• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة 3-4-1436هـ بعنوان عظة الموت

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  4.5K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

الحمد لله رب العالمين تفرد سبحانه بالبقاء . وكتب على عباده الموت والفناء . وأشهد ألا إله إلا الله إليه يرجع الأمر كله ، يعلم ما في الأرض ويعلم ما في السماء . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ختمت به الرسل والأنبياء صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم اللقاء . أما بعد :- فما ظنكم بمفرق الجماعات، وقاطع اللذات مقصر الآمال ، وبه تنتهي الأعمال !! ما ظنكم بحق لا ريب فيه، ويقين لا شك معه (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) ق:19. فمن يجادل في الموت وسكرته؟! ومن يخاصم في القبر وضمته؟! ومن يقدر على تأخير موته وتأجيل ساعته؟! (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) الأعراف 34 فالموت هو انقطاع تعلق الروح بالبدن، ومفارقتها له، والانتقال من دار إلى دار، وبه تطوى صحف الأعمال، وتنقطع التوبة والإمهال، قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر) الترمذي وابن ماجة وصححه الحاكم وابن حبان. فالموت ليس فناء محضا وعدماً تاماً . ولكنه نقلة إلى حياة جديدة ، وبوابة يلجها كل أحد إلى بداية شقية أو سعيدة ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غابة كل حي ولكنا إذا متنا بعـــثنا ونسأل بعده عن كل شيء يقول الله تعالى: ( زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) التغابن:7 وقال سبحانه: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) إن شأن الموت شأن عظيم ، مرَّت جنازة يهودي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقام لها ، فقال الصحابة يا رسول الله إنها جنازة يهودي فقال صلى الله عليه وسلم : إنَّ للموت فزعاً . سمى الله تعالى الموت مصيبة في قوله سبحانه: (فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ) المائدة: 106. ومع عظم الموت وخطر شأنه فالمؤمن ينظر إليه بنور الله على وفق شرع الله . فالموت عند المؤمن لا يعني الإحباط عن العمل ،والضيق في الصدر ، وتعطيل المصالح ، والتحسر على الحياة . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة، فقام رجل من الأنصار فقال: يا نبي الله ! من أكيس الناس وأحزم الناس؟ قال:أكثرهم ذكراً للموت، وأكثرهم استعداداً للموت، أولئك الأكياس، ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة " الطبراني وحسنه المنذري . وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على ذكر الموت والإكثار منه، فقال عليه الصلاة والسلام : (أكثروا ذكر هادم اللذات) الترمذي وحسنه. وفي الإكثار من ذكر الموت فوائد منها : 1- أنه يحث على الاستعداد للموت قبل نزوله ، والتأهب له قبل حلوله حتى لا يكون من الذين قال الله فيهم ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) . 2- أن ذكر الموت يقصر الأمل في طول البقاء، وطول الأمل من أعظم أسباب الغفلة. 3- أنه يزهد في الدنيا ويرضي بالقليل منها، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بمجلس وهم يضحكون فقال: (أكثروا ذكر هادم اللذات) أحسبه قال: (فإنه ما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه، ولا في سعة إلا ضيقه عليه) البزار وحسنه المنذري. 4- أنه يرغّب في الآخرة ويدعو إلى الطاعة . 5- أنه يهوّن على العبد مصائب الدنيا ، فلا جزع من مرض ، ولا أسف على فقد مال أو حظ من حظوظ الدنيا . 6- أنه يمنع من الأشر والبطر والتوسع في لذات الدنيا ، والتكثر من زهرتها الفانية فقلبه يحلق في أجواء السماء وروحه تحنو إلى عليين ، نظر إلى الدنيا فمقتها ، فكيف سيفرح بها أو يركن إليها . 7- أنه يحث على التوبة واستدراك ما فات ، فيرقق القلب وتدمع العين . 9- أنه يدعو إلى التواضع وترك الكبر والتخلص من المظالم ، فقلب ذاكر الموت سليم على إخوانه ، يقبل من محسنهم ، ويعرض عن مسيئهم . قال بعض السلف : من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضا بالكفاف، والتكاسل في العبادة) فتفكر يا عبدالله : في الموت وسكرته، وصعوبة كأسه ومرارته ، فيا للموت من وعد ما أصدقه، ومن حاكم ما أعدله ! فهل يليق بمن آمن بالله واليوم الآخر ، ومن عرف مصير الأوائل والأواخر ، ورأى الموت يأخذ الأصاغر والأكابر ، هل يليق به أن يطمئن إلى هذه الحياة الدنيا . كيف وقد امتلأت المقابر بالمأمور والآمر ، فيا من بماله وولده يفاخر ، وبعلمه وجاهه يباهي ويناظر . ويا مترفعاً عن التراب الثائر والغبار الطائر أن يمس جسمك أو يدنس ثوبك الطاهر . كيف إذا بك إذا دس بدنك في جوف الأرض ، وتسابق أبناؤك ومحبوك بحثيي التراب عليك . ثم يفارقونك بلا أنيس ولا صاحب جليس ، لم يبق معك إلا عملك فأنت الرابح وأنت الخاسر فيا كثير السيئات غداً ترى عملك، ويا هاتك الحرمات إلى متى تديم زللك؟ أما تعلم أن الموت يسعى في تبديد شملك؟ أما تخاف أن تؤخذ على قبيح فعلك؟ واعجبا لك من راحل تركت الزاد في غير رحلك!! أين فطنتك ويقظتك وتدبير عقلك؟ أما بارزت بالقبيح فأين الحزن؟ أما علمت أن الحق يعلم السر والعلن؟ ستعرف خبرك يوم ترحل عن الوطن، وستنتبه من رقادك ويزول هذا الوسن. فالله أحسن لنا في هذه الدنيا الختام ، وتوفنا جميعاً على ملة الإسلام . ----- الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ... أما بعد :- فسنة الله في الموت ماضية على كل أحد فإنَّ لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى . وفي منتصف ليلة البارحة ليلة الجمعة المباركة فقدت الأمة الإسلامية زعيماً من زعمائها وواحداً من ملوكها . فقدوا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ذلك الملك الذي جمع الله في زمنه القلوب، ودرأ الله به كثيراً من عظائم الأمور والخطوب عُلم ما علم وجهل ما جهل، وكل شيء عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى . فإنا لله وإليه راجعون . ومن رحمة الله بهذه البلاد أنها أمة متماسكة رغم تهويش المهوشين وإرجاف المغرضين. فهاهي تبايع من بعده رجلاً عرفته بالغيرة على أمته، والقرب من شعبه، والحرص على رعيته. ولسان حال الجميع يقول: إذا مات منا سيد قام سيد. قؤول لما قال الكرام فعول ! قد عافانا الله من صناديق الاقراع، وطوابير الترشيحات والتصويت لتخرج لنا نتائج بنسب مثالية، ثم طعون على النتائج، ثم دساتير يبدأ فيها ويعاد !! عافانا من كل ذلك لتكون بيعة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يقوم بها أهلُ الحل والعقد من كبار القوم ووجهاء الدولة من العلماء والأمراء والمسؤولين ، وأما عامة الناس فهم تبع لهؤلاء تلزمهم البيعة (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليهُ الله فسيؤتيه أجراً عظيما) . ثم اعلموا أنَّ النصيحة قد جعلها النبي صلى الله عليه وسلم هي الدين فقال: الدين النصيحة ومن ضمنها النصيحة لأئمة المسلمين قال ابن رجب : وأما النصيحة لأئمة المسلمين فحبُّ صلاحهم ورشدهم وعدلهم وحب اجتماع الأمة عليهم وكراهة افتراق الأمة عليهم والتدين بطاعتهم في طاعة الله عزَّ وجلَّ والبغض لمن رأى الخروج عليهم وحبُّ إعزازهم في طاعة الله عزَّ وجلَّ) اهـ عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله : ( ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن: إخلاص العمل، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم ) رواه أحمد وابن ماجه. أيها الإخوة: في مثل هذه الأحداث والتغيرات السياسية ينشط الخفافيش، وتوجد أرض خصبة للمغردين والمحللين والمتكهنين بأحداث داخلية أو خارجية فليحذر الإنسان أن يحني ظهره ليركبه مروج لشائعة، أو يسوقَ إرجافاً أو تخذيلا عن خير من حيث لا يشعر . فاحفظ لسانك، وانظر ما الذي تنسخه ثم ترسله؟، ورحم الله من سكت فسلم أو قال فغنم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" . ونسأل الله أن يكون خادم الحرمين الملك عبد الله ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم " فاحمدوا الله على جمع الكلمة ووحدة الوجهة واسألوه المزيد من التوفيق والسداد . فاللهم اغفر لخادم الحرمين الملك عبد الله مغفرة من عندك ... اللهم جازه بالحسنات إحسانا وبالسيئات صفحاً وغفرانا . اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده . اللهم أحسن عاقبتنا في تولى الأمر بعده الملك سلمان . اللهم قوِّه في الحق، وقو الحق به، اللهم أعنه على ما أقدم عليه . اللهم ألهمه رشده وقه شر نفسه . اللهم ارزقه بطانة صالحة تعينه إذا ذكر، وتذكره إذا نسي . اللهم وفق ولي عهده الأمير مقرناً لكل خير واجعله مفتاحاً لكل خير مغلاقاً لكل شر . اللهم وفق ولاة أمور المسلمين في كل مكان اللهم اجمع بهم كلمة المسلمين ... 



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 02:42 مساءً الخميس 19 مايو 1446.