خطبة الجمعة 19-10-1435هـ بعنوان دروس غزوة أحد
د.عبدالرحمن الدهش
10-20-1435 03:39 مساءً
0
0
1.9K
الحمد لله يعز من يشاء ويذل من يشاء ، ليعلم الذين آمنوا ويتخذ الشهداء .
يداول الأيامَ ليمحص الذين آمنوا ويمحق الكافرين الأعداء .
وأشهد ألا إله إلا الله يعلم المجاهدين الأتقياء ، والمنافقين الدخلاء .
وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله فضله الله على الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الصابرين في البأساء والضراء .
أما بعد :-
فقد هزم المشركون في رمضان في غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة النبوية ، وساق الله في تلك الغزوة أشراف قريش إلى مضاجعهم ، وأصيبوا بمصيبة لم يصابوا بمثلها .
فلمَّا كان من العام القابل في السنة الثالثة في شهر شوالٍ أرادت قريش أن تسترد هيبتها ، وتثأر لقتلاها ، فانضمَّ إليها كل ناقم على الإسلام وأهله ، فأقبل الجيش الثائر بقيادة أبي سفيان ولما يسلم بعد - في نحو ثلاثة آلاف مقاتل ، قاصدين المدينة فنزلوا قريباً من جبل أحدٍ .
الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم " أحد جبل يحبنا ونحبه "
فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أيخرج إليهم أم يمكث في المدينة ؟
فاستقر رأي النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجَ إليهم بعد أن ألح عليه جماعة من فضلاء الصحابة الذين فاتهم الخروج يوم بدر .
فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في نحو ألف من الصحابة فبدأ حينئذ الامتحان ليميز الله الخبيث من الطيب فرجع رأس المنافقين عبد الله بن أبي ابن سلول رجع أثناء الطريق بثلث الجيش مدَّعياً أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأخذ برأيه في المقام في المدينة !!
فتركه النبي صلى الله عليه وسلم ، ومضى بالبقية المؤمنة وهو نحو سبعمائة حتى نزلوا ساحة جبل أحدٍ فصفَّ النبي صلى الله عليه وسلم الجيش وجعل ظهره للجبل ، ووجهه للمشركين ، واختار خمسين رجلاً من أصحابه وأمَّر عليهم عبد الله بن جبير الأنصاري وأمرهم أن يحموا ظهر الجيش ، وقال لهم : انضحوا الخيل عنا بالنبل، لا يأتونا من خلفنا ، وأكَّد عليهم ألا يفارقوا أماكنهم ، ولو رأوا رأوا الطيرَ تتخطفُ العسكر .
وأعطى النبي صلى الله عليه وسلم راية الحرب الصحابي مصعب بن عمير الصحابي الشاب رضي الله عنه .
ثم جمع الله بينهم وبين عدوهم فبدأ القتالُ ، وكان النصر أوَّل النهار للمسلمين على الكافرين ، فقتلوا منهم عدداً ، وولى الباقون مدبرين .
ثم أراد الله أمراً آخر لحكم عظيمة وأسرارٍ خافية فهيأ سببه فانغمس المسلمون في أخذ الغنائم ، وجمعها ظانين أنَّ المعركة انتهت ، فرأى صنيعهم ذلك مَن ورائهم ممن يحمون ظهورهم من الرماة، فقالوا : ماذا نفعل وقد نصر الله رسوله ؟
فتنادوا : الغنائم ! الغنائم !
فذكرهم أميرهم تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم على البقاء مهما كانت الحال ، فلم يسمعوا وظنوا أن ليس للمشركين رجعة !
فذهبوا في طلب الغنائم وأخلوا الثغر، فنزل أربعون منهم والتحقوا بسواد الجيش، ولم يبق على جبل الرماة إلا ابن جبير وتسعة معه، عندها انتهز خالد بن الوليد هذه الفرصة، وكان وقتها في جيش المشركين فاستدار بسرعة خاطفة حتى وصل إلى مؤخرة الجيش الإسلامي، فلم يلبث أن أباد عبد الله بن جبير وأصحابه، ثم انقض على المسلمين من خلفهم وصاح فرسانه بالمنهزمين من جيش المشركين ، فكرَّ فرسان قريش فوجدوا المكان خالياً فأحاطوا بالمسلمين فاضطربوا لهول المفاجئة .
ففرت طائفةٌ منهم ، واختلطت طائفة بالمشركين !
وقتل مصعب بن عمير حامل راية المسلمين حتى أخذها علي بن أبي طالب رضي الله عنه -
فنادى النبي صلى الله عليه وسلم بأعلى صوته : إليَّ عباد الله ، إليَّ عباد الله
فعلم المشركون مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فوصلوا إليه فجرحوا وجهه الشريف ، وكسروا رباعيته ، وهشموا البيضة - وهي ما يوضع على الرأس في القتال هشموها على رأسه ، ورموه بالحجارة حتى وقع لشقه، وسَقَطَ في حُفْرة ، حتى أخذ بيده أصحابِه صلى الله عليه وسلم، وأحاطوا به في سرعة هائلة في لحظات خاطفة فبالغوا في وقايته ورد هجمات العدو عنه ، فثبَّت الله المؤمنين وربط على قلوبهم واستردوا مواقعهم، ورَدَّ الله عنهم ما لا قدرة لهم به فانسحب المشركون بعد أن نالوا من المسلمين وانتهت المعركة بعد أن قتل من المسلمين سبعون رجلاً أكثرهم من الأنصار ، وقتل في هذه الغزوة أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن جحش فدفنا جميعاً في قبر واحد .
