الحمد لله خلق الإنسان في كبد، وجعل الحياة مزرعة لحياة الخلود والأبد .
وأشهد ألا إله إلا الله الواحد الأحد، وأشهد أنَّ محمد عبده ورسوله قام بدعوته حق القيام واجتهد .
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي الرأي والرشد .
أما بعد :-
فبدأت التحديات عقب الامتحانات ...
وتعالت أمواج الصراعات، وتعددت في هذه الأيام الجبهات، وانفتحت على الناس الثغرات، وتقاربت الخطى فلا خيار من المواجهات .
أجل أيها الإخوة : إنها مواجهات وتحديات للآباء والمربين والمستهدف بهذه الأمواج هم الأبناء والبنات
أقول : ما أن يتنفس الأولياء صُعُداً من فراغ أبنائهم من دراساتهم ويتوج هذا الاسترخاء بنتائج نجاحاتهم إلا ويكتشفون أنهم فرَغوا ولم يفرغوا، وخف شغلهم وانقضى همهم ولم تخف مسؤوليتهم وينته دورهم .
أيها الإخوة : هذه حقيقة الإجازة السنوية الدراسية موسم متكرر بقدر ابتهاجنا بها نحمل همَّا لها .
فلقد كنت أيها الأب تمنع أولادك من الخروج بحجة الدراسة والامتحانات، وتعاتبهم من التفريط في أوقاتهم والسهر في ليلهم حتى لا يضيعوا مستقبلهم ويفرطوا فيما ينفعهم .
فلقد تحملت المدارس حملاً تبين ثُقْله لما تخلت عنه، ورَعَت أمانة كبرى عرف كِبرها لما أسندتها إليك ، وقالت: هاهم أبناؤك أمانة عندك إلى عام دراسي قادم .
أيها الأب المبارك : لعلك أدركت الموضوع، وأدركت معه أنَّ التنصل من المسؤولية ليس حلاً لها بل يزيدها تعقيدا ويعطي فرصة للعبث فيها .
ألا وإنَّ جزء الحل الأكبر في إدراك المسؤولية .
نعم، قد لا تحصل الحلَّ الذي يرضيك عن ابنك من كل وجه ولكنَّ إمساك بعض الشيء خير من إضاعة الشيء كله، وإنَّ مما نخافه أن تكون حالنا مع الإجازة كحال التي نقضت عزلها من بعد قوة أنكاثاً .
لم يعد سراً أن نقول إن كثيراً من أبنائنا ليسوا على مستوى الوعي الكافي لما يخطط بهم، ولما يستجرون إليه فهم من السطحية في التفكير بمكان مكين، وعندهم من الانقياد لتفاهمات الأمور والتقليد لكل جديد القابلية المزعجة، ناهيك عن كون يعضهم مظنة لتزل قدم بهم بعد ثبوتها فمراقبة الله قد تضعف في نفوسهم، وحسبانهم لعواقب الأمور وتقديرهم للنتائج قد لا تبلغه أحلامهم مع هذا الضخ الهائل لأسباب الزيغ، والترويج للفتنة مضاف إلى ذلك تيسر المادة، والانفتاح على العالم الآخر فلم تعد منكرات الشعوب وفساد الأمم ومناظر السفهاء والمنحلين لم تعد تتطلباً سفراً للوقوف عليها، ونقلةً للوصول إليها بل بضغطة رز على جهاز الحاسب أو لمسة على أحد الجوالات الذكية ترى الدنيا بعجرها وبجرها بين يديك، وبحركة تقنية يسيرة تندلع إليك مناظر السوء و الحياة البهيمية على شواطئ البحار وأماكن الاختلاط .
هذه بعض الإشارات لما يخدر به شبابنا وإن شئت قل: وكهولنا فالسيل جارف، والعدو جاد في إنزالنا واستزلالنا .
ولا بدَّ أن نكون على مستوى المسؤولية وعظيم المكيدة .
