نقاط الخطبة :-
- الحكمة في الغنى والفقر .
- الأشياء التي تجب فيها الزكاة، ومقدار الأنصبة.
- من باع نخله يزكى نصف عشر القيمة .
- زكاة الحلي .
- أهل الزكاة وحكم دفعها للقريب .
- تنبيه حول التسوق في ليالي رمضان، والإغراق في المشتريات .
الخطبة الأولى:
الحمد لله أغنى وأقنى ، وأسعد بفضله وبعدله أشقى ، وجعل الميزان عنده بالتقوى . وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله خير من عبد ربه وتزكى صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما طلع نهارٌ وتجلى . أما بعد :-
فإنَّ الله فاضل بين العباد في هذه الدنيا ، وجعل الآخرة أكبرَ درجاتٍ ، وأكبرَ تفضيلاً . بسط الرزق وقدَره على آخرين ليبتلي الغني بالفقير والفقير بالغني ، وإنَّ من عباد الله من لو أغناه الله لأفسده الغنى ، ومنهم من لو أفقره لأفسده الفقر ، وربك يخلق ما يشاء ويختار عباد الله : إنَّ من أوجب أعمالكم وأفضلها عند ربكم خصوصاً في شهركم هذا هي زكاة أموالكم بأدائها تؤدون الركن الثالث من أركان دينكم ، وتطهرون بها أموالكم وأنفسكم (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) وقال صلى الله عليه وسلم " إن الصدَّقة لا تنبغي لآل محمد إنما أوساخ الناس " رواه مسلم فاستعينوا الله - يا عباد الله على أداء زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم ، منشرحة بها صدوركم ترون فضل الله عليكم بذلك ، وأن جعلكم معطين لها لا آخذين منها ، واليد العليا خيرٌ من اليد السفلى ، وإن زكاة المال وإن نقصت قدره ظاهراً ، ولكنها زادته بركة وحفظاً ، كما قال صلى الله عليه وسلم "ما نقصت صدقةٌ من مالٍ" وروى الإمام أحمد بسند جيد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال "كل امرئ في ظلِّ صدقته يوم القيامة حتى يقضى بين الناس" ثم اعلموا أن الله أوجب الزكاة في أربعةِ أشياء:
الأول: الخارج من الأرض من الحبوب والثمار إذا بلغت ثلاثمائة صاعٍ ، وتساوي ستمائة واثني عشر كيلو ، فمن بلغ حبه أو ثمرة نخله هذا المقدار ستمائة واثني عشر كيلو ففيها الزكاة وهي العشر كاملاً إن كان يسقى بلا كلفة ، أو نصف العشر إن كان بكلفة وهي واقع الحال الآن . ومن ذلك أيضاً أن توجد نخيل في بعض البيوت أو الاستراحات تبلغ ثمرتها هذا المقدار فهذه تزكى ، وبعض الناس قد لا يتفطن لها . ومن باع ثمرة نخله أو صار يأكله ويوزع منه فعليه نصف عشر قيمته .
الثاني: مما تجبُ فيه الزكاة بهيمة الأنعام ، وهي الإبل والبقر والغنم بشرط أن تكون سائمة ، أي : ترعى الحول كلَّه أو أغلبه ، فإن كانت تغلف فلا زكاة فيها إلا أن تكون عروض تجارة يبيع ويشري بالمواشي فالزكاة في قيمتها .
الثالث : الذهبُ والفضةُ سواء كان نقوداً أو تبراً ، ونصابُ الذهب خمسةٌ وثمان غراماً ، ونصاب الفضة خمسمائة وخمسةٌ وتسعون غراماً فإذا قال الصاغة: إنَّ الذهب أو الفضة يساوي ما ذكر وجب أن يخرج ربع عشْرِهِ . ويدخل في هذا الحلي الذي تلبسه المرأة فإنه إذا بلغ النصاب يجب أن يزكى ، وهذه المسألة اختلف العلماء فيها قديماً وحديثاً ، والأحوط في ذلك إخراج الزكاة ، والعامة عليهم اتباع علمائهم الذين أمر الله بسؤالهم (فاسألوا أهل الذكر) وهذا ما كان يفتي به الشيخان عبد العزيز بن بازٍ ، ومحمد بن عثيمين رحمهما الله تعالى والأوراق النقدية التي بأيدي الناس اليوم هي بدلٌ عن الفضة فمن ملك ما يعادل ستة وخمسين ريالاً عربياً من الفضة ، وجبت عليه الزكاة .
