• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة 18-6-1435هـ بعنوان عظات ثلاث !

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  4.9K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره.. و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، و من يضلل فلا هادي له .. و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من سار على دربه إلى يوم الدين، و سلم تسليماً كثيراً .. أمـا بعـــــــــــــد ؛؛ حينما تكثر الصوارف، يتأكد التذكير .. و حين ينشغل الناس بما خُلق لهم، يحتاجون من يردهم إلى خالقهم .. العظة دواءٌ للغفلة .. و النصيحة توقظ من الكبوة .. من ظنَّ أنه غنيٌّ عن التذكير، فقد قتل نفسه بنفسه.. و المترفع عن النصيحة يقود نفسه إلى كل نقيصة .. لو استغنى أحد عن النصح و الموعظة لكان أولى من يستغني عنها الصحابةَ رضي الله تعالى عنهم مع نبيهم صلى الله عليه و سلم - .. لكنهم أدركوا أهميتها فطلبوها بصريح العبارة، طلبوها مطولة و مختصرة ،لأنها حياتهم، و بها تقويم ما اعوج من سلوكهم، فكثُر في كلامهم " أوصنا يا رسول الله " أيها الأخــــــــــوة ؛؛ وقفات ثلاث مع عظات ثلاث، وعظ بها النبي صلى الله عليه و سلم رجلاً من أصحابه .. ففي مسند الإمام أحمد و غيره بسند صحيح عن أبي أيوب رضي الله تعالى عنه- قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم- فقال : ( " يا رسول الله عظني و أوجز" ؛ فقال النبي- صلى الله عليه و سلم- : - إذا قمت في صلاتك، فصل صـــــــــــلاة المـُـــــوَدِّع .. - و لا تَكَلَم بكلام تعتذر منه غدا.. - و أجمع اليأس مما في أيدي الناس.. ) ( إذا قمت في صلاتك ) .. أي شرعت فيها و قلت: ألله أكبر، موذناً الدخول في الصلاة نفلها أو فرضها.. ( فَصَلِّ صـــــــــــلاة المـُـــــوَدِّع ) أي قد انقطعت علاقته بكل شيء، فقد وَدَّع هواه و ما تنازعه نفسه عليه، وَدَّع الدنيا بزهرتها و بهجتها، فلا همَّ له في ولد و لا زوجة، يظن أن هذه آخر صلاة له في الدنيا.. فإن صلى صلاة الفجر، فقد لا تأتي صلاة الظهر إلا و هو في عِداد أهل الآخرة.. و إن صلى صلاة الظهر، فقد تأتي صلاة العصر و هو ليس من أهل الدنيا .. هذه صـــــــــــلاة المـُـــــوَدِّع فما ظنك بها.. ما ظنك بها، هل تراه سوف يأتي إليها متأخراً، فهو لم ينهض من مجلسه لأنه ينتظر الإقامة.. ثم إذا أقيمت الصلاة بدأ يسحب نفسه، يخطو بخطىً متثاقلة، و نفسِ متشاغلة، تقرأ في صورته قول الله تبارك و تعالى: { و إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كُسالى } .. من سوف يصلي صـــــــــــلاة المـُـــــوَدِّع ، ستكون الصلاة له همّاً قلبياً، و خاطراً إيمانياً، فهو يرقب وقتها كما يرقب قادماً قد شغفه حبه.. صـــــــــــلاة المـُـــــوَدِّع .. تكون بكمال الخشوع، و قوة الصلة بالله .. و في حديث حسن: ( صلِّ صـــــــــــلاة المـُـــــوَدِّع كأنك تراه، فإن كنت لا تراه فإنه يراك) .. أيها الأخــــــــــوة ؛؛ الصلاة أعظم الأعمال، فإذا صَلَحَت صَلَحَ كل شيءٍ للإنسان في الدنيا و الآخرة.. و