• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة يوم الجمعة الموافق 21-2-1431هـ بعنوان تنوعت السرقة

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  17.8K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

 

إن الحمد لله ... أما بعد:- فقد جبل الله النفوس على التعلق بما تملك فطرة إلهية، وصفة بشرية، وحفظ ما فطرها عليه شريعة ربانية، فحرم أخذ مال الغير إلا بطيب و رضا نفس منه (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) ومطالبة الإنسان بماله حق لا لوم عليه فيه، ودفع من صال ليأخذه مشروع ومن قتل دون ماله فهو شهيد . والإنسان مسؤول عن ماله قبل ذلك عن كيفية جمعه ومن أين حصله؟ وما مصدر هذا المال الذي زاد بسببه رصيده فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم \" لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيم فعل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه\"رواه الترمذي وقال حديث حسن . إن جزءا من الأمن الذي امتن الله به عباده بقوله (وآمنهم من خوف) هو أمنهم على أموالهم بعد أمنهم على أنفسهم وأعراضهم ! فتخيل نفسك لا تأمن على مالك، فبضاعتك في محلك لا تدري أتجدها حينما تفتح محلك أم لا ؟ سيارتك عند باب بيتك هل تسعد برؤيتها عند خروجك من بيتك أو لا ؟ بل إن المال الذي في جيبك، وعددته في محفظتك لعلك تتحسس جيبك فلا تجد منه شيئاً !! لماذا ؟ اختل الأمن على المال فوجد مزاحمون لك فيما تملك ! فما أصعب حياة غير الآمنين على أموالهم، لهذا حرَّم الله السرقة . والوقوعُ فيها وقوع في كبيرة، وجعل النهي عنها بنداً من بنود البيعة (إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ألا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن) أيها الإخوة معاشر المغتبطين بنعمة الأمن: إنَّ المجتمع مهما سمت نفوس أفراده، وتشبعت بالتقوى، وتشربت طمأنينة الهدى فلا بد أن يوجد فيه من هو مستخف بالليل وسارب بالنهار، فوجدت السرقة في أوساط الرعيل الأول، وخير قرون الأمة، فصفوان بن أمية رضي الله عنه طَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى ، ثُمَّ لَفَّ رِدَاءً لَهُ مِنْ بُرْدٍ ، فَوَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ فَنَامَ، فَأَتَاهُ لِصٌّ فَاسْتَلَّهُ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ ، فَأَخَذَهُ ، فَأَتَى بِهِ النَّبِىَّ ، صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : إِنَّ هَذَا سَرَقَ رِدَائِى ، فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: أَسَرَقْتَ رِدَاءَ هَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ. قَالَ : اذْهَبوا بِهِ فَاقْطَعوا يَدَهُ \" وقطع النبي صلى الله عليه وسلم \"في مجن وهو الترس، قيمته ثلاثة دراهم\" . وعَن عُثْمَان «أَنه قطع سَارِقا فِي أترجة قومت بِثَلَاثَة دَرَاهِم» . وتكلم العلماء عمن يسرق الموتى، وهو نباش القبور، نسأل الله العافية يحفر القبور ليأخذ كفن الميت، فما أقسى قلبك يا ابن آدم إذا ضعف إيمانك أو عدم . إذا قل الإيمان قلت المراقبة، وذهب الحياء، وإذا لم تستح فاصنع ما شئت، يقع حادث على طريق سريع والناس مشفقون على من وقع عليهم الحادث، يحملون هذا، ويضمدون جرح هذا، ويواسون هذا ومريض القلب الذي تعلقت نفسه بأموال الناس يجد الآن فرصته في هذه الزحمة علَّه يجد محفظة ذهل عنها صاحبها، أو جوالا سقط من يد مالكه وتدحرج يمنة أو يسرة . فهذه نجدته في المواقف الحرجة. وشر البلية ما يضحك! السيول تجرف الناس، وتكفؤ سياراتهم، والمياه تحمل أثاث البيوت، وضعاف النفوس يزاولون ما تمليه عليهم فطرهم المنكوسة . بل بلغ الحال أن طائرة تسقط، وترتطم بالأرض