خطبة الجمعة 9-12-1435هـ بعنوان يوم عرفة والأضحية
د.عبدالرحمن الدهش
12-09-1435 03:44 مساءً
0
0
2.3K
إنَّ الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
أمَّا بعد :-
فاتقوا الله عباد الله وبادروا أعماركم بأعمالكم ، و لا تنسوا أنكم في أيام من أيام الله جعل الله فيها من الفضل ما لم يجعل في غيرها فما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه العشر.
فيومكم هذا يوم عرفة يوم اكتمال الدين (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم ورضيت لكم الإسلام دينا)
وقد وافق يوم الجمعة فاجتمعت فضائل اليومين في يوم واحد (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة) رواه مسلم،
وقال النبي عليه الصلاة والسلام (خير الدعاء دعاء يوم عرفة )
وفي يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه الله إياه، وهي آخر ساعة في يوم الجمعة .
وقد وافقت ساعة الصيام منكم، وللصائم دعوة مستجابة .
فالله الله في لحظات هذا اليوم أروا الله من أنفسكم خيراً بإخبات قلوبكم، وسكون جوارحكم، وطول دعائكم، وكثرة مناجاتكم .
فسرعان ما تغيب شمس هذا اليوم، وينقضي أمره، ويطوى فضله، ولله عاقبة الأمور .
أيها الإخوة: انقسم الناس في هذه الأيام إلى طائفتين، طائفة عقدت عزمها على بلوغ بيتِ الله الحرام يرجون ما عند الله، فما أعظم مقصود هذه الطائفة تؤدي فريضة ربها محتسبة عند الله أجرها، فنسأل الله أن يبلغهم قصدهم ، وأن يَحْفظهم في حلِّهم وارتحالهم ، وأن يسهل لهم نُسُكهم ، ولا يحرمنا أجرهم .
والطائفة الثانية طائفة باقية، ومن رحمة الله بعباده ، وسعة فضله أن جعل لكلٍ نصيباً ، ولم يغلق عن أحدٍ من خلقه باباً .
يقولُ تعالى في الحديثِ القُدْسِي (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنَّوافل حتى أحبَّه)
فها أنتم صائمون يومكم هذا محتسبين ما أخبر به النبي فعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله سئل عن صوم يوم عرفة فقال (يكفر السنة الماضية والباقية) رواه مسلم .
ومن العبادات العظيمة التي لا ينبغي للقادر تركها هي ذبح الأضاحي، وأما غير القادر فلا يشق على نفسه، وقد ضحى عنه نبينا محمد لأنه داخل إن شاء في قوله لما أراد ذبح أضحيته ( اللهم هذا عن محمد وعن أمة محمد ) .
إذن لا اشتراك في قيمة الأضحية فمن لم يستطعها بماله فلا يجمع ماله لمال أحد من أفراد البيت ليضحي إلا أن يهدوه مالا فيجتمع من ذلك قيمة الأضحية فيضحي فلا حرج .
أما الاجتماع في الأجر فلك أن تضحي عن نفسك وعن أهل بيتك الأحياء والميتين، وأما الملكية فلا اجتماع في الملكية في الغنم وإنما الاجتماع في الإبل والبقر فتجزئ الواحدة عن سبعة .
ولقد أمر الله بالأضحية في قوله تعالى فصل لربك وانحر
وفي الأضحية إحياء سنة أبينا إبراهيم ونبينا محمد عليهما الصلاة والسلام وما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحبَّ إلى الله من إراقة دمٍ
والأضحية إنما يقوم بها رب البيت من والد أو نحوه فلا يشرع تعددها في البيت الواحد .
والنهي عن قص الشعر ونحوه متعلق بصاحب الأضحية الذي دفع قيمتها ولو وكَّل أحداً ليتولاها فالحكم مرتبط بالذي دفع القيمة، لا علاقة لمن وكَّله بشرائها وذبحها، وقد ظنَّ بعض الناس أن الحكم يرتبط بالموكَّل وهو يخرج منها، فهمَّ بعض الناس أن يوكل زوجته، أو يوكل أحد أولاده لماذا ؟
ليصير في حل حسب زعمه فيحلق شعره، ويقلم ظفره، وهذا خطأ فتبصروا !. بل الموكَّل بمنزلة الجزار، الذي يذبحها ويقطعها .
كما أن بعض الناس ظنَّ أن من يحج وعليه هدي يذبحه في مكة أنه يمسك من الآن فخلطوا حكم الهدي بجكم الأضحية وليس الأمر كذلك وإنما يمسك من يريد الحج عن شعره وبقية المحظورات من حين إحرامه وعقد النية في الميقات .
وإن كان أحد من الحجاج له أضحية في البلد فلا تمنعه أضحيته أن يقصر، أو يحلق بعد عمرته أو حجه لأنَّ ذلك الحلق أو التقصير نسك في تلك الحال فلا يضر .
كما أن من جهل دخول الشهر، ولم يعلم بدخوله فلم يمسك من أوله فلا حرج عليه حيث أمسك من حين علمه .
وكذا من نوى أن يضحي في أيام العشر فإنه يمسك من حين نيته وضحاياهم تامة إن شاء الله عند ربهم .
فطيبوا أنفساً بضحاياكم ، فاستسمنوها ، واحتسبوا الغلاء في أسعارها فهي من النفقة الباقية، وربما أحدنا أنفق ضعف قيمتها في مناسبة أو أخرى فلا تحرموا أنفسكم ما استطعتم .