فأول ما ننبه إليه الأولياء في بداية بحر فراغ الإجازة أن يتقربوا من أولادهم ذكورهم وإناثهم انفق من وقتك للجلوس مع أولادك واطلب من أولادك الجلوس معك فلا تتنازل عن ذلك مهما تعللوا وبأي أمر تعذروا فهم يجلسون مع رفاقهم الساعات الطوال، ومع هذا لا يكن ذلك فرضاً فتتحول الجلسة إلى جلسة كره وإجبار بل جلسة ودِّ تتفقد أحوالهم وتسألهم عن رفاقهم وتذاكرهم بعض مشاكل الشباب وكيف يتوصل أرباب المخدرات إلى الشباب الغافلين، وما هي حيلهم في تيسير الفاحشة في أوساط الصالحين !؟
ومضار التعرف على الكبار من الصغار ، وبعض ما يجري في الاستراحات .
فإن وفقت في هذا ومع ذلك لن نقف إلا على معشار ما عندهم فثمت ما يخفونه قصداً وآخر بغير قصد ومع ذلك هو فتح أسري عظيم وباب شر توصده عن أبنائك وتنبيه ما أشدَّ حاجتهم إليه! .
وإذا عوَّدت أولادك على مثل هذه الصراحة في الحديث فسوف يزول ستار الهيبة المشينة، وسوف تسمع منهم أخباراً وقصصاً سمعوها وحوادث عرفوها ما يؤكد لك أهمية القرب منهم والسماع لهم ، ولن تشح عليهم بوقتك فيما بعد .
إنَّ محور الخطر في الإجازة يكمن في الفراغ الذي قد لا يحسن كثير من أبنائنا استغلاله، ولهذا يطول سهرهم، بل ينعدم نومهم فليلهم نهار، يظهر فيه عبثهم ويكثر تنقلهم .
وصدق النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (نعمتان مغبون فيها كثير من الناس الصحة والفراغ) .
فلتجعل من قضية ملء الفراغ قضية الجميع ومشكلة الأسرة ولتبحث مع أولادك الذكور والإناث التطلعات لملء هذا الفراغ، والحلول العاجلة لشغل النفس لأن النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية .
وحينما يتفهم الشاب أن فراغه ظاهرة غير مقبولة في وسط عائلته فسوف يحسب لهذا الشعور حساباً لأن الشاب بطبيعته يأنف النقص ولا يرضى بالدون
فحينئذ يأتي التوجيه محل قبول من المربي الناصح، وكلٌّ له ما يناسبه .
فمن قدر منهم على الأعمال المهنية وتيسرت له فرصة فليوجه لذلك وليحثَّ عليها .
ومن قدر على عمل تجارة استقلالا أو مشاركة أو معاونة فليوجه لذلك وإن قلَّ مردودها المالي فالمردود الحقيقي هو حفظ الوقت وتفريغ طاقة الشاب بما لا يسئ إليه .
وأجدها فرصة لإخواننا أصحاب الورش والشركات والمحلات التجارية لأقول لهم: هل لكم في باب صدقة قد لا يتفطن له ؟
ولعله باب في زيادة الرزق وبركة في الدخل أن توظف شاباً أو شابين أو أكثر من ذلك توظيفاً تقصد من ورائه حفظ ذلك الشاب من شباب المسلمين مع ما تجود به نفسك من مرتب تتصدق به عليه قد تكون بذلك الشاب حاجة إليه، أو لعائلته.
وهذه من الصدقة الخفية وأحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه .
أيها الإخوة: عجب من ذلك الأب الذي حرص على ابنه فسعى في توظيفه وواطأ صاحب العمل أن راتب ابنه هو الذي يدفعه يدفعه الأب - فاشترى سبباً لصلاح ابنه بحر ماله، وصلاح الأبناء لا يقدر بمال .
أيها الآباء : من الأبناء من تفرغ طاقاتهم بإلحاقهم بالنوادي والمراكز الصيفية يجدون فيها الرفقة الصالحة والبرامج التربوية والتعليمية والترويحية فلن يعدموا خيراً فيها .
ونظير هذه للبنات الدور النسائية والمعاهد الصيفية الرسمية والأهلية .
ألا وإن من خير ما يلفت النظر إليه ويشجع الأبناء عليه لا سيما الصغار منهم هي حلق تحفيظ القرآن في بيوت الله يحفظون ما يستطيعونه من كلام ربهم وتهذب نفوسهم بالمرابطة في مساجدهم مع ما يصحب ذلك من نشاط ترغيبي وطلعات مأمونة . ...
