الحمد لله جعل نصر المؤمنين حقاً عليه ، وأعلا شأنهم في الدنيا ، ويوم يرجعون إليه .
وجعل لذلك أسباباً يبتلي بها الصابرين ؛ ليعلم أنَّ العاقبة للمتقين ، وأنَّ الله يدافع عن المؤمنين .
وأشهد ألا إله إلا الله رب العالمين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله قام بنصرة هذا الدين ، وجاهد الكافرين المعاندين .
صلَّى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه ، والتابعين .
أما بعد :-
فاذكروا أيام الله لعلكم تفلحون، واذكروا نصره لأوليائه لعلكم تشكرون ، وخذْلانَه لأعدَائِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقونَ .
وإنْ نَصْرَ اللهِ لِعبادِهِ المؤْمِنِين ، في السَّابِقِينَ ، واللاحِقِينَ ، هو نصرُ لَكَلِّ مِنْ يَدِيْن لربِّ العالَمِين ؛ لأنَّه نَصْرٌ للحَقِّ ، والعَدْلِ ، وخِذْلانٌ للباطَلِ ، وأهْلِ الفَسادِ .
إنا لننصرَ رسْلَنا والذَّينِ آمَنوا في الحَياةِ الدَّنيا ويومَ يقومُ الأشْهادِ
والمسلم كما يَفْرَح أَنْ نَصْرَ اللهِ رسوله في بدر والأحزاب يفرح أيضاً أن أهلك قوم نوحٍ وعادٍ وثمودَ ، و صبَّ على الظالمين منهم ، ومن غيرهم سوط عذاب .
وإن نصر الله قريب ، وفَرَجَه لَيْس بَبعِيد .
إن تَنْصُروا الله يَنْصُرُكم
وليعلمَ الله مَن يَنْصرُهُ ورسُلَه بالغَيْبِ إنَّ الله قَوِيُّ عَزِيزٌ
وفي هذا الشَّهرِ الحَرَامِ منذَ قُرون مضت ، وأعْوامِ خَلتَ، حَصَلَ نَصْرُ الله لعبدٍ أوذِي في الله فصبرَ ، واحتسب ، وخَرَجَ مِن بلده خائفاً يَتَرقَبُ .
حصل نصرَ الله لكليمه موسى عليه السلام ، وأحدِ أولي العزم من رسله
نصر الله نبيه موسى على من تكبَّر على الملأ، وقال : أنا ربكم الأعلى
جاء موسى فرعونَ بالآيات البينات ، وقال له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى .
ولكن غلبت على فرعونَ شِقْوتُه، وقال مستعلياً على ربِّه، ساخراً بموسى وبدعوته (وما رب العالمين )
فحاجه موسى فلمَّا عَجَزَ فِرعونُ عن رَدِّ الحُجَّة لجأ إلى ما يلجأ إليه العاجزون المتكبرون من التخويف والوعيد، فتوعَّد موسى بالسجن، فقال لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنَّك من المسجونين
ويوحي كلامُه بتهديده لموسى قوة الإخافة وأسلوب التسلط حيث يجعله ضمن مساجين عنده ، إذ لم يقل: لأسجننك .
وإلى هذا الحدِّ من القصة الطويلة فيه دليلٌ واضح على أنَّ دعوة الله، وتبليغ رسالته مبذولة، ومعروضة على كلِّ أحدٍ، وما تدري لعلهم يتقون، أو يحدثُ لهم ذكراً فيتعظون، فليس هناك طائفةٌ فوق الدعوة، مهما علا طغيانها ، وتنوع كبرها ، وعصيانها ، سواءٌ كان سبب ذلك رياسةٌ ، أو جاهٌ ، أو مالٌ أو كثرة فتن وتغير زمان أو غيرها .
وفي سيرة النبي ما يشهدُ لذلك حيث عرض دعوته على صناديد قريش ، والكبراء ، كما عرضها على المماليك والنساء .
وقلوبُ العبادِ بين أصبعين من أصابع الرحمن .
ثم لما قامت الحجة على فرعون، وقومه الذين أضلهم فرعون وما هدى لم يكن أمامهم من سبيل إلى رد دعوة موسى إلا الجُحُودُ الذي سببه الظلم والعلو
وحجدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً فانظر كيف كان عاقبة المفسدين .