في أجواء الفتن التي نعيشها، و شدة الحاجة و الأزمات، لا يحتاجُ الإنسان إن كان مُتقِناً لصلاته لغير الله .. و بفضل الله يكون الفرج، و قال : { إني معكم لئن أقمتم الصلاة } .. الصلاة ؛؛ يا- عــــــــباد الله- إذا زيَّنها الخشوع، و ترسخ في أقوالها و أفعالها الذُل و الانكسار، و التعظيم و المحبة و الوقار، نهت الصلاة حينئذ صاحبها عن الفحشاء و المنكر، فيستنير قلبه، و يتطهر فؤاده، و يزداد إيمانه، و تقوى رغبته في الخير، و تنعدم رغبته في الشر.. بالخشوع يزداد اقبال المصلي على ربه فيكون اقتراب ربه منه.. فقد أخرج أحمد و أبي داوود و النسائي- رحمهم الله تعالى- أن النبي- صلى الله عليه و سلم- قال: ( لا يزال الله عز و جل مقبلاً على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صَرَف وجهه، انصرف عنه ) فالخشـــوع يا عبـــــــاد الله- الخشوع أمرٌ عظيم شأنه، سريعٌ فقده، نادرٌ وجوده، خصوصاً في زماننا و حاضرنا .. و حرمان الخشوع من أكبر المصائب، كان النبي- صلى الله عليه و سلم- يستعيذ من هذه الحال بقوله : ( اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ).. و إن ما أصاب بعض المسملين من ضعف في أخلاقهم، و انحراف في سلوكهم، و عصبية في مزاجهم، إلا لأن الصلاة غدت جثة من غير روح، غدت حركات مجردة بلا تَفَكر.. ففي الطبراني و غيره أن النبي- صلى الله عليه و سلم- قال : ( أول ما يُرفع من هذه الأمة الخشوع، حتى لا ترى فيها خاشعاً ) .. قال الصحابي الجليل حذيفة رضي الله تعالى عنه - : ( أولُ ما تفقدون من دينكم الخشوع، و آخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، و رُبَّ مصلي لا خير فيه، و يوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيهم خاشعاً ) .. أيها الأخــــــــــــــوة ؛؛ الوصية الثانية ؛ أعظِم بها ؛ قال النبي- صلى الله عليه و سلم- : ( لا تَكَلَم بكلمة تعتذر منها غداً ) .. أي تتعذر بسببها مما قيلت له.. و إنها ، وصية [ حفظ اللسان ] ، و مراقبةِ ما يخرج من بين الشفتين.. فالكلمة التي تخشى أن تُنتَقَد عليك، أو تُتهم بعدها بشيء أنت في غنى عنه، أمسكها و احبسها حتى لا تحتاج إلى أن تسعى في ترقيعها أو الاعتذار عنها.. فأنت أمير الكلمة ما لم تخرج منك، و أنت مأمورها إذا خرجت منك، و شتان بين الأمير و المأمور.. كم من كلمة قالت لصاحبها: "دعني" ، و كم من كلمة أفسدت وِدّاً بين المُتصافين، و كم من كلمة انشغل صاحبها بعد قولها في توجيهها و قال : أردت كذا، يستدرك، و ما هو بمستدرك، طارت بها الآفاق، و سارت بها الركبان، فأزعجت من سَمِعها، و مَقَتَها من نُقِلت إليه ( و مَقْتُ الله أكبرُ من مَقْتِكُم أنْفُسِكُم ) .. فأنت يا من ابتلي بكثرة المِزاح، و هذيان الكلام، و اطلاق اللسان، رِفقاً بنفسك، فهناك ملائكةُ مُوَكَّلون .. { وإن عليكم لحافظين ( * ) كراماً كاتبين ( * ) يعلمون ما تفعلون ( * ) } { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } .. إن بعضَ الناس، بعضُ الناس تأخذهم نشوة المجلس، و لذة الحديث، و إعجاب الحاضرين، فيَسْكُرُ من حيثُ لا يشعُر.. فتارة يَنْقُدُ في كلامه، و تارةً يُؤَيد، و أخرى يُحلل، و ربما أفتى أو اعترض على فتوى.. و في طور من أطواره تجده القاصَّ المُحَدِّثَ للحاضرين .. و إن اقتضى المقام زيادة مكذوبة في قصة ليُضْحِك بها الحاضرين، فلا حرج عنده.. و الحَيْطَةُ لدينه أبعَدُ ما تكونُ في لحظاتِ سُكْرِ الحديث.. و النبي- صلى الله عليه و سلم- يقول: ( و يل للذي يُحَدِّث، فيَكْذِب ، لِيُضْحِكَ القوم، ويلٌ له، ويلٌ له ).. أما الغِيبَة، و لحوم الناس من العامة و الصالحين و الأُمراء، فهي ميدانٌ رحبٌ في حديثه، و كأنه أَتى ببراءة من إثم الغِيبَة، و أنها لم تًعُد من كبائر الذنوبِ في حقه.. { أَطَلَعَ الغَيْبَ أم اتخَذَ عِنْدَ الرحمن عهداً ( * ) كلا سَنَكتُبُ ما يَقُولُ و َنَمُدُّ لَه من العذاب مَدَّاً }.. فاللهم السلامةَ و العافية .. أقول قولي هذا و استغفر الله لي و لكم و لجميع المسلمين من كل ذنب .. فاستغفروه .. إنه هـــــو الغفـــــــــور الرحــــــــيم.. الخطبــــــــة الثانيــــــــــــة : الحمد لله رب العالمين، و العاقبة للمتقين، و لا عدوان إلا على الظالمين.. و أشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله- صلى الله عليه- و على آله و أصحابه و التابعين و سلم تسليماً كثيراً.. أمـا بعـــــــــــــد ؛؛ فثالث الوصايا ؛؛ من النبي- صلى الله عليه و سلم- لمن قال له " عِظني " ، قال له عليه الصلاة و السلام- : ( و أجمع اليأس مما في أيدي الناس ) .. تأديبٌ نبوي للنفوس الجَشِعة، كي تتعلق بالله في أُمُورها كُلِها، في معاشها و معادها، فلا يطمعُ العبدُ إلا في فضل الله.. { قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلكَ فَليَفرحوا هُوَ خَيرٌ مما يَجمَعون } .. فَوَطِّن نفسك - يا عبــــــــد الله وَطِّنها على اليأسِ مما في أيدي الناس.. فإن اليأس عِصمة، و من أَيِسَ من شيءً استغنى عنه .. فَقَدِّر عدم وجوده أصلاً لتقطع قلبك عن خلق الله، فتسلم من عبودية الخلق و يتفرغُ قلبُك لعبادة الخالق.. فتكونُ عزيزاً و إن قلَّ مالُك .. شريفاً و إن قلَّ نَسَبُك .. عَظِيماً و إن ضَعُفَ حَسَبُك .. و إلا فإن التعلق بالناس ذُلٌّ و سقوط و هوانٌ في الدنيا قبل الآخرة، هذا إن تعلق بالناس لسبب مُباحٍ في أصله، فكيف من تعلق بالناس لسبب مُحَرَم.. فالذين يظنون الشفاء عند الرقاة و المشعوذين، و السحرة و المنجمين، ما أطول ليلَهُم، و أَتْعِس بعيشِهم.. و الذين يظنون مستقبلهم عند المسؤل الفلاني، فهم إليه ينظرون، و لرضاه ينشدون، ما أسود أيامهم، و أخطر قلوبهم، هانت عليهم كلمات النفاق، و غضوا طَرْفاً في بَذْلِ الرِشوة، و سموها خدمات و أتعابا.. فما أحكمَ الله، حيث صار بعض الناس فتنة لبعض .. و الله المســــــتعان .. فاللهم أغننا بحلالك عن حرامك و بفضلك عمَّن سواك .. أيها الأخــــــــوة ؛؛ توبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون .. و اعتصموا بدينكم لعلكم ترحمون..



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 09:14 مساءً الثلاثاء 1 يونيو 1446.