إن الحمد لله ...
أما بعد :-
فإنَّ الله فاضل بين العباد في هذه الدنيا، وجعل الآخرة أكبرَ درجاتٍ ، وأكبرَ تفضيلاً .
بسط الرزق وقدَره على آخرين ليبتلي الغني بالفقير والفقير بالغني ، وإنَّ من عباد الله من لو أغناه الله لأفسده الغنى ، ومنهم من لو أفقره لأفسده الفقر، وربك يخلق ما يشاء ويختار
عباد الله :
إنَّ من أوجب أعمالكم وأفضلها عند ربكم خصوصاً في شهركم هذا هي زكاة أموالكم بأدائها تؤدون الركن الثالث من أركان دينكم، وتطهرون بها أموالكم وأنفسكم (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) وقال صلى الله عليه وسلم " إن الصدَّقة لا تنبغي لآل محمد إنما أوساخ الناس " رواه مسلم
فاستعينوا الله - يا عباد الله على أداء زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم ، منشرحة بها صدوركم ترون فضل الله عليكم بذلك ، وأن جعلكم معطين لها لا آخذين منها ، واليد العليا خيرٌ من اليد السفلى ، وإن زكاة المال وإن نقصت مقداره ظاهراً ، ولكنها زادته بركة وحفظاً ، كما قال صلى الله عليه وسلم " ما نقصت صدقةٌ من مالٍ"
وروى الإمام أحمد بسند جيد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "كل امرئ في ظلِّ صدقته يوم القيامة حتى يقضى بين الناس"
ثم اعلموا أن الله أوجب الزكاة في أربعةِ أشياء :
الأول : الخارج من الأرض من الحبوب والثمار إذا بلغت ثلاثمائة صاعٍ، وتساوي ستمائة واتني عشر كيلو، فمن بلغ حبه أو ثمرة نخله هذا المقدار ستمائة واثني عشر كيلو ففيها الزكاة وهي العشر كاملاً إن كان يسقى بلا كلفة، أو نصف العشر إن كان بكلفة وهي واقع الحال الآن .
ومن ذلك أيضاً أن توجد نخيل في بعض البيوت أو الاستراحات تبلغ ثمرتها هذا المقدار فهذه تزكى، وبعض الناس قد لا يتفطن لها .
ومن باع ثمرة نخله أو صار يأكله ويوزع منه فعليه نصف عشر قيمته .
الثاني : مما تجبُ فيه الزكاة بهيمة الأنعام ، وهي الإبل والبقر والغنم .
فتزكى إذا بلغت النصاب الذي حدده الشارع إذا كانت ترعى في الصحراء كل السنة أو غالبها .
وفي سنوات المتأخرة قل الرعي في بلادنا أو انعدم، وأصبح صاحب البهائم يعلف بهائمه فهذه لا زكاة عليها، إلا أن تكون للتجارة فيزكيها زكاة عروض تجارة، بمعنى أن ينظر في قيمتها ويخرج ربع عشر قيمتها بغض النظر عن عددها .
الثالث : الذهبُ والفضةُ سواء كان نقوداً أو تبراً ، ونصابُ الذهب خمسةٌ وثمانون غراماً ، ونصاب الفضة خمسمائة وخمسةٌ وتسعون غراماً ، فإذا قال الصاغة : إنَّ الذهب أو الفضة يساوي ما ذكر وجب أن يخرج ربع عشْرِهِ .
ويدخل في هذا الحلي الذي تلبسه المرأة فإنه إذا بلغ النصاب يجب أن يزكى، وهذه المسألة اختلف العلماء فيها قديماً وحديثاً، والأحوط في ذلك إخراج الزكاة، والعامة عليهم اتباع علمائهم الذين أمر الله بسؤالهم (فاسألوا أهل الذكر )
وهذا ما كان يفتي به الشيخان عبد العزيز بن بازٍ ، ومحمد بن عثيمين رحمهما الله تعالى
والأوراق النقدية التي بأيدي الناس اليوم هي بدلٌ عن الفضة فمن ملك ما يعادل ستة وخمسين ريالاً عربياً من الفضة، وجبت عليه الزكاة .
رابع الأموال الزكوية وآخرها : عروض التجارة، وهي كل ما أعده الإنسان للتكسب والتجارة من عقار وحيوانٍ وطعامٍ وسيارات وغيرها ، فيقومها الإنسان عند رأس الحولِ ، ويخرجُ ربع عشرِ قيمتها .
