذ رسول الله ابنه إبراهيم فقبله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجودُ بنفسه، أي ينازع الموت، فجعلت عينا رسول الله تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف وأنت يا رسول الله؟ فقال: (يا ابنَ عوفٍ، إنَّها رحمةٌ), ثم أتبعها بأخرى فقال (إنَّ العينَ تدمَعُ والقلبَ يحزَنُ، ولا نقولُ إلَّا ما يُرْضِي ربَّنا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبراهيمُ لمحزنونَ) رواه البخاري. وصدق الله العظيم حين وصف نبيه عليه الصلاة والسلام بقوله: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ). أقول قولي هذا ...

الحمد لله لعلك أدركت شيئاً من عظمة التوفيق وكثرة الخير والتسديد حينما يفتحُ الله على عبد من عباده باب الرحمة (مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا). ثم اعلم أنَّ رحمة الله تعالى تكون فيما يعطيه خلقه وتكون أيضاً فيما يمنعه منهم. فالرحمة تكون في المنع (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ). فربما كانت الرحمة بقوم ألا يعطوا مالاً وألا تكون لهم ذرية من بعدهم لأنَّ المال والولد قد يكون خساراً على الإنسان (قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا), (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا), وكم من إنسان صالح في نفسه, ومطمئن في حياته على قلة في ماله وعدم من أولاده (وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ).

أيها الإخوة: إن رحمة الله إذا فتحها لأحد من خلقه وصلت إليه ولو كان في أضيق مكان وأبعد جهة (فلا ممسك لها) فتح الله رحمته على نبيه محمدٍ فنجاه من القوم الكافرين (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ), وفتح الله رحمته على إبراهيم حينما ألقوه في النار فقال الله تعالى: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ), وفتح الله رحمته على يعقوبَ وابنه يوسف عليهما السلام فاجتمعا بعد فراق طويل, وفتح الله رحمته على قلب أم موسى حينما ألقت رضيعها في اليم (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا), وفتوحات الرحمة لا حدَّ لها ولن تضيق رحمة الله بهذه الأمة المحمدية التي موعودة بالنصر والتمكين وجاء عن النبي أنه قال: (إنَّ هذهِ الأمةَ مرحومةٌ) قال الشيخ الألباني: صحيح.

ولكن لا بدَّ من أخذ الأسباب لتحصيل رحمة أرحم الراحمين، ولطفه بعباده المؤمنين قريب (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ), فلنحقق ما أمرنا به من التقوى في أنفسنا، وفي أهلينا وفي مجتمعاتنا نتآمر بالمعروف ونتناهى عن المنكر، نحفظ حق الضعيف منا وقد قال النبي (هل تُرْزَقون وتُنْصَرون إلا بضُعَفائِكم) والضعفاء هم الذين لا يستطيعوا لأنفسهم جلباً ولا دفعاً من الصغار والنساء والعمال ومن لهم مظلمة مالية أو غيرها. وإن ما تشهده أرض اليمن من تلك الحرب التي جرت لها الأمة (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ) أملنا بالله أن تكون من الرحمة التي ساقها الله لهذه الأمة لتعرف مكانها الحقيق، وتستنقذ المغلوب على أمرهم، وتعرف عدوها الحقيقي، وتتبين الوجه الوقح للرافضة، ويتضح عداؤهم للأجيال، ويحصل للمسلمين قوله تعالى (فشرد بهم من خلفهم). تمم الله رحمته على الشعب اليمني، وحفظ لهم أهلهم وبلادهم، وجعل اليمن يمناً سعيدا بالأمن والإيمان، وظهور السنة وتعظيم القرآن. فاللهم حققنا لنا أسباب رحمتك، وافتح علينا من خزائن فضلك. اللهم إن رحمتك أوسع لنا وعافيتك أحب إلينا فاللهم فلا تمنعنا رحمتك بذنوبنا، ولا تسلط علينا بعيوبنا ولا تشمت بنا عدوك وعدونا. اللهم عليك بمن يؤذون عبادك ويصدون عن سبيلك اللهم عليك بالمنافقين من الرافضة والعلمانيين، وعليك بالنصارى الصليبيين، واليهود الحاقدين اللهم لا تجعل لهم دولة في بلاد المسلمين وردهم على أعقباهم خائبين .



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 07:49 مساءً الخميس 19 مايو 1446.