• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة 20-12-1434هـ بعنوان مسؤولية البنات

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  3.0K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله جعل القوامة من الرجال على النساء، وهي أمانةٌ لا يقومُ بها إلا الأمناء، ومن كانوا في إيمانهم أقوياء
وأشهد ألا إله إلا الله أمر بالتقوى .
وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله سيد الأنبياء، وإمام الحنفاءِ.
صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه ومن على دربهم مشى ، وبهداهم اهتدى .
أما بعد : -
فإنَّ مما به العبدُ يختبر ويبتلى ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها - عن نبينا المصطفى  أنه قال (من ابتلى من هذه البناتِ بشيء فأحسن إليهن، كنَّ له ستراً من النار)
فقد جعل النبي  أمر البناتِ ابتلاء يبتلى به العبد، فإن أحسن إليهن تربيةً، وتعليماً، ونفقة، وسترهن، وألبسهن لباس التقوى حِساً ، ومعنى ، فإنَّهن يكن سِتْراً يَقِينه دخولَ النَّارِ .
فلا تشاؤمَ جاهلي بولادة البنات ، أو كثرتهن .
كيف ؟ وقد كان نبينا محمد  أباً لأربعِ بناتٍ ، زينبَ ، ورقيةَ ، وأمِّ كلثوم ، وقد توفين في حياته ، ثم فاطمة تأخرت بعده بستةِ أشهر ، وهي سيدة نساء أهل الجنَّة .
وعلى قدر ما ورد في فضل رعايةِ البناتِ تعظم المسؤوليةُ في التفريط في حقهن ، والتساهل في أداء الأمانةِ تجاههنَّ
( كلكم راعٍ ، وكلكم مسؤول عن رعيته )
ألا ، وإن مِن أعظم ما يتعلق بالمسؤولية تجاه البناتِ، بل وغيرهن من الأخواتِ ، وسائر القريباتِ اللاتي لك عليهن ولاية ، أو وصاية .
إنها مسؤولية التزويجِ، والنظر في حال الخطابِ، والسؤالِ عن الكفء .
ولا تعجب إذا علمت أنَّ من أكبرِ أسبابِ فشل الزواج ، وتفريق البيتِ بعد الاجتماعِ، هو التساهلُ في أمرِ التزويجِ، والتقصيرُ في أمر البحث والتدقيقِ .
فما أن يعقد القِرآنُ ، ويتمُّ النكاحُ ، إلا وتتبين خفايا عظام ، وأمورٌ لا يمكنُ معها البقاءُ والدوامُ .
فيسعى الولي في فكاك موليته، واستنقاذِ مزوجته .
إن من حق الله عليك، وشكره على بعض نعمه لديك بعد أنَّ بلغت موليتك سنَّ الزواجِ وطرق بابك إليها الخطاب أن تختار لها الكفء الذي يكونُ به حفظها، وتحصل به سعادتها، وهذه المرحلة من أحرج المراحلِ، وأشدها خطراً، ولكن من يستعن بالله يعنه الله .
فواجبٌ على الولي إن لم يكن يعرِفُ الخاطبَ أن يسألَ عنه، وأن يعدد الجهاتِ المسؤولة حتى تكتمل لديه الصورة.
وأهم ما يسأل عنه ما يتعلق بأمر دينه ، واستقامة خلقه .
فلا يزوج من لا يُصَلي، وإن حَسنت معاملته، ولم تفارق شفتيه ابتسامته، ولا يزوجُ من اشتهر فسقه، أو ساءت عِشرتُه ، ولو كثر تردده ، وكثُر المتوسِطون له ، أو رضيت به مخطوبته ، فهؤلاء لا يزوجونَ ، ولا كرامة
ولا إثمَ على الولي لو بقيت موليته طول عمرها بلا زواجٍ!
ثم على الولي بعد سؤاله عن الخاطب ، وتحريه عنه أن ينقل ما عرفه ، وقيل عنه إلى المخطوبة من بنت أو غيرها بلا مبالغةٍ ، أو تقصيرٍ ، وأن يشير بما يرى ، فلا إكراه في الزواجِ .
قال النبي  (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا : يا رسول الله ، وكيف إذنها ؟ ، قال أن تسكت ) .
وإنَّ على من استشير في تزويجِ أحدٍ من الناس أن يتقى الله في مشورته ، فلا يمدح الخاطب ، ويضعَ فيه ما ليس فيه من الصفاتِ الحسنة حتى يزوجَ ، أو يَعيبَه ، وينتقِصَه حتى يردَّ .
(فلا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه) .
فإن عجز عن قولِ الحقِّ ، أو جهل الخاطبَ فالواجب أن يعتذرَ عن المشورة ، وإبداء الرأي فمن عجز عن المشورة بالحقِّ فلا يسعه أن يقولَ الباطلَ .
سواءٌ كان المسؤولُ قريباً للخاطِب، أو زميلاً ، أو صديقاً له ، أو إماماً ، أو مؤذناً لمسجده .
 يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسطِ شهداء لله ، ولو على أنفسكم أو الوالدين و الأقربين 
وإنَّ بعض المسؤولين عن الخطابِ يصفون الخاطب بما ليس فيه، أو يُغْفِلون ما يقدحُ فيه، ويعتذرون لأنفسهم : لعله يُزوَّجُ فتصلحَ حاله .
