الحمد لله غمرنا بره وإحسانه، وتتابع فضله وإنعامه ، خلقنا ورزقنا ، وآونا وهدانا ، ومن كل خير أعطانا . وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ما ترك أمراً نحتاجه إلا بينه، ولا أمراً يحذر منه إلا حذَّره صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً . الله أكبر ... أما بعد:- فحياة الإنسان مراحل، وعمره أيام ومنازل، ومواسم الخير رياض للموفقين، فيومنا هذا به تتم الأيام المعلومات، وهو ختام العشر المباركات (وما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه العشر) وهو يوم الحج الأكبر أفضل أيام الدنيا يقضي الحجاج في هذا اليوم معظم مناسكهم، فينتظم عقد الحجيج على صعيد منى بعد أن وقفوا بعرفة وباتوا بمزدلفة، فقد جعله الله عيداً للمسلمين حجاجاً ومقيمين، في هذا اليوم المبارك يتقرب الحجاج إلى ربهم بذبح هداياهم، وأهل الأمصار بذبح ضحاياهم إتباعاً لسنة الخليلين إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام . ثم بين أيدينا الأيام المعدودات أيام التشريق الثلاثة المباركات لا يحل صومها فرضا، ولا نفلا وجهل بعضهم فصام الثالث عشر منها باعتباره أول أيام البيض وهذا لا يجوز، فهي أيام أكل وشرب وذكر لله، و بها مع يوم العيد تتم أربعة أيام ذبح الأضاحي . فعظموا هذه الأيام بما عظمها الله، واملؤها تكبيرا في عموم أحوالكم وفي أدبار صلواتكم . الله أكبر الله أكبر ... المهزوم من هزمته نفسه، والمغلوب من غلبه هواه . تشكو بعض النفوس إحباطاً في حياتها، وضيقاً في صدورها فهم خائفون من لاشيء، حائرون في لا شيء لم يعودوا يستشعرون للحياة طعماً، ولا للعمر معنى، يشكون هموم الدنيا فوق رؤوسهم، أجسامهم معافاة، ولكن أرواحهم في شدة ومعاناة . هذه الطائفة أصبحنا نراها في مجتمعنا، ونقابل أفرادها في أماكن شتى، وربما منهم من هو في بيوتنا ويصبحون ويمسون معنا . وهم في تزايد عددي، يفاجئك ذو الهيئة الحسنة أنه مسه الضر في جانب من نفسيته فهو يصارعها، يحمل هم الليل قبل النهار، وهم النهار قبل الليل ! ما الخطب ما الذي دهى القوم؟ أيها الإخوة: النفوس متقلبة، وأخبر الصادق المصدوق أن لها إقبالا وإدباراً ولم يسلم أحد من عوارضها قال النبي صلى الله عليه وسلم "إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة " ولكن الرزية أن تكون هذه العواكس النفسية هي السمة في حياة الإنسان حتى انكفأ على نفسه، واستسلم لخواطرها، فلا تزال خيوطها تلفه بوساوسها. فطلب لفكاكها كلَّ قاص ودان، وحدث بمعاناته كل من آنس عنده بعض أمل في شفاء، وما أنزل الله من داء إلا وقد أنزل له الدواء، وليس الكلام في التداوي وقد أمر عليه الصلاة والسلام به . وإنما المقام هنا في وقاية قبل العلاج، ودفع قبل الرفع!! قرأنا كتاب الله تعالى ووجدنا فيه النقاط على الحروف (من يعمل سوء يجز به) (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) فللسيئة أثرها في اضطراب النفوس، ووحشة الحياة، وتعكر المزاج، يجده العاصي ضيقاً في صدره، وهماً للمستقبل، وحزنا على الماضي . فالبعد عن الله، والإقبال على معاصيه، والشعور بالأنس الأجوف عند انتهاك حرماته عاقبته (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) . التعلق بالماديات والحظوظ العاجلة، اطفأت عن الحياة البهجة، وجلبت القلاقل والكآبة!! فهو كئيب لأنه لم يتوظف !! وهو كئيب لأنه