ولا ينظر لقيمة شرائها قلت أو كثرت ، فلو اشترى سلعة بعشرة آلاف مثلا وعند نهاية السنة لا تساوي إلا ثمانية آلاف فقط، فإنه يزكي ثمانية آلاف فقط، وزكاتها مائتا ريال، فعلى أصحاب محلات الألبسة والبقالات وقطع الغيار، وغيرهم أن يحصوا بضائعهم إحصاءً دقيقاً شاملاً، فإن شقَّ عليهم فإنهم يحتاطون ويخرجون ما يكون به براءة ذمتهم .
والسؤال كثير عن زكاة الأسهم فالعلماء يقولون:
المساهمون لا تخلو أحوالهم من إحدى حالين :-
الحال الأولى : أن يكون قصد بالمساهمة الربح السنوي الذي تعطيه الشركة فهذا يزكي ما يقبضه من الأرباح دون قيمة الأسهم فلو قدر أنَّه ساهم بعشرة آلاف ثم جاءه من هذه الشركة بعد سنة ألفان فإنه يزكي الألفين بمقدار ربع العشر (اثنين ونصف في المائة) ولا يزكي العشرة التي هي رأس المال .
الحال الثانية : الذي يضارب في الأسهم أي : يبيع ويشتري في الأسهم ويتحين الفرص في زيادتها فهذه أسهمه عبارة عن عروض تجارة فعليه أن يزكيها زكاة عروض تجارة فإذا مرَّ عليه الحول فلينظر ماذا عنده من الأسهم ؟ وكم تساوي في السوق ؟ ، أي قيمتها السوقية فيخرج ربع العشر من قيمتها .
فلو كانت أسهمه التي يضارب بها قد اشتراها بعشرة آلاف والآن لا تساوي إلا خمسة فيزكي الخمسة فقط وهي قيمتها في السوق ، أو كانت زادت فصارت تساوي خمسة عشر فيزكي الخمسة عشر .
وإذا باع المساهم أسهمه في أثناء الحول ضم ثمنها إلى ماله وزكاه معه عندما يجيء حول زكاته.
وفيما يخص المساهمات المجمدة كالأراضي التي ساهم فيها الناس ثم تعرقلت أو وقفها صاحبها ينتظر زيادة السوق فهذه يزكي قيمة السهم ويسأل أهل الخبرة كم تساوي أسهمه لو باعها ؟.
وإذا لم يكن عنده سيولة مالية ليدفع الزكاة فعليه أن يوثق مبلغ الزكاة كتابة حتى لا ينسى وحتى تعلم الزكاة من بعده لو مات ثم لا حرج عليه أن يؤخرها حتى يباع العقار فيزكي ولو تكرر هذا لعدة سنوات . ومما هو داخل في الأسهم ما يسمى بالجمعيات التي بين الموظفين أو المدرسين فعلى كلِّ شخص أن يحصي نصيبه ويزكيه . فهذه يا عباد الله الأموال التي تجب فيها الزكاة ولا زكاة فيما عداها .
فلا زكاة فيما أعده الإنسان لحاجته من طعام أو أثاث ، أو سيارات ، أو عقار إلا أن يعده للأجرة فالزكاة في الأجرة إذا حال عليها الحول ، وإن أنفقها قبل مضي الحول فلا زكاة عليه .
وكذا لا زكاة على الإنسان فيما يشتريه من أراضي ليمسك بها ماله .
اعرفوا رحمكم الله ما تلزم معرفته من أحكامِ دينكم خصوصاً ما تعلق به حقُّ الغير من الفقير ونحوه ، واسألوا أهل العلم عما يشكل عليكم لتعبدوا ربكم على بصيرةٍ من أمركم .
