• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة 25-3-1436هـ بعنوان مخيم ناجح

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  2.1K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

الحمد لله جعل المسلمين أمة واحدة، وأمر بالتعاون على البر والتقوى لتبقى بين العالمين رائدة . وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدَّى الأمانة حتى ترك أمته على الشريعة الواضحة . صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي النفوس الصادقة والهمم العالية وسلم تسليما كثيراً . أما بعد :- فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) أي جمعت له الدنيا كلها، فلم يفته شيء منها، قد حصل كلَّ ما يريد، وجمع كلَّ ما تفرق عند غيره . فمن هذا ؟ ليس شخصاً واحداً، وإنما هم أشخاص كثيرون، ولكن قليلاً منهم أولئك المستشعرون! قليل من الناس من يدرك أنه قد حاز الدنيا، فلا تزال عينه تستحسن ما عند غيره، ونفسه تواقة إلى ما يظنه قد فاته، ومحروم منه !! إليك هذا الكلام النبوي الذي هو دواء للنفوس، ومقنَع لمن أدرك حقيقة الدنيا ومنزلتها عند الله . يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا) . فهل نحتاج أن نتذكر أبعاد هذا الحديث، وما يلفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم ؟ نعم، نحن بأشد الحاجة إلى تذكره، وتذاكره (فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون) أيها الإخوة: الناس يستقبلون أيام إجازة نصف السنة مبتهجين بنا، في أجواء منعشة، ينتظرون غيثاً من ربهم، وسقيا خالقهم، أعدَّ كثير منها لوازم البر، واختاروا مواقعهم في أرض الله الواسعة فمنهم القريب، ومنهم من رغب الأماكن البعيدة يقطع مسافات الأرض، (وفي الأرض آيات للموقنين)، (والله جعل لكم الأرض بساطاً لتسلكوا منها سبلاً فجاجا) وكلُّ من هؤلاء آمن في سربه، أي : في نفسه، وجماعته، وفي أهله وعياله، لا يتكلف حمل سلاح يحمي به نفسه، بل ترك سلاحه قصدا لأنه لا يحتاجه، بل إنه ليس لديه سلاح أصلاً، ولم يقتنه يوماً من الدهر . الله أكبر ... أي أمن هذا ؟ احفظها في نفسك !! لعلك إن حفظتها في نفسك تسعى في حفظها في واقعك . ثم لا تنس يا عبد الله نعمة الله عليك حينما تعد عدتك ونجمع متاعك لتنعزل عن الناس لا تنس أنك في صحة في بدنك وعافية في جسدك ، ولولا ذلك لما استطعت أن تفارق بيتك مختاراً تسفه الرياح وشدتها، وخشونة الرمال وصبراً على برد قد يعرض أو مطر قد ينزل . وشتان بين من خرج إلى تلك البراري مختاراً فرحاً ومن أخرج إليها بعد هدم منزله لعله ينجو بنفسه، وبمن بقي من صغاره وأسرته . احفظ هذه الثانية في نفسك لعله تعود إلى هؤلاء المستضعفين بدعوة صادقة أو ببعض مواساة (فاتقوا النار ولو بشق تمرة)، (وكل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة) . أيها الإخوة: أيام الإجازة بل أيام الدنيا كلها لا تكون سعيدة، ومجمة لقلوبنا، ومجددة لنشاطنا، وعوناً لنا على كل خير، وبها تكون الحياة مطمئنة لا تكون كذلك إلا إذا أبقى الإنسان على أعظم سبب يصل به إلى ربه، ويتواصل به مع خالقه فالصلاة صلة بين العبد وخالقه في إقامته وسفره ، وفي حال جده وهزله فالمسلم لا يستهين بأول أمر سوف يحاسب عليه يوم القيامة، وقد جعل الله للصلاة كتاباً موقوتاً تؤدى فيه فلا يجوز تأخيرها عن وقتها فالمسلم يقوم يصلي وإن طابت له جلسة مع أصحابه، وتفكه في أعذب حديث معهم ، والمسلم يصلي وإن وجد لذة في نومه ودفء في فراشه، بل هو يصلي وإن سحرته متابعة برنامج تلفزيوني أو شدَّته مشاهدة مباراة كروية هنا أو هناك، وهو يصلي لا تشغله وظيفته ولا يقدم على صلاته صفقا في سوقه ، ولا تجارة في بيعه ولا شرائه ؛ لأنه عبد لله ويخشى أن يفجأه الموت وهو لم يصل ... فالصلاة رغبة في قلبه وإن أحسن إقامتها فهي قرة لعينه وراحة لنفسه . فيا من نصبوا خيامهم أو استأجروها وعمدوا إلى توفير ما تكون فيه مخيماتهم ممتعة مريحة، فالراحة فوق كل راحة هي في صلاتك . فيا نازلاً في البر تعرف إلى القبلة، وخط مسجداً قرب منزلك، وناد للصلاة، واجمع عليها أولادك ورفاقك أيقظ نائمهم وادع جالسهم وحثهم على كمال الطهارة بالماء إن توفر الماء وضوءاً عن الحدث الأصغر، واغتسالاً عن الحدث الأكبر. فإن عدم الماء أو قلَّ أو كان الجو بارداً يخشى باستعماله الضرر فقد أباح الله التيمم حتى يزول العذر ويسهل استعمال الماء . أيها الموفق من متع البر التي لا تغب عنك أنَّ البقاء في البر فرصة للبعد عن صخب الحياة وللنظر في بديع خلق المخلوقات !! كيف مدَّ الأرض ورفع بغير عمد هذه السموات ؟ وهذه الأزهار والنباتات !! ثم هذه الجبال الصُلبة، و نلك كثبان الرمال الرِّخوة ، والوهاد الممتدة . من خلقها ؟ (هذا خلق الله) (لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس). (وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت) ثم إذا جنَّ الليل بدت زينة السماء (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين) . (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب الذين يذكرون الله قياماُ وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك) جعلني الله وإياكم من المتفكرين في آياته، المنتفعين بكلمات ... أقول قولي هذا إن الحمد لله ... أما بعد:- فيا نازل البر إذا أقبل الليل بظلامه، فقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من شر غاسق إذا وقب، وفي حديث جابر المتفق عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم " إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ " أي: في ساعة إقبال الليل يكف الصبيان عن اللعب والتنقل لما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من انتشار الشياطين فيخشى أن يؤذوهم بشيء . يا نازل البر: أقبل الليل بظلامه، وشعرت الأبدان ببرد الليل فاشتهت الجلوس حول فاكهة الشتاء، فتحلق الأبناء ومن معهم حول النار الموقدة جمال في اشتعالها ولهبها، وعبق في ريحها ودفء لمن استدفى بها، فطاب الحديث، وحسنت أخبار السمر، ودارت أحاديث الود والصفاء . فلا نريد أن تدور علينا أحاديثنا نقصاً في ديننا، وتلتف علينا ضعفاً في إيماننا !! نعم، حينما نكون في مجالسنا، ومسامراتنا من الغافلين أو من المتساهلين فذكرك أخاك بما يكره من كبائر الذنوب وهي الغيبة التي شبه الله صاحبها بمن يأكل لحم أخيه ميتاً فلا يكن في حديثك شيء منها ، وحذِّر من جهل أو تجاهل . في الجالسين من ابتلى بشرب الدخان فلا يجعلنا شركاء له فيشمَّنا الريح الخبيث وينفثه في وجوهنا . وأعظم من هذا إقرارنا له، وسكوتنا عنه، ولو قال: إنه مبتلى به وسوف يتركه . ثم بأي مسوغ يُعْطي هذا المبتلى من عافاه الله من هذا الشراب المنتن جرأة عليه، فيشاهده الكبار والصغار. وربما كانت بدايةَ بعض المدخنين أمثالُ هذه المجالس والطلعات البرية !! ألا من كان من المدخنين فإن أضعف الإيمان أن يعتزل مجلسنا وقت تدخينه حتى نسلم من شره، ولو أباً أو كبيراً، ووالله إنه ليس بكبير ما دامت هزمته نفسه، وتعلقت شر عادة في يده، ويمصها في فمه ... ولعل اعتزاله يكون سبباً في التقليل منه، ثم إلى تركه إن كانت له رغبة في تركه ليستنقذ نفسه، عصم الله المدخنين من هذا الوباء، وهيأ لهم خلاصاً من ورطتهم . (ومن يستعن بالله يعنه الله) . أيها الإخوة: بهذه المخيمات البرية أجر لمن احتسبها في صلة الأرحام وجمع الأحباب، والترويح عن الأهل والأولاد, وهذا الأجر قد يفوت أو يوقع في الإثم مع التساهل في حماية الأولاد من البنين والبنات مما يضرهم أو يوقعهم في خطر في أبدانهم في أمور تعرفونها، ولنا فيها دروس قاسية في حوادث الدبابات والتهور في قيادة السيارات . ولا يقل أهمية عن كل ما سبق حماية المحارم من البنات وغيرهن عن مواطن الرجال في المهرجانات وغيرها، وكذا الحيطة من اختلاط الرجال بالنساء ولو كانوا من الأقارب ما داموا غير محارم . وشيه النبي عليه الصلاة والسلام الحمو القريب بالموت المحقق لعظم خطره وكثرة التساهل فيه . حفظ الله الجميع بحفظه ... بعد هذا أيها الإخوة: تنادى المسلمون، وتعاطفوا مع إخوانهم المتضررين وقام الأخوة المحتسبون على اختلاف جهاتهم المعتمدة بجمع التبرعات للمحتاجين في بلاد الثلوج والحروب ولا تزال جهودهم ولله الحمد- دعمهم وحاجتهم لا تزال قائمة أيضاً فلا يتأخر القادر على بذل ما يستطيع عل الله أن يرفع عنهم ضرهم، وأن يدفع عنا وعن المسلمين كل سوء ومكروه . وقد قال عليه الصلاة والسلام : (أبغوني ضعفاءكم فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم) رواه أبو داود وصححه الألباني .



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 09:59 مساءً الثلاثاء 1 يونيو 1446.