ولا تسأل عن ركابها كان من السباقين إليها السراق وقت الأزمات، ومصائب قوم عند قوم فوائد . فاحتاجت الجهات الإغاثية مع طاقم الإغاثة إلى طاقم حراسة أما بيوت من زلزلت الأرض من تحتهم، فخر عليهم السقف من فوقهم، وماتوا تحت جدران تساقطت، واحتبس بعضهم تحت أنقاض عليهم تهدمت، فلم يفوت السراق الفرصة، ولم تحرك شدة المأساة ساكنا في قلوبهم. وهذا وذاك لتعلم أن السارق عضو فاشل في قومه، لم يستطع ضبط نفسه، استخدم نعمة العقل في أغراضه السيئة، فهو صاحب الحيل، يؤزه الشيطان إليها أزاً . للسارق صبر عجيب في تحين الوقت المناسب حتى لا تضيع الفرصة، فبخبرته الإبليسية ربما كان وضح النهار أنسبَ وقت للسرقة، ووقتُ تجمهر الناس وتوافدهم أسهلَ للهروب من بينهم. وحيلته في سرقة السيارات لا تناسب لسرقة الجوالات، كما لا تناسب في استخراج البهائم من أحواشها، وأسلاك الكهرباء المتوارية في أرضها وجدرانها، وجنوط السيارات من أماكنها. وسرقة الاستراحات والمخيمات فن قد لا يجيده من يسرق البيوت والمحلات . ولا مانع عند السارق أن يدرس المكان مرة أو مرتين ليرى ويراقب الجهة المقصودة في أوقات مختلفة حتى تنجح العملية . فلا تغلبنكم طيبة قلوبكم فتفتحوا بيوتكم، وتصدقوا من ليس أهلا لثقتكم . ومجيء العامل لينظف مسجد الحي المنعزل ويغسل فناءه قرب وقت صلاة الجمعة وقد خلت البيوت من رجالها تصرف مريب، ونحو هذه التصرفات كثير، والإشارة تكفي اللبيب . أيها الإخوة: إن من السرقة أو هو في حكمها سرقة جهود الآخرين فالكفيل لا يعطي العمال أجورهم ظلمهم وسرق جهدهم، والمدير يظهر نفسه أمام مرجعه أنه صاحب العمل وهو الذي قام به وتابعه هو سرقة لجهد موظفيه . وبرامج الكمبيوتر يسحبها ويضيف إليها ما لا يذكر ثم يلغي جهد من تعب عليها نوع من السرقة . وأخذ عوض على عمل لم يقم به، أو انتداب طويل لعمل يسير هو سرقة خفية على الناس، ولكنها لا تخفى على رب الناس . ومحاباتك في تسهيل إعانات الدولة أو تعويضاتها فوق ما تستحق لكونه صديقاً أو قريباً أو ترجو نفعه فيما بعد هي سرقة من مال الناس للناس وشر الناس من ظلم الناس للناس . أيها الأب المبارك: هل فاجأك ولدك بثوب جديد، أو شماغ، أو حذاء نفيس، أووضع في سيارته تجهيزات لا يقوى على مثلها أمثاله . سؤال مفاجئ ! من أين له المال ؟ صحيح من أين له المال ؟ سؤال واضح لا يقبل منك إلا جواباً واضحاً . قد تقول: ربما وجد مالا ساقطاً، أو من زملائه الذين لا يقصرون معه ! كل هذا صحيح ومحتمل، ولكنه ليس هو الجواب فلا تقرب الأبعد، وتبعد الأقرب . أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ... أما بعد:- فلقد تورطت ثلة من أبنائنا وهم في عمر الزهور، لتوها تفتحت، أسرهم معروفة، وآباؤهم وأجدادهم من خيرة الرجال تورطوا في الاستخفاف بحقوق الآخرين، وخفت أيديهم، وتنوعت سرقاتهم، وإن كنت غافلاً مستبعداً فمحاضر التحقيقات في الجهات الأمنية تحزن بعد أن تظهر و تبين . وفي هذا المقام نتساءل لم سرق هؤلاء ؟ لا نختلف أن التربية أساس في هذا فهل قمنا في بيوتنا ومدارسنا بتوعية أبنائنا عن السرقة، وصار حديث جلستنا في إحدى المرات أن من ضعفت مراقبته لله هانت عليه السرقة، ولا يسرق إلا ضعيف الإيمان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن) ونحو هذه المعاني العظيمة الإيمانية التي تغرس في قلوبهم . ثم عرفهم حد السرقة وأن السارق تقطع يده من مفصل الكف، تطبيقاً لقوله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم) . أيها الآباء: من أسباب السرقة التقصير في النفقة فالولد المراهق له حوائجه ويحب أن يجاري زملائه في أمورهم. وعقله مرتبط بتحقيق ما أراد مهما كانت العقبة، وأخذ المال من الغير طريق سهل، عاقبته سعة ومال هكذا يفكر. فتنبه أيها الولي