وفي هذا يا عباد الله أبلغ التحذير من الظلمِ والكبرِ فقد يكونان سبباً في ردِّ الحقِّ، وجحد ما يجب على الإنسان .
والله تعالى سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق
فما منع فرعونَ من قبول دعوة موسى عليه السلام إلا تكبره على الحقِّ ، واحتقاره لنبي الله موسى .
أم أنا خيرٌ من هذا الذي هو مهين ، ولا يكادُ يبين
فوصف موسى كليمَ الله بأنه مهينٌ أي : ذليل محتقر ، ولا يكاد يبين ؛ لثقل لسانه، وصعوبة الكلامِ عليه .
وأما ظلمه فلقد آذى بني إسرائيل ، واستضعفهم يذبح أبناءهم ، ويستحيي نساءهم .
وأما قومه فاستخفَّ قومه فأطاعوه استخف بعقولهم، وأظهر لهم ما يوهمهم أنَّه ربهم، وأنَّ أمرهم بيده .
وحينما أراد الله نهايته تحقيقاً لسنة ماضية
إنَّ الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته )
وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى ، وهي ظالمةٌ إن أخذه أليمٌ شديدٌ
حينما أراد الله ذلك كان هلاكه بالماء الذي كان يفتخرُ به أليس لي ملكُ مصرَ ، وهذه الأنهارُ تجري من تحتي أفلا تبصرون
كان هلاكه بالغرق، فأوحى الله لموسى أن يَسْرِي ليلاً ببني إسرائيل حتى بلغوا البحر ، وكان فرعون وجنوده وراءهم يريدون اللحاق بهم والقضاء عليهم .
وهناك على ساحل البحر ، قال أصحابُ موسى ، (إنا لمدركون) البحرُ أمامهم ، والعدوُ خلفهم ، فظاهر الأمورِ الحسية الهلاك المحقق .
ولكنَّ الثقة بالله، وقوة الإيمان تظهر في وقتها، والتوكل على الله هذا ميدانه . فقال موسى(عليه السلام) الموعود بنصر الله
قال كلاَّ إنَّ معي ربي سيهدين
فأمره ربه أن يضرب بعصاه البحر فانفلق فصار اثني عشر طريقاً يبساً، وصار الماء من بينِ تلك الطرقِ كالجبالِ العظيمة، فسلكه موسى وقومه، فلمَّا خرجوا منه أمره الله أن يترك البحر رهواً ، أي: بحاله ليسلكه فرعون وجنوده إنهم مغرقون ، فلما تكامل موسى ، وقومه خارجين منه ، وفرعون وقومه داخلين فيه أمر الله البحر ، أن يلتطم عليهم ، فغرقوا عن آخرهم .
ولما عاين فرعون الموتَ، وأيقن نزوله به آمن حيث لا ينفع الإيمان ، آمن على ذلٍّ وصغار قال : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين
رضي أن يكون تابعاً بعد أن كان آمراً ناهياً، فلم يقل آمنت بالله ، أو صدقت موسى إيماناً مستقلاً .
فقيل له : آلان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين
ونسي قوله أنا ربكم الأعلى
فما أضعف البشر أمام قوة الله ، وما أقرب نهاية الإنسان، وهو يتمادى في طغياه . إن بطش ربك لشديد .
نفعني الله وإياكم بآياته، وجعلنا من المتعظين بعظاته . أقول قولي ....
الحمدُ لله رب العالمين
أما بعد : -
فلقد نجَّى الله موسى وقومه في العاشر من محرم
ولذا كان هذا اليوم يوماً معظماً عند اليهود كانوا يصومونه شكراً لله
ولمَّا قدم النبي ووجد اليهود يصومونه قال : أنا أولى بموسى منكم
فصامه عليه الصلاة والسلام وأمر بصيامه
فصام المسلمون في العالم الإسلامي اليوم العاشر مقتدين بنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم .
فهنيئاً لهم صيامهم يبتغون مغفرة ذنوبهم، ادخروا أجره ليوم عظيم قال الله تعالى (واليوم لي وأنا أجزيء به) .