فلما انقضت المعركة أشرف قائد المشركين أبو سفيان على الجبل ، فنادى : أ فيكم محمد ؟ فلم يجيبوه !
أ فيكم ابن أبي قحافة ؟ فلم يجيبوه !
أ فيكم عمر ؟ فلم يجيبوه ! إهانة له واحتقاراً .
ولم يسأل إلا عن هؤلاء الثلاثة لعلمه إنَّ قوام الإسلام بهم!
ثم قال : أما هؤلاء فقد كفيتموهم !
فلم يملك عمر رضي الله عنه نفسه فقال :
كذبت ، يا عدو الله، إن الذين ذكرتهم أحياء ، وقد أبقى الله لك ما يسوءك !
ثم قال أبو سفيان : أعل هبل !
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ألا تجيبونه ؟
فقالوا : ما نقول ؟
قال : قولوا : الله أعلى وأجل .
ثم قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزَّى لكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ألا تجيبونه ؟
قالوا: ما نقول : قال: قولوا: الله مولانا، ولا مولى لكم !
فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإجابته لمَّا افتخر بآلهته، وبشركه !
ولم يأمرهم بإجابته لما قال أ فيكم محمد ؟ أ فيكم ابن أبي قحافة ؟ أ فيكم عمر ؟ بل قد ورد أنه نهاهم عن إجابته .
ولما أجابه عمر أسقط في يده وخاب ظنه ، وعاد فخره ذلاَ وغيظاً !! فلله الحمد على ما قدر .
( أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إنَّ الله على كلِّ شيء قدير )
الحمد لله ربِّ العالمين ..
إن ما شهده الصحابة مع نبيهم يشهده المسلمون بسبب ذنوبهم كل يوم وكلَّ، لحظة غثاءٌ كغثاء السيل تداعت عليهم الأمم فلئن تخلف النصر عن الصحابة بسبب مخالفة اجتهدوا فيها وليس لهم حق الاجتهاد بعد نصِّ النبي صلى الله عليه وسلم
فأني ينصر المسلمون وهم يصبحون ويمسون على ما يغضب الله إلا من رحم الله
كيف ينصر المسلمون وقد ظهر فيهم الفساد، وكثر الخبث ؟
كبف ينصر المسلمون بعد أن ترك طائفة منهم ليست بالقليلة الصلاة تركاً كلياً ناهيك عمن تخلف عنها في المساجد .
فلقد كان من رواد المساجد ثم ها هو يستجد علماً، يتبعه العمل لا يتأخر!!
فيختار أن يصلي كما تصلي زوجته وبناته يصلي في البيت، فأين هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم (هل تسمع النداء ؟ قال نعم، قال فأجب !!)
وإن المصلين في البيت مع إثمهم بتخلفهم عن الجماعة حيث تبين الدليل .
مع إثمهم فصلاتهم في بيتهم مظنة لتأخيرها لهم عن وقتها، وسبب لنقرها وعدم الطمأنينة فيها، وهو مدعاة للزهد في صلاة غيرها فلا أظن متخلفاً لغير عذر سيكون من المحافظين على الرواتب القبلية والبعدية بعد أن رخصت عنده الفريضة .
كيف ينصر المسلمون وهم إن أتاهم ربا أخذوه .
وإن دعوا إلى ما يفسد أخلاقهم، ويقضي على مروءتهم قبلوه ؟
كيف يرجى النصر للمسلمين، وقد ظلم طائفة منهم أزواجهم ؟
وقد ضيَّع آخرون أولادهم وفرطَّوا برعاية أسرهم .
إن الأمة التي يتغاضى أبناؤها عن أخطائهم ويبررون شرودهم عن ربهم، ويتلمسون العذر لمعاصيهم، وسفههم لهي أمة تستمسك بأسباب الذل والهوان .
نعم يقول النبي صلى الله عليه وسلم كل بني آدم خطاء، ولكنه قال بعدها (وخير الخطائين التوابون) ففتح باب التوبة والاستغفار والعودة إلى الله .
فالتمكين في الأرض والنصر على الأعداء وعودة الهيبة إلى الأمة مربوط بعودتها إلى ربها لأنَّ التمكين من الله (الذين إن مكناهم في الأرض) ولن يعطيه من لم يقم لشرعه ميزانا، وأول مراحل ذلك أن تقيم لشرع الله ميزاناً في قلبك تعظيما لحرماته وتركاً لمنهياته .
شارك