واحذروا العيوب التي تمنع من الإجزاء فعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال قام فينا رسول فقال: أربع لا تجزئ في الضحايا : العوراء البين عورها ، والمريضة البينة مرضها ، والعرجاء البينة عرجها ، والعجفاء التي لا تنقي) رواه أحمد والأربعة وصححه الترمذي وابن حبان .
ومعنى قوله (العجفاء التي لا تنقي) أي: التي ذهب مخ عظمها .
فهذه العيوب الأربعة مانعة من الإجزاء فما كان مثلها أو أشد منها فلا يضحي .
فلا يضحي بالعمياء، ولا بمقطوعة إحدى القوائم، ولا بالمجروحة جرحاً خطيراً
وأما ما كان دونها فيجزئ مع الكراهة، كمقطوعة الأذن، أو مشقوقتها، أو مكسورة القرن ، ونحو ذلك
ويجزئ أن يضحي بما فيه ما يسمى بالطالوع وغيرُه أكملُ منه .
ولا بدَّ أيضاً من بلوغها السن المعتبر شرعاً، وهو خمس في الإبل، وسنتان في البقر، وسنة في المعز، ونصف سنة في الضأن
واحذروا رحمكم الله المراءات والتفاخر في الأضاحي، وفلان أضحية بكذا، أو بلغ من طيبها كذا وسمنها كذا، وكذا .
فإن الله تعالى يقول لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه كان النبي يضحي بكبشين أملحين أقرنين ، ويسمي ويكبر ويضع رجله على صفاحهما ) وفي لفظ (ذبحهما بيده ) متفق عليه .
فضحوا رحمكم الله عن أنفسكم وعن أهل بيتكم الأحياء والميتين مخلصين لله مظهرين هذه الشعيرة، وكلوا من ضحاياكم وتصدقوا وأهدوا، واسألوا الله القبول في ذلك .
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين
أما بعد :
فيؤكد القول بمشروعية التكبير في هذه الأيام تكبيراً في عموم الأماكن والأحوال فاحرصوا عليه ، وأظهروه .
ثم من فجر هذا اليوم يوم عرفة لغير الحاج بدأ التكبير المسمى بالمقيد فيكون أدبار الصلوات المكتوبة بعد الاستغفار ثلاثا وقول اللهم أنت السلام ...الخ يكبر التكبير المقيد ثم لا يزال المسلم يكبر التكبير المقيد والمطلق حتى غروب شمس آخر أيام التشريق .
عباد الله: إن مواسم الخير يستقبلها المسلم الجاد بتوبة صادقة، وإقلاعٍ عن الذنوب، ويرى هذه المناسبات من فرص العمر التي قد يدركها مرة ثانية أو لا يدركها .
وقد جرت عادة بعضٍ بل كثيرٍ من الناس في مثل هذه المناسبات، والليالي الفاضلات الاجتماع والتزاور في استراحاتٍ وحدائق يقصدونها ، أو طلعات برية ، وكل هذه في أصلها مباحة يؤجر الإنسان عليها إن نوى بها النية الحسنة من صلة قريبٍ أو زيارة من له حقُّ الزيارة .
ولكن لا يغب عن بالك أنَّ الله مطلع عليك أينما كنت .
فاحفظ يا عبد الله نفسك، واحفظ من تحت يدك من النساء والأولاد ، فإنك مسؤول عنهم .
وإياك أن تتساهل في ملاحظة نسائك من الزوجاتِ والبنات وغيرهن، وأكد على من تحت يدك باللباس الساتر، فقد أخذ الشيطان حظاً وافراً من بعض نسائنا، فتساهلن في لباسهن في أمور يستحيا من ذكرها .
وكم يتفطر القلب حينما ترى أو تسمع عن بنات من عرفوا بالصلاح ومحبة الخير قد لبسن ما لا يليق بهن .
وربما اعتذروا لهن أنهن صغيرات .
فيا سبحان الله كيف تكون صغيرة بنت العاشرة ونحوها وربما تكون بالغة، وأنبتها الله نباتاً حسناً، ثم يطاوعها وليها أن تلبس لباس الفتنة الذي ينشئها على قلة الحياء وعدم الحشمة .
أيها الولي: إن كنت تنظر إلى بنتك بنظرة البراءة والطهرـ فهناك من ينظر لبنتك نظرة المرض والريبة .
وأقول بأسف: وربما يكون من محارمها محل الثقة منك في زمن الانفتاح الإعلامي، والفساد التقني .
فاللهم احفظ نساءنا بحفظك، وابعد عنا الشر وأسبابه .
أيها الإخوة: ومن أعمالكم الفاضلة صلاة العيد فيخرج المسلمون للصلاة مقتدين بنبيهم محمد ، وهي من آكد الصلوات حتى ذهب بعض المحققين إلى وجوبها على الأعيان، والسنة أن يخرج المسلمُ لابساً أحسن ثيابه، وأن لا يأكل شيئاً حتى يرجع إلى بيته ليأكل من أضحيته .
واعلموا أن صلاة العيد تقام في الساعة السادسة وخمس عشرة دقيقة في مصليات العيد الأربعة المعروفة، وفي الجوامع المعلنة وليس منها هذا الجامع إلا أن يكون فيه تغير حوي مانع فيصلى فيه ضمن بقية الجوامع .
أيها الإخوة: يأتي العيد علينا وحالنا كما قال الله تعالى (وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان) .
وحال من حولنا كما قال الله تعالى (ويتخطف الناس من حولهم)
فاللهم احفظ المسلمين بحفظك، وهيأ لأمة محمد من أمرنا رشدا.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك وجميع سخطك .
شارك