عباد الله : وقبل أن نغادر هذه المناسبة العظيمة، وهذا اليوم من أيام الله نذكر أن في صيام يوم عاشوراء دروساً على أمور عظيمة، منها:-
1. أنَّ المسلمين أولى الناس بموسى عليه السلام، وبكل نبي بعثه الله إلى قومه يؤمنون به، وينزلونه منزلته .
2. أنَّ نعم الله إنما تقابل بمزيد شكر وعبادة فمن أنعم عليه ربه بنعمةٍ ظاهرة أو باطنة فعليه شكرها بعبادة الله، ومزيد قرب منه، فهل تنبهت يا عبد الله : وأنت تتفيأ نعمة الله في نفسك وفي ولدك وبلدك، وتسمع في نفس الوقت عن أناس ليس عنهدهم معشار ما عندك من النعم، يتخطفون قتلاً واعتقالاً في بلدان كثيرة اختل أمنها، وصارت نهباً للظالمين وعملائهم .
و هذه التفجيرات المتكررة لم تسلم منها الأنفس الآمنة، والأسواق المكتظة أرعبت الناس.
والقتلى فيها بالعشرات، فاحمد الله على الأمن وجمع الشمل، وقيد ما أنت به من نعمة بشكرها والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
3. لا يشرعُ عملٌ آخر غير الصيام . قال شيخ الإسلام: لم يصح في عاشوراء إلا فضل الصيام .
ربما شاهدت أو اطلعت على مظاهرِ احتفالِ بهذا اليوم فهذا من البدع، وكذا ربما شاهدت أو اطلعت على من يقيم مآتم وأحزانا وإظهار أسف في خشوع للشيطان، وبكاء لغير الرحمن كما هي حال الرافضة الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، فاحمد الله على العافية واسأله الثبات في الأمر
ثم من أعظم دروس يوم عاشوراء حينما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيامه استحب أن يضاف إليه اليومُ التاسعُ قبله حتى يخالف في صيامه اليهود والنصارى .
وذلك ليبقى المسلمون متميزين في شريعتهم عن كل ملة معتزين بكمال دينهم (اليوم أكملت لكم دينكم)، مغتبطين بنعمة الله عليهم (وأتممت عليكم نعمتي)، لا يرضون إلا بما رضيه الله لهم (ورضيت لكم الإسلام دينا)
فلقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم ألا يبقى شبه بيننا وبين أحد من الديانات الباطلة حتى في عبادة الصوم تلك العبادة الخفية التي هي سر بين العبد وربه .
فكيف بغيره من الشعائر الظاهرة؟!
فهل يعي هذا المقصد الذين يجرون الأمة لحياض التغريب في حياتها الاجتماعية والتعليمية، والإعلامية وأساليب معيشتها وطرائق حياتها يستنسخون كل غريب، ويعبون تفاهات الأمم الكافرة والنبي صلى الله عليه وسلم قال (من تشبه بقوم فهو منهم) .
أرجو أن يعي هذا المتشبهون بالكافرين في أعيادهم أوألبستهم أو شعورهم من البنين والبنات !
ناهيك عمن بدؤوا يقتنون الكلاب ويصطحبونها، ويشترون االقطط ويزينونها.
ومن أقتنى كلباً غير الثلاثة المرخص فيها ينقص من أجره كلَّ يوم قيراط أو قيرطان "
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السنور وهو القط .
وأمور التشبه كثيرة إن لم يحتط الإنسان لنفسه، ويحافظ على دينه، ومرؤته وكمال أخلاقه .
والناس منزعجون من أندية الأحياء !
وحق لهم أن ينزعجوا ؟
وهم يرون أن ما تربى عليه بناتهم في الصباح، ويدرسن إياه يأتين في أندية الأحياء المسائية ينقضنه عوداً عوداً، وما كان ممنوعاً في مدارس الصباح هو مباح مطلوب في أندية المساء، والأخبار الأولية عن هذه الأنشطة مؤسفة .
وبعيداً عن التهييج والمبالغات سل بنتك المصونة، وأختك الكريمة ما قصة أندية الحي ؟ وماذا سمعت عنها ؟
حتى يستدرك الخلل، ويمنع الإخلال !
ثم تذكر أنك الراعي في يبتك ومسؤول عن رعيتك،
وفق الله من سعى في حفظ تميزنا في ديننا وتعليمنا وأخلاقنا (وإن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر)
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك ومن جميع سخطك .