رابع الأموال الزكوية وآخرها : عروض التجارة ، وهي كل ما أعده الإنسان للتكسب والتجارة من عقار وحيوانٍ وطعامٍ وسيارات وغيرها ، فيقومها الإنسان عند رأس الحولِ . وتنبه أنَّ عروض التجارة ليس حولها أن تأتي سنة على السلعة وهي عندك بل المقصود حول أصلها ، وأصلها هو قيمتها من الريالات حتى ولو كانت السلعة لم يأت عليها إلا شهر أو شهران ، ثم عليك أن تخرج ربع عُشرِ قيمتها ولا ينظر لقيمة شرائها قلت أو كثرت ، فلو اشترى سلعة بعشرة آلاف ريال مثلا وعند نهاية السنة لا تساوي إلا ثمانية آلاف فقط فإنه يزكي الثمانية آلاف ، وزكاتها مائتا ريال . فعلى أصحاب محلات الألبسة والبقالات وقطع الغيار ، وغيرهم أن يحصوا بضائعهم إحصاءً دقيقاً شاملاً ، فإن شقَّ عليهم فإنهم يحتاطون ويخرجون ما يكون به براءة ذمتهم . ومما هو داخل في عروض التجارة الأسهم التي يملكها الشخص في شركاتٍ عامة أو خاصة فكيف زكاتها ؟
فاعلم أنَّ الأسهم على نوعين :-
1 أسهم من شركات مستقرة كشركات الأسمنت والكهرباء والغاز ، ونحوها من المساهمات التي ساهم فيها الإنسان يرجو ما وراءها من الأرباح وليس نية في بيع أسهمه فهذه زكاتها في أرباحها إذا حال عليها الحول ، وإن استلم أرباحها ثم صرفها قبل دوران الحول فلا زكاة فيها . وعليه لا زكاة في أسهم تلك الشركات التي لا تصرف أرباحاً ، ولو بقيت سنين .
2 أسهم من شركات غير مستقرة كالأسهم في الأراضي ، أو الحديد ، أو المواشي وغيرها مما يتجر به ، وكذلك الشركات التي من شأنها البيع والشراء في الأسهم نفسها فهذه تزكى زكاة عروض تجارة فينظر قيمة السهم في السوق ويضيف عليه الربح إنْ وجد ثم يخرج ربع عشره ، 2،5 % . وعليه فالمساهمات في الأراضي التي لم تخطط يزكي قيمة السهم الحالية فقط ؛ لأنها عروض تجارة وسهمها له قيمة ويتداول بين المشترين . ومما هو داخل في الأسهم ما يسمى بالجمعيات التي بين الموظفين أو المدرسين فعلى كلِّ شخص أن يحصي نصيبه ويزكيه . فهذه يا عباد الله الأموال التي تجب فيها الزكاة ولا زكاة فيما عداها . فلا زكاة فيما أعده الإنسان لحاجته من طعام أو أثاث ، أو سيارات ، أو عقار إلا أن يعده للأجرة فالزكاة في الأجرة إذا حال عليها الحول ، وإن أنفقها قبل مضي الحول فلا زكاة عليه . وكذا لا زكاة على الإنسان فيما يشتريه من أراضي ليمسك بها ماله ، أو ليقدمها للصندوق العقاري اعرفوا رحمكم الله ما تلزم معرفته من أحكامِ دينكم خصوصاً ما تعلق به حقُّ الغير من الفقير ونحوه ، واسألوا أهل العلم عما يشكل عليكم لتعبدوا ربكم على بصيرةٍ من أمركم . أقول قولي هذا
الخطبة الثانية:-
الحمد لله لا معطي لما منع ، ولا مانع لما أعطى ، قسم بعلمه وحكته زكاة الأغنياء ، وجعلهم أصنافاً وابتدأهم بالفقراء . فقال تعالى ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم ) وأشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهداهم اهتدى . أما بعد : -
فإن صرف الزكاة في الأصناف الذين ذكرهم الله فريضة لازمة لا يجوز تعديلها أو صرفها إلى غيرهم ، فالفقراء والمساكين وهم الذين لا يجدون كفايتهم حتى ولو كان لهم رواتب ثابتةٌ مادامت رواتبهم قليلةً يعطون من الزكاة ما يسد حاجتهم ، وما كان أحوج منهم فهو أولى ومن كان ذا قرابةٍ فهو أولى أيضاً من غيره ؛ لأنها تكون حينئذ صدقةً وصلةً ما لم تكن نفقته واجبة عليك كالزوجة والأولاد ، فالواجب إغناؤهم بالنفقة عليهم ، ولكن يجوز قضاء الدين عن الولد أو الوالد وغيرهما ؛ لأن قضاء الدين أمر زائد على النفقة ، وفي الصحيحين أن زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه - أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله إنك أمرت بالصدقة ، وكان عندي حلي فأردت أن أتصدق به فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدق به عليهم ، فقال : النبي صلى الله عليه وسلم صدق ابنُ مسعود ، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم . فاجتهدوا - رحمكم الله أن تكون الزكاة في موقعها ، وأن تصل إلى أهلها ، وتعرفوا على أصحاب الحاجات المتعففين . من الأرامل ، وأرباب الأسر الكبيرة ، ومن أقعدهم مرضٌ أو غيره .