الثانية: أما بعد:-
فمن نعم الله علينا- أيها الآباء- في هذه البلاد تلكم الدورات الشرعية التي انتشرت في كثير من محافظاتنا فالناس يقتسمون فيها ميراث النبوة تنوعت فنونها وتنوع المحتسبون فيها وتعددت أوقاتها مما يعينك على نفسك أن يكون لك حظ من هذه الدروس ، وليكن لأبنائك حظ منها يعرفون شيئاً من أحكام دينكم ويرفعون مستوى إدراكهم فستنير قلوبهم ويزداد بها أجرهم (ومن سلك طريقاً يبتغي به علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة) .
من الناس من يلحق ابنه في دورات تكميلية في حاسب أو لغة أو غيرها وهي خير إن شاء الله بعد أن يطمئن الولي على القائمين عليها والمشاركين فيها.
وتشتد الحيطة في هذه الدورات إذا كانت دورات للفتيات حتى لا تكون سبيلاً لكثرة الخروج وخضوع القول فيطمع الذي في قلبه مرض، وإن نريد إلا الإصلاح .
إنَّ الإجازة في زمن المتغيرات والمتسارعات هي زمن جهاد.
إي والله ، هو جهاد ؟
نعم جهاد لا تراق فيها الدماء ولكنه جهاد تقلق فيه القلوب، ويركبها من الهموم والكروب ما تستعين عليه بعلام الغيوب .
فإن عجز الأب لا قدَّر الله عن البناء في هذه الإجارة فلا يسمح بالهدم فما حصله الابن من تربية بأعوام فلا يجوز أن يبدده الابن بطيشه وغيابه عن نظر أهله في بضع أيام .
فالسهرات والسفرات من رقيبها بعد الله إلا الولي من والد أو غيره ؟
والجلساء ورفقاء الليل ، وشياطين الإنس من يحمي أولادنا منهم بعد الله إلا فطنة الأب ومتابعة المربي !!
والبناطيل الضيقة !!
والفنايل الملونة !؟ ذوات الصور المزعجة والكتابات الغريبة !! وقصات الشعر و التميع في المعطرات و الدهونات والمرطبات ماذا وراءها ؟!
ولا نقول بعد بذل الأسباب بما نستطيعه، إلا اللهم اهد شباب المسلمين، وارهم الحق حقاً وارزقهم إتباعه وارهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه .
ثم إن نغفل شيئا فإننا نغفله لوضوحه ، وإن نذكره فإننا نذكره لأهميته
فالصلاة يا عباد الله نجاتكم وسبب لفلاحكم في الدنيا والآخرة ، وعون في الأبناء لبركم، فأيقظوا لها النائم وحثوا عليها القائم، وإن بعض الأولاد ربما جمع الصلوات بحجة أنه نائم أو مشغول ولم ير في ذلك بأساً وهذا منكر من الفعل فمن أخرج الصلاة عن وقتها فقد أتى باباً عظيماً من كبائر الذنوب، وقد ذهب سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله - إلى أنَّ من تعمد خروج صلاة واحدة عن وقتها فإنه يكفر بذلك .
عياذاً بالله .
أيها الإخوة: شهركم هذا شهر شعبان بين شهرين معظمين رجب ورمضان تقول عائشة رضي الله عنها :" ما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان" متفق عليه، وفي رواية " كان يصومه إلا قليلا"
فإكثار الصيام في هذا الشهر من أفضل الصيام، وهو شهر يغفل الناس فيه، والصيام فيه من باب تعويد النفس على الصيام العظيم صيام رمضان، فهو كالسنة الراتبة بين يدي الفريضة .
ولم يثبت فضل لعمل صالح آخر في هذا الشهر غير الصيام، لا من صدقة، ولا صلاة ولا غيرها، وليس لليلة النصف منه مزية على الراجح عند أهل العلم المحققين .
وليس من السنة تبادل رسائل التسامح، وطلب العفو من الغير استعداداً لرمضان, وإنما الواجب على الإنسان أن يخرج من حقوق الناس مباشرة متى علم أن لهم حقاً من الأولاد أو الزوجات أو الأقارب أو غيرهم .
واجب عليه أن يخرج من حقوقهم ويبرئ ذمته قبل أن تؤخذ حقوقهم يوم القيامة من حسناته.
اللهم ...