لم يجار إخوانه وبني عمه وعدلاءه في فخامة بيوتهم، وكثرة أسفارهم !!. وهو كئيب لأنه لم يحظ بقرب أولاده، وحسن تبعل زوجته، كما هي حال فلان كما يبدو له ! فلا يزال ينظر للمفقودات وما فاته من الحظوظ العاجلات، وينسى في غمرة ذلك الموجودات التي عنده، ويعمى عن نعم الله التي بعضها كاف في تأديب نفسه، وقمع أشرها، وعماه أشد عما ذفعه الله عنه من الكروب، وسلمه من المصائب والعيوب !! (قتل الإنسان ما أكفره) !! فأين الراغبون في الحياة الطيبة (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) فالحياة الطيبة طريقها واضحة، وبوابتها واسعة، وسعت العارفين بربهم، المدركين حقيقة الدنيا، وما ينال منها، وما يفوت، ولم يخف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته الفقر، وقلة المادة يقول عليه الصلاة والسلام " ما الفقرَ أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم " . فلا تخطئ الطريق بحثاً عن سعادة كأنها سحابة صيف، وإنما السعادة الدائمة في القرب من الله بتقواه والإحسان إلى عباده، وبهما تنال الأمن والمعية (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) والسعيد من نظر في عاقبة أمره بعد أن أنظر الله في أجله، ومدَّ في عمره . الله أكبر ... أيها الآباء والأولياء: في ورقتي هذه سطور مكتوبة أصلها رسائل نصية عبر الجوال خرجت من بيوتنا، وبعثتها بناتنا وأخواتنا بعثتها إلى جملة من ظنت أن لديهم حلاً لقضيتهم! وأظنَّ أن أسرع حل، أن تقف أيها الولي على حقيقة القضية، وما حملته هذه الرسائل بلا مقدمات!! . لقد حملت رسائل كلمات أشبه بالمتقطعة تشكوك،نعم أنت المشكي أيها السامع، تشكو عضلك لمن تحت يدك، وإن تلطفنا معك فنقول: إنها تشكو عدم مبالاتك بتزويجها وبرودَك تجاه طلب الخطاب لها، كيف وقد علمت أنها هناك عدة خطاب لم يجر بحثهم مع صاحبة الشأن، وردُّوا من أول الطريق . ثم تختم هذه الشكاية بعبارة أنقذونا نخشى على أنفسنا الضياع، ونجد عنتاً في صد داع الفساد !! لعلك تقول: هذه ليست من بيتي، ولا تبلغ بها هذه الجرأة فأقول: بقي في رسالتها . أنها كتبت هذه الرسائل بعد طول تردد، وخوف من أن تحل قارعة لو تسرب إلى أبيها خبرها، فهي لا تستطيع مواجهته ولا ترغب في مقاضاته ! أيها الولي المبارك: ونحن أيضاً لا نرغب في إدانتك، ولكننا نرغب منك أن تتمهل في سيرك، وعدم مبالاتك فلك خصوم في بيتك، وهم بضعة منك! أعاننا الله على أداء الأمانة، وستر بيوتنا بستره، وحفظ نساء المسلمين بحفظه . الله أكبر ... أيها الإخوة: لا تخافوا أعداءكم، ولا تحملوا هم قوم يتوعدون أن يجوسوا خلال دياركم . فهذا لن يكون بإذن الله إلا إن طلبناه واستعجلناه بذنوبنا، وتفرقنا على ولاة أمورنا وعلمائنا وصرنا مطية من حيث نشعر أو لا نشعر للمتربصين بنا، فروجنا تهديداتهم لبلاد الحرمين، وتناقلنا ما رعموها انجازات لهم، ومكاسبَ سياسية، وتوسعات إقليمية!! وتورطنا في حبال اللعبة السياسية، قبلنا الباطل حينما ألبس زوراً ثوب الحق، فعاد بعضنا على بعض بلائمة التصنيف، والاتهام والتخويف . ووقعنا فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " إن الشيطان يئس أن يعبد في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينكم" هذه معاول هدمنا، وإضاعة أمننا وتفريق شملنا، وكون بلادنا نهباً أمام أعيننا. وبعد أيها الإخوة:كانت المدينة زمن النبي