أيها الإخوة: كم وددنا وتمنينا أن تكون مواضيع المنابر في شهر رمضان خاصة فيما يحتاجه الصائمون من أحكام صيامهم وأمور زكاتهم وبيان شيء مما يشحذ هممهم للطاعة وأن يترك ما سوى ذلك اتكالاً على ما يحدثه الصوم من انكسار النفوس، وما تبعثه تقوى الصيام من عزوف عن بهرج الدنيا وبعد عن مواطن الفتنة والزلل والآثام فيها . ولكن ما نشهده في أسواقنا في تلك الليالي المباركات بعد أن انسلخت العشر الأولى من رمضان ؟ والله أعلم ماذا تخبئ لنا ما بعدها من الليالي ؟ ما نشهده يلزم بكلمة لنا معاشر الحاضرين من الآباء والأولياء وأصحاب الغيرة ومن يرون أنفسهم صلحاء. فماذا نشهد ؟ استنفار للبيوت للتسوق ودعايات بلا خطام ولا زمام، ومهرجانات سوقية . ونحن والله أحوج أن نعقد محاضرات وكلمات في مساجدنا وأحيائنا لترشيد الاستهلاك، وتوعية الناس ألا يكون تبعاً لكل ناعق، وحثهم على الاقتصاد في كل معيشتهم، وألا يكونوا نهباً للتجار الجشعين الذين يستخرجون القرش من جيبك رغم أنفك، ويستعدون عليك بسفهاء بيتك من النساء والأولاد تحت شعار جوائز وسحوبات تشجيعية، وتخفيضات وهمية قد أكلوا قيمها أضعافاً مضاعفة بحيلهم على المشترين البلهاء، والمتسوقين البسطاء علماً أن من هذه الجوائز ما قد يكون من الميسر الذي قرن الله تحريمه بالخمر والأنصاب والأزلام.
أيها الإخوة: هذه الحركات غير المدروسة والمرتجلة يحذر منها أرباب الاقتصاد أشد التحذير، والمجتمعات الراقية تدرك أنَّ هذه الظواهر غير صحية فلا هي حماية للمستهلك، ولا هي خدمة للتاجر فيما يبعه، وبعرضه . وإن أردت دليلاً مبسطاً على ذلك . فانظر إلى زحام الناس في آخر الشهر عند مكائن الصرف يسحبون مرتباتهم ؟ ثم انظر أين ما سحبوه في منتصف الشهر، وقبله أحياناً ذهب إلى غير رجعة ! دعك من الذين قضوا بها حوائجهم، وسددوا ديونهم . ولكن تبقى طائفة من الناس لا تعرف قيمة الريال رغم غلاء الأسعار وصعوبة كثير من أمور الحياة ؟ فهم مستجرون بدعيات تسوقية يدفع الإنسان فيها فئة الخمسمائة وكأنه في سكرة من أمره لا يفيق منها إلا حينما ينفد ما بيده . وأما ما يكتنف هذه التجمعات من اختلاط بين الرجال والنساء وإعطاء فرصة للعابثين والمتسكعين، وإظهار البلد بمظهر غير لائق فعلى عظمه وأهميته فأدعه هذا لغيرتكم، وما يغلي في نفوسكم تجاه محارمكم، ومدى قيامكم بحق القوامة التي ستسألون عنها إن فرطتم فيها . ورب إشارة تغني عن كثير عبارة فاتقوا الله أيها الأولياء أيها المتسوقون أيها الباعة أصحاب المحلات لنتق الله جميعاً، ولنعلم أن هناك رقيباً لا تخفى عليه خافية، وإن خفيت على رقيب البشر . اللهم احفظنا من الفتن ...