فإن صرف الزكاة في الأصناف الذين ذكرهم الله فريضة لازمة لا يجوز تعديلها أو صرفها إلى غيرهم ، فالفقراء والمساكين وهم الذين لا يجدون كفايتهم حتى ولو كان لهم رواتب ثابتةٌ مادامت رواتبهم قليلةً يعطون من الزكاة ما يسد حاجتهم ، وما كان أحوج منهم فهو أولى ومن كان ذا قرابةٍ فهو أولى أيضاً من غيره ؛ لأنها تكون حينئذ صدقةً وصلةً ما لم تكن نفقته واجبة عليك كالزوجة والأولاد ، فالواجب إغناؤهم بالنفقة عليهم، ولكن يجوز قضاء الدين عن الولد أو الوالد وغيرهما ؛ لأن قضاء الدين أمر زائد على النفقة ، وفي الصحيحين أن زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه - أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله إنك أمرت بالصدقة ، وكان عندي حلي فأردت أن أتصدق به فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدق به عليهم ، فقال : النبي صلى الله عليه وسلم صدق ابنُ مسعود ، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم .
فاجتهدوا - رحمكم الله أن تكون الزكاة في موقعها، وأن تصل إلى أهلها، وتعرفوا على أصحاب الحاجات المتعففين . من الأرامل ، وأرباب الأسر الكبيرة ، ومن أقعدهم مرضٌ أو غيره .
ألا وإن من آكد مصارف الزكاة صرفها للشعوب المنكوبة، والأسر المشردة في سوريا وغيرها .
فرج الله همهم وكشف كربهم .
أيها الإخوة: جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر".
ألا فليتق الله أناس قلَّ دينهم، وضعفت غيرتهم فصاروا يطوفون الأسواق في نسائهم وأطفالهم يستكثرون من متاع الدنيا .
فهؤلاء يأتون يوم القيامة وليس في وجوههم مزعة لحم، وإنما هي عظام تلوح . نسأل الله العافية والسلامة .
الحمد لله ...
أما بعد:-
فكم وددنا أن تقتصر خطب منابرنا ومواضيعنا في هذا الشهر المبارك على ما يحتاجه الصائمون من أحكام صيامهم وأمور زكاتهم، وبيان شيء مما يرفع هممهم للطاعات، واستغلال نفائس هذا الشهر في عموم القربات، وندع ما سوى ذلك اتكالا على ما يحدثه الصوم من انكسار النفوس، وما تبعثه التقوى من رغبة عن الشر، وتعظيم لحرمات الله، واحترام لحقوق عباده .
إلا أن أمراً مهماً وحدثاً جللا لا بد أن يعطى حقه بوضوح العبارة، وبسط القول بما يفهمه كل أحد، ويتبصر به كل ذي عقل ورَشَد .
أيها الإخوة: بعد أن نامت الفتنة ما شاء الله أن تنام، وكان ثمنها ثلة من أبناء هذا الوطن على مدى سنوات خلت، أزهقت فيه أرواحهم، وطعنوا بيد الغرد والخيانة !!
ها هي الفتنة تستيقظ في بلاد شرورة محدثة شرارة جديدة لنسمع عن أبناء الأمة من يكيدون الأمة، ويخدمون أعداءها، ليشمت الحاسدون، ويتشفى المغرضون .
فيقتل جنود صائمون، لربهم ساجدون .
رحمهم الله برحمة من عنده، وكتبهم في عداد الشهداء .
وجبر مصابنا بهم، وعوض ذويهم طمأنينة في قلوبهم، ورفعة في درجاتهم.
أما القتلة المجرمون فأين هم من قوله تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا قيها وغضب الله ولعنه وأعد لهم عذاباً عظيماً) ؟
وأين هم من قوله صلى الله عليه وسلم " لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصِبْ دماً حراماً " رواه البخاري .
والنصوص في تعظيم دماء المسلمين، بل وفي تعظيم أموالهم وأعراضهم أكثر من أن تذكر في هذا المقام!
نعم أيها الإخوة هؤلاء القتلة لا يحتكمون إلى ما تحتكم إليه، وإن كنت ترى أن فعلهم وقتلهم إجرام وعدوان فهؤلاء بعد أن غسلت أدمغتهم يرون فعلهم قربة وجهاداً يطلبون فيه الرضوان .
هل مرَّ بك هذان البيتان:
يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره حينا فأحسبه أوفى البرية عند الله ميزانا
هذا البيتان لم ينشدا في قاتل أبي جهل، أو قاتل مسيلمة الكذاب ولكنها قيلت في حق قاتل أمير المؤمنين، وخليفة المسلمين علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
وقد قتلوا قبل ذلك الخليفة العابد صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه!!
