إن الحمد لله .... أما بعد:-
فلم تخل بلد من سابقة لها في التاريخ، فالأيام دول والتاريخ موجود شاهد لمن استشهده، وناطق لما استمع له،وعظات لمن اتعظ به .
وليس بين الله وأحد من خلقه نسب ولا سبب إلا سبب التقوى، ولم يًعط شعب أماناً إذا حادوا عن الطريق المستقيم (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون)
)أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون(
ونحن في هذه البلاد لسنا بمعزل عن سنن الله في تغير الأحوال وصروف الدهر .
وتاريخنا الحديث، وما أدركه أجدادنا القريبون، وآباؤنا الأدنون فيه عبر وآيات للسائلين .
فحق على الناشئة والشباب أن يسألوا عن تاريخ آبائهم ليعرفوا أنهم ليسوا شعب الله المختار فالنعم التي هم فيها والأمن الذي ينعمون به كان عند غيرنا، فتحول إلينا ثم هو عازم أن يتحول عنا إن تحولنا عنه، وفرطنا في أسباب حفظه، ولم نقيده بشكره .
اسألوا أيها المتفيؤن نعم الله: كيف كانت صعوبة, لقمة العيش في هذا البلد وعلى هذه الأرض التي نحن عليها .
ما قصة الذين يعملون أجراء من آبائنا، وأجرتهم قوتهم فقط، لا مزيد لينتظر، ولا فائض ليدخر.
بل هناك من يعمل بنصف قوته .
فإن كان قوته بالرغيف فليس له عند مستأجره إلا نصف رغيف .
ثم اسألوا عن الذين تركوا بلادهم وخرجوا من بيوتهم مودعين أهليهم، مستودعين ربهم ذريتهم يتطلبون الحياة فأرضهم أرض جوع وكربة، ويرجون بأسفارهم سد حاجة وفرجة .
خرجوا مسافرين من هذه البلاد إلى بلاد هي الآن مضرب المثل في الفقر والعوز .
وأهلها من أعز أمانيهم وأغلى مطالبهم أن يصلوا إلى هذه البلاد بأي طريق كان .
فسبحان من يقلب الليل والنهار، ومن يدبر الأمر.
وأما فقدان الأمن وصعوبة التنقل والأسفار وقصص قطاع الطريق ومن يسمون بالحنشل فهي خيال وليست بخيال .
ومن كتب التاريخ إليك هذا النقل, يحكي صعوبة الحال "كانت الطرق لا تعبر إلا بقوة عسكرية، أو دفع "الخُـوَّة" والخوة مال يدفع لرؤساء القبائل من البدو مقابل الحماية له، حتى يستطيع التاجر أن يحافظ على حياته وشيئاً من نقوده وبعض أحماله .
وفي كل خمسة أميال أو عشرة يدفع مثل هذا المال للحماية، ثم إذا فاز التاجر المسكين بحياته وبقي شيء في كيسه فمن المؤكد أن أحماله لا تصل كلها إلى المكان الذي يريد) (بتصرف من كتاب ملوك العرب للريحاني.(
الله أكبر .
إذن الأمن لا يشترى!
والمال لا يحقق الأمن ، ولا يدفع الخوف عن الحياة.
والحماية القبلية حماية ضعيفة مؤقتة .
وإنما الأمن من الله (وآمنهم من خوف) .
(الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون.(
أما الآن تغيرت الحال وحل الأمن وخرج الناس في طرقاتهم وفي أسفارهم في ليلهم ونهارهم على حد سواء .
فهل بعد هذا الخير من شر .
كفي بصروف الدهر عظة للمتعظين (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) .
هذه حالنا وهذه سنة الله في خلقه فقد آن الأوان لنتبصر في أمرنا ونسعى في بقاء أمننا، ونحذر حيل المتلاعبين في عقولنا، حينما يملون علينا أساليب للتغيير، وطرقاً للإصلاح .
وأنت أيها الأخ الموفق: كثرت مجالسك وتنوعت قراءاتك، ووصلك من المقاطع والتغريدات ما ضاق وقتك عن متابعته، وصيتي لك لا تكن وعاء كل يلقي فيك بضاعته .
اتهم عقلك وشاور من هو أكبر منك علماً وسناً فالحكمة أعلمنا الله مع الأكابر، وافتقر إلى ربك واجعل من دعائك (اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي)...
الحمد لله ...
أما بعد:-
يأتي التذكير بنعمة الأمن وتبديل الله حال الضيق بالسعة والخوف بالأمن في ظل أوضاع ملتهبة، وسياسات متقلبة، ودول فقدت استقرارها، وانشغلت بنفسها، كلما خاطوا شقاً انفقت شق آخر، وإذا سدوا ثغرة انفجرت أخرى بأقوى منها.
فلم تستقم أمور دينهم، ولم تسلم لهم دنياهم ...
وهذه سنة الله في الأمم والشعوب !
متى غيروا يغير الله عليهم، وإذا لم يقبلوا نعمة الله عليهم فالله ينقلها عنهم، حتى تكون أحاديث مضت، وتاريخاً يروى .
كان المتكلمون الذين يعظون الناس بفقدان الأمن وضياع هيبة الدولة، وانفلات الأمور يضربون في بلاد الصومال مثلاً لذلك كله.
أما الآن فقد تعددت المثل، وكثرت الشواهد .