المنفق: لا يكن في إنفاقك على أولادك تقتير وأنت قادر، فيلجؤون إلى طرق ملتوية. وخذ بتوجيه الرب جلا وعلا وهو العالم بنفسية هؤلاء المراهقين الأبناء بعد أن سماهم سفهاء، أي: خفيفين في تصوراتهم العاجلة والآجلة يقول الله تعالى (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً وارزقوهم فيها واكسوهم) - فإن ضاقت الحال، وقلت ذات اليد (وقولوا لهم قولا معروفاً) أيها الإخوة: قاتل الله الغش بكل صوره . مما قد يشاهده أبناؤنا أفلام عن جرائم السراق، وكيف انتعش السارق بمال سرقه؟، وفي الأخير خرج منتصراً على من يلاحقه من جهات الأمن واستطاع أن يهرب من رجال الشرط ... ولا تعليق عندي على ذلك!. لبست السرقة في أزمنتنا لباساً جديداً هو من أسوأ بل والله هو أسوأ السرقة، سرقة مال ودين . (خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين) . فالاتصالات الهاتفية الخارجية برسوم مضاعفة أو غير مضاعفة . على من ؟ على رجال الشعوذة والسحرة ليخبروك بحظك، أو يكشفوا زاعمين ضرك هؤلاء سرقة المال والدين . والخطوط الساخنة الدولية التي يهاتف بها شبابنا من يسهل له الفاحشة من العاهرات، فيغرق المسكين بالكلمة، وتتمكن منه المصيدة، وتملى عليه خطوات الرذيلة في اتصالات طويلة فيسرق ماله ودينه . مَن وراء هذه ؟ إلا شبكات الانحلال المدعومة، وعصابات أعداء الفضيلة. ناهيك عن اشتراكات القنوات المشفرة، والمواقع المحجوبة. (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) . ختام الكلام توبة إلى الملك العلام الذي سترك أيها السارق فأنت في منأى من سلطة القضاء. فهلا توبة تصدق بها مع ربك (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً) ثم تدعو (اللهم أغنني بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك) ومن تاب تاب الله عليه ولكن من شرط توبتك أن ترد الحق لصاحبه مهما كان ومهما بلغ قدره. فإن قويت على أن توصله بنفسك ولم يترتب على ذلك مفسدة فافعل وسله العفو عن حبس ماله عندك، وترويعه بفقده . وإن شق ذلك وخشيت الفتنة فوسط ثقة يتولى معالجة الموضوع معه . وإن كان ما أخذت ليس عندك فاعلم أنه دين في ذمتك اجتهد في جمعه وإرجاعه أو طلب العفو من صاحبه. فإن لم تعلم صاحب الحق أو تعذر الوصول إليه حقيقة فأخرجه صدقة بنية التخلص منه ويكون صدقة لصاحبه، والله يتولى ما وراء ذلك . بقي معنا ملف أولئك الذين تواطؤا وسرقوا ومكن الله رجال الأمن منهم فهم في السجن مودعون وبعضهم يبكي وآباؤهم يبكون، والشفعاء يصبحون عندك ويمسون فهل تعفو عنهم، وتبتغي الأجر بعد ذلك من الله ؟. فأقول: لا تعف عنهم، وليس لك أجر عند الله بعفوك إلا إن حققت شرط الله عز وجل (فمن عفا وأصلح فأجره عند الله) فهل عفوك فيه إصلاح لهذا السارق وترى أن ما مضى كاف في تأديبه وردعه. لا تستعجل وتابع الموضوع واستشر . ولا تهولنك دموع التماسيح، ولا شفاعة الشافعين والأجر قد يكون في عدم العفو أكثر إذا في موضعه . وثم على الشفعاء ألا يسعوا إلا في شفاعة يرجى نفعها، وإذا بلغت الحدود ولي الأمر وهو القاضي فلا تجوز الشفاعة فعن عائشة رضي الله عنها قالت : كانت مخزومية تستعير المتاع وتجحده ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها ، فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه فيها ، فكلم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ( يا أسامة لا أراك تشفع في حد من حدود الله تعالى ) ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً فقال ) إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها فقطع يد المخزومية ) متفق عليه . اللهم احفظ علينا ...

 



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 09:35 مساءً الثلاثاء 1 يونيو 1446.