إذن التاريخ يعيد نفسه، والخوارج الخارجون في صدر الأمة الإسلامية هم الخوارج في مراحل الأمة وعلى مدى الأزمنة قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم)، (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان) .
وقد سلم من خوارج هذا العصر أهل الأوثان من اليهود والنصارى والرافضة والحوثيين المفسدين
ونحن نحاكم الأفعال ولا تغرنا العمائم والأسماء !!
(ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم)
أيها الإخوة: سنة الله ماضية، وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم واقع لا محالة .
وإن أسوأ الاختلال اختلال الفكر، وزيغ القلب، فيعجب الإنسان بشطط من الرأي، ويفتن برديء من التوجه، حينها تعظم النازلة (والفتنة أكبر من القتل)، (والفتنة أشد من القتل)
فكان لزاماً على الإنسان في هذه الأزمنة المتسارعة بأحداثها، وغِيَرِها أن يسأل ربه بإلحاح ألا يزيغ قلبه، وأن يريه الحق حقاً ويرزقه اتباعه، وأن يريه الباطل باطلا ويرزقه اجتنابه .
ثم علينا معاشر الآباء ومعاشر الأبناء والإخوان علينا أن نتبصر في أمرنا !
وكم نأسف أن كان بعض وقود هذا الفكر الخارجي التكفيري طائفة من أبنائنا وممن عاشوا في بلادنا !!
كيف استزلهم الشيطان واستدرجهم إلى حياض الغلو الخسران ؟.
خطوات يتبع بعضها بعضاً تبدأ بإظهار الغيرة على الأمة، وتعظيم المنكرات والاحتساب في إنكارها، واتهام من عارضهم بالمداهنة وموالاة أصحاب المعاصي، ثم مع الإصرار تكون رضا بالمنكر وهذا كفر ومن لم يكفر الكافر بزعمهم فهو كافر، والعاملون عند الكافر مقرون له ومساندون له فهم كفار .
ومن يناقش كفر هؤلاء ويبرئهم فهو كافر مثلهم، فكفر بذلك الراعي ومن لا يوافقهم من الرعية فلا بيعة ولا سمعاً ولا طاعة .
والعاملون في مصالح الدولة كفار لأنهم معينون على تمكن الكفرة، هذا في الوظائف المدنية أما الوظائف العسكرية فالكفر فيها واضح مستقر عندهم.
وعلى كل هؤلاء أن يعلنوا توبتهم وإلا فأحكام الكفار تطبق عليهم بمقتضى الشريعة حسب فهم !
هذه سلسلة التكفير، لم يزد فيها حلقة واحدة، بل هذه سراديبه ليست من نسج الخيال، أو من مبالغات المقال، وواقع هؤلاء أكبر بيان لحقيقة الحال .
لذا بيان فساد هذا الفكر وخطره ومدارسة الأبناء بحقيقته من آكد ما يكون فإن وافقت عقلا متلوثاً بشيء من هذا فلعلها تغسل درنه، وتربط على قلب صاحبه.
وإن صادفت عقلاً سليما فلعلها تكون له من باب عرفت الشر لا للشر ولكن لأتقيه .
أيها الإخوة: ثمار هذه المكاشفات وصريح المناقشات أن توضع الأمور في مواضعها الصحيحة وتبطل دعوى المتخاذلين في أمتهم الذين يخوفون عبر مقالاتهم ولقاءاتهم يخوفون من الإسلام وينسبون أخطاء بعض المسلمين إلى الإسلام، ويلاحقونهم بتصنيفات استوردوها إلى مجتمعنا .
ثم يخلطون الأوراق ويلمزون الجهاد الإسلامي الصحيح، ويستخفون بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما تخفي صدورهم !
وقانا الله شرهم ورد كيدهم فساداً في أمرهم، وخيبة في تطلعاتهم .
(وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلون)
أيها الإخوة: لنعتصم بديننا، ولنوحد صفوفنا، ولنحذر تحزباً يضعفنا، ويذهب قوتنا فالحق مقبول ممن أتى به، والباطل مردود على صاحبه وإن احتفى به .
ولنضع أيدينا في أيدي ولاة أمرنا نصحاً وإخلاصاً في السر والعلن، ودعاء في ظهر الغيب .
ولنأخذ العبرة ممن حولنا، ولنحذر أن يغير الله علينا بذنوبنا، (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) .
اللهم إنا نعوذ من زوال نعمتك .....