صلى الله محاطة باليهود بقلوبهم المسودة ونفوسهم الحاقدة المتربصة . والمنافقون بين ظهراني المسلمين يغدون ويروحون، ثم نجد الهدي النبوي ينحى منحى آخر فها هو عليه الصلاة والسلام يبشر أصحابه ويربط على قلوبهم، بل ويعدهم أن تفتح لهم بلاد الشام والعراق واليمن . فكانوا بهذه الروح العالية، والتربية الصحيحة يرون التحزب ضد المسلمين وعدا بالنصر للصابرين (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعد الله ورسوله وصدق الله ورسوله) . فهل نقوى على أن نقول: ما أشبه الليلة بالبارحة، وهل هناك متسع للفأل الحسن، والتبشير بواقع يقدره الله لهذه الأمة يكون أحسن . والله إننا لنقوى إن عقلنا قوله تعالى (إن تنصروا الله ينصركم) نقوى إن فهمنا معنى قوله تعالى (والله لا يصلح عمل المفسدين) نقوى إذا أيقنا أنَّ الله لن يساوى بين من يقول: لبيك يا حسين، ومن يقول: لبيك اللهم لبيك. بين من يعمر المساجد ومن دينهم مبني على الخرافة والتمسك بالقبور وعمارة المشاهد . ومن يؤذون النبي في أصحابه وخاصة أهل البيت (والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم) (أفنجعل المسلمين كالمجرمين، ما لكم كيف تحكمون) نعم، لا نتمنى لقاء العدو . ولكننا نأبى أن يرجف بنا، أو ينفخ في عدونا وقد قرأنا في كتاب ربنا (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون) وقرأنا في كتاب الله في مواضع كثيرة عاقبة المكر وأهله (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله) وقرأنا المكر الكبار وأنه قديم قدم الليل والنهار، وشهدنا نماذج منه في بعض ساسة زماننا، والمرتزقة من الزعماء أصحاب المصالح الذين قال الله في أمثالهم (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم، أي: في توليهم لأعداء الدين وتمكينهم، حيطة لأنفسهم حتى ولوكان الثمن شعوبهم، ومن باع دينه فهو لبيع ما سواه أسرع . فاثبتوا عباد الله: على دينكم، فنحن في زمن الابتلاء والتمحيص ولنقبل على ربنا بصدق العبادة، وحسن الأخلاق والمعاملة، وحفظ مواقع العطاء والبذل لهذا الدين،والتعاون على البر والتقوى، بإصلاح بيوتنا، والصبر على تربية أولادنا، وحفظ بناتنا، وحقوق أزواجنا . وأن نكون على يقظة لمن يدفعون عجلة التغريب في هذا البلد، وهم يحفرون قبراً لشعيرة الأمن في مجتمعنا ومعلماً في تميز بلادنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جعله الله قبراً لأفكارهم الضالة، وردهم إلى رشدهم، ووفق ولاة أمرنا للأخذ على أيديهم، وكسر أقلامهم. الله أكبر الله أكبر . هذه الميادين العظيمة أيها الإخوة: وفيها فليتنافس المتنافسون فلنركن إلى ربنا، ولنجدد الثقة بموعود خالقنا ورازقنا، ومن بيده تصريف أمورنا (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً)، (ولينصرن الله من ينصره) الله أكبر الله أكبر ... بنيتي الغالية، وأختي الكريمة حق الحديث أن يوجه كله إليك، لأنك آخر معاقل الحشمة، وآخر حصون الفضيلة بعد أن نال المغربون لأمتهم ما نالوا من المرأة المسلمة خارج هذه البلاد حظاً وافراً وحققوا مآرب أسيادهم ، والخطوات واحدة والسُّنة ماضية لتتبعن سنن من كان قبلكم. ولا يقلق المساومون على حيائك وحشمتك إلا امرأة عاقلة على بينة من ربها، وتبصر بخداع أعدائها فكوني أنت هي تكن الرفعة والعزة لك في الدنيا والآخرة . حدثي زميلاتك وقريباتك أن العباءة كانت رفعة