(قل سيروا في الأرض فانظروا كيف عاقبة المكذبين)
كيف كان عافبة المكذبين؟ ممن كذبوا بأصل الرسالات، أو بشيء منها، وعلى قدر المخالفة تكون المعاقبة .
أجل أيها الإخوة: أما الآن فلا يعجزك المثال فأينما وجهت وجهتك وجدت الفتنة العمياء، وتسلطَ الأعداء، وإعجابَ كلّ ذي رأي برأيه، ووقودُ هذه كلِّها شعوب مستضعفة، أضافتَ إلى فقرها وجهلها الخوفَ والقتلَ، والإخراج من الديار .
هذه حال أمم قريبة منك انظرها إن شئت في شمال البلاد وجنوبها، وغيرها كثير لا يقل سوءا عنها .
(فهل من مدكر)، (فاعتبروا يا أولى الأبصار)
أيها الإخوة: تأتي أحداث محافظة الأحساء تذهب فيها أنفس بريئة من أهل المحافظة الآمنين، ومن رجال الأمن المخلصين .
ثم أخرى في القصيم،
فإنا لله وإنا إليه راجعون ...
ويأبى من وراء هذه الأحداث إلا أن يلحقوا هذه البلاد ببلاد الاضطرابات والقلاقل .
فقرت أعين الأعداء الحاقدين، واستبشرت بها نفوس الحاسدين...
وإن الواجب على العاقل فضلاً عن كونه مسلماً قرأ نصوص الوعيد وحرمة الدماء وعقل العقوبة الربانية (ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباَ عظيما) (ولا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما) فكيف بمن أصاب دماء محرمة، وأرعب الآمنين، وسعى في تشويه هذا الدين، أو نسب مثل هذه الأعمال إلى جهاد قد أمر الله به، ويرجو أعالي الجنان مثوبة عليه .
(إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم)
أقول: إن الواجب على المسلم العاقل تجاه هذه الأحداث أن يشفق منها وأن يحذر تبعاتها لأنها فساد في الأرض فالتهوين من شأنها تهوين من شيء عظمه الله (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) .
لذا وجب على كل واحد منا أن يكون رجل أمن يدرك أن هذه الأحداث هي عبث بالأمن .
فالدلالة على خيوط المفسدين وذيول المتربصين من أوجب الواجبات ولو كان لا قدر الله من خواصك الأقربين، وأهلك الأدنين، لأنَّ الدلالة عليه هو أخذ على يده وحماية له مما هو أعظم مما تلوث به . (قد تبين الرشد من الغي) .
ثم احذروا يا عباد الشائعات المغرضة، والتكهنات الأثمة
فالأحداث التي تمر بها الأمة موسم لتفريخها، وأرض خصبة لنموها، وتكاثرها .
فتنهال التغريدات والمقولات وتسطر المقالات محللة، ومشككة في الرسمي من البيانات، ومحملة أومكملة ما لا تحتمله العبارات .
ثم هم يرون أنفسهم أصحابَ الرأي والفهم، وكأنهم يقرؤن الغيبَ من مكان قريب .
ثم يكرّون إلى جهود سلف الأمة والعلماءِ الربانيين ساخطين ما كتبوا، ناقمين ما وضحوه لله وألفوا .
زاعمين والزعم مطية الكذب زاعمين أن ما وصلت إليه الأمة هو بسبب تلك الكتب النيرات التي تقطر غيرة لهذا الدين، وإخلاصاً لرب العالمين.
وقد أخرجت أجيال الأمة جيلاً بعد جيل من الظلمات إلى النور، تقرأ في المدارس والمساجد عمادها الآيات وصحيح السنة وأقوال الأئمة .
فكيف يجرؤا متعالم على نسبة النقص إليها، ويعلق لائمةً على قراءتها!
ولِمَ لم يكتشف ضررها إلا في هذا العصر؟!
بل كيف غاب خطرها حتى جاء ذاك الفاهم الألمعي فبين ضلالها؟ واحتسب التحذير منها .
كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباَ ! أما انها فتنة القول
وصدق الله العظيم (والفتنة أكبر من القتل)، (والفتنة أشد من القتل)
أما إن سألت عن مشكلة الأمة سؤال صدق !
فإن من أكبر مشاكل الأمة التمكين للرويبضة يتكلم بأمر العامة، ويقضي أموراً لو كانت في زمن عمرَ بن الخطاب رضي الله لجمع لها الصحابة يستشيروهم .
وهذا الذي ظلم نفسه ينهيه بجره قلم أمن تبعتها في الدنيا، وهو عن الآخرة من الغافلين ...
نعوذ بالله من الخذلان، وحرمان التوفيق، وتسلط ذَرِبَ اللسان والبيان، ذي جَلَد في الباطل وهو ألد الخصام .
اللهم احفظ لنا أمننا، واحفظنا بإيماننا، واحفظ لنا إمامنا وقوه في الحق وقو الحق به.
اللهم احفظ رجال الأمن بحفظك، وقهم شر الأشرار، وكيد الخائنين الفجار.
اللهم ارحم من مات منهم واجعلهم شهداء عندك، وارفع درجاتهم، واخلفهم في عقبهم، وأجبر كل مصاب بهم، وأنزل سكينة عليهم، وطمأنينة في قلوبهم .
اللهم واجعل ذلك لكل من قتل ظلما، اللهم عاف المرضى والمجروحين وألبسهم ثوب الصحة والعافية واستعملهم في طاعتك ومتعهم الى حين .