وهيبة للمرأة لما كانت مرفوعة على الرأس، وحين نزلت على الكتفين نزل من رفعتها وهيبتها ما نزل!! وحين تخصرت على الجسم اختصرت على العابثين طريقهم، ووجد مرضى القلوب بغيتهم . بنيتي وأختي الغالية: كوني عونا لزميلاتك، ومن تتصلين بهن على الثبات على الخير. لباس المرأة الساتر وقارها وصيانة لها، فالعاري من اللباس عقوبة من الله حينما يتسلط الشيطان على الإنسان فإنه ينزع لباسه (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما) . وكان من شؤم ألبسة العري أن لابسته تسببت في تفريق جمع عائلي وإلف أسري حينما أخذتها العزة بالإثم فأصرت أن تحضر بلباس يسيء إليها، ويجرأ على مثله من رآها ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووز من عمل بها . إلباس من يُـزعم أنها صغيرة القصير من الثياب ظلم لها وتربية على قلة الحياء والحشمة . ثم من قال: إن بنت عشر سنوات ونحوها وقد أنبتها الله نباتاً حسناً إنها صغيرة وقد بلغت أو قاربت ! أيها الولي: إن كنت تنظر إلى بنتك بنظرة البراءة والطهر فهناك من ينظر لبنتك نظرة المرض والريبة . وأقول بأسف: وربما يكون من محارمها محل الثقة منك من تحركت عنده كوامن الشهوة في زمن التردي الإعلامي، والفساد التقني !! واللبيب بالإشارة يفهم ويستغني . الله أكبر الله أكبر ... أيها الإخوة يومنا هذا أحد أعيادنا الشرعية مع عيد الفطر وعيد الأسبوع الجمعة، فاغتبطوا بعيدكم واستغنوا به عن كل عيد محدث سواه . افرحوا به، وأدخلوا الفرح على من غابت فرحتهم، وأعطوا نفوسكم ونفوس أولادكم و أهليكم حظها فيما أباح الله لكم من غير إسراف ولا تبذير، واحذروا تبديل نعمة الله كفراً فلا يكن في أعيادنا، ولا أعراسنا شيء من مزامير الشياطين وآلات الطرب. وإنما جاءت الرخصة بالدف يضرب في أوساط النساء في الأعياد والأعراس . الرجل يغني بين النساء أو في غرفة خاصة وتنقل صورته، أو لا تنقل توسع مشين له ما بعده، وتأباه غيرتنا على محارمنا ! عباد الله: إن من أعظم أعمالكم في يومكم هذا ذبحَ ضحاياكم، وما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحبَّ إلى الله من إراقة دم، فطيبوا بها نفساً محتسبين غلاء أسعارها، اذبحوا بأنفسكم إن أحسنتم الذبح وإلا ليتول ذبحها من يحسنه من مسلم أو كتابي، ومن كان لديه عمالة غير مسلمة ولا كتابية فلا بأس أن يعين في سلخ أو تقطيع دون تذكية. ومن عرف عنه ترك الصلاة تركاً كلياً فهذا إن سبق فذبح الأضحية فهي ميتة تطعم السباع والكلاب، ولو كان الذي لا يصلي والداً أوولداً نسأل الله العفو والعافية. تقبل من المضحين ضحاياهم، ومن الحجاج حجهم، وأتم نعمته عليهم وردهم إلى أوطانهم بسعي مشكور وذنب مغفور. اللهم اجعل عيدنا سعيداً، وعم ببركته بلاد المسلمين . اللهم مكن للمسلمين في ديارهم، وآمنهم في دورهم، واجعل العاقبة الحميدة لهم. اللهم انصر المستضعفين في بلاد الشام، وفي العراق، اللهم أصلح حال إخواننا في بلاد اليمن، اللهم آمنهم مما يخافون، واحفظهم مما يخاذرون. اللهم إنا نسألك أن تفرج هم المهمومين، وأن تنفس كرب المكروبين، وأن تغفر لوالدينا أجمعين، ولجميع موتى المسلمين . اللهم أصلح لنا ولاة أمورنا، اللهم قوهم بالحق وقو الحق بهم، واجعلهم حماة لدينك، ورحمة لشعبهم يارب العالمين عباد الله أكثروا ذكر الله عز وجل تكبيرا وتحميدا وتهليلاً وتسبيحاً . سبحان ربك رب العزة عما يصفون ...