فيا سبحان الله !
هل ترضى أن تُغشَّ بخاطب لبنتك بهذه الحجة !
فاتق الله ، وقل الحقَّ ، وقد يكونَ ردُّه هو سببَ صَلاحِه، وليس تزويجَه .
معاشر الأولياءِ : من الآباء، والإخوة وغيرهم، ههنا أمرٌ لعلكم لا تستعجلون في رده ، واستنكاره ، بل تفهموه ، وفكِّروا فيه ، وقبل أن اذكره أذكر دليله ، وأصله الشرعي، فقد حكى الله عن صاحب مدين الرجل الصالح أنه قال لنبي الله موسى  إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج 
وفي صحيح البخاري وغيره ، قال : عمر رضي الله عنه : لقيت عثمان بن عفان، فقلت له : إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال : سأنظر في أمري .
فلبثتُ ليالي ثمَّ لقيته، فقال : قد بدا لي ألاَّ أتزوج .
قال عمر ، فلقيت أبا بكر ، فعرضتُ عليه حفصة ، فلم يجب أبو بكر ، ولم يتكلم .
فما هي إلا ليالٍ ، حتَّى خطبها رسول الله  ثمَّ تزوجها.
وفي أخبارِ سعيد بن المسيبِ من أفاضل التابعين، وعلمائِهم أنَّه ردَّ خطوبة الخليفة الوليد بن عبد الملك لبنته، وأبي أن يزوج بنته ابن الخليفة ، ثم خطب هو لبنته أحد تلاميذه ، وزوجها إياه بدرهمين ، وبادر في زفها إليه على فقره ، وقلة يده .
إنَّ ما أعنيه أيُّها الولي أن تبحث لبنتك ، أو غيرها ممن لك ولاية عليها أن تبحث لها عن الزوجِ الكفء ، أن تبحثَ بنفسك أو بواسطة رجلٍ صالحٍ مؤتمن .
فتطرق بابه قبل أن يطرقَ بابك، وتختاره قبل أن يختارك .
ألست تختارُ لبنتك وموليتك أوتعهد بذلك إلى من يختار لها اللباس المناسب ، والحوائج المناسبة .
إنَّ اختيار الزوجَ المناسب أولى ، وأولى !
وهو من أفضل إحسانٍ تبذله لموليتك ، ويبقى بعد توفيق الله معروفاً لا ينسى ، وجميلاً لا ينكرَ من موليتك ، بل ومن زوجها المختارِ .
وليس في ذلك نقيصةٌ عليك ، ولا على من أنت وليُّها ، وقد عرفتَ أصلَه ، ومن سبقك في فعله .
وإن عرض المرأة على الكفء لها سواءً عرضتها بنفسك ، أو بغيرك ، متأكدٌ في هذا الزمن قبل أن يفجأك خاطِبٌ لا تريده ، أو مجهولٌ يعسر البحث عنه ، ومتأكدٌ أيضاً في موليتك المطلقة التي لم يكتب الله لها توفيقاً في زواج سابقٍ
وفي موليتك التي تقدَّم سنُّها ، أو قلَّ جمالُها ، ورُغِب عنها .
فعرض هؤلاء على الأكفاء متأكدٌ ، ولو أن تعرضها على من تكونُ عنده زوجة ثانية ، أو ثالثةً ، أو رابعةً .
فاحتسب هذا ، ودافع العقبات الوهمية ، والموانع العاطفية
أعانني الله وإياكم على أداء الأمانة ، وجعلنا من المتعاونين على البر والتقوى
أقول قولي هذا ، واستغفر الله لي ولكم















الحمد لله .
أما بعد:-
فإن قضية تزويج البنات أعظم قضية يجب ألا تغيب عن بال من ابتلاه الله بشيء من هؤلاء البنات ففي الزواج قطع لنزغات الشياطين، وحصن بإذن الله للمتزوجين .
ويكفي في هذا قول النبي عليه الصلاة والسلام (فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) .
أيها الإخوة: حديث مجالس الناس الذي أزعجهم، ووضعوا أيديهم على قلوبهم، ولهجت دعواتهم اللهم احفظ علينا أمننا وأخلاقنا ووفق ولاة أمورنا ، هو دعوى سياقة المرأة للسيارات.
نعم انزعج الناس بما تناقلته وسائل التواصل، وأججته بعض وسائل الإعلام وصار الحديث الأول في مجالسهم إنه تلك الدعوة الجريئة بقيادة المرأة للسيارة، وضربوا لذلك موعداً اتفقوا عليه متخطين في ذلك أنظمة الدولة، ومتجاهلين الرأي العام دعك من الفتاوى الشرعية، والقيم الأخلاقية .
والمقالات الصحفية تغدو وتروح، والمقاطع الاستفزازية يمررها أصحابها واضحة تلوح !
نعم انزعج الناس لهذه الدعاوى لأنهم يعرفون ماذا بعد قيادة المرأة للسيارة ؟
انزعج الناس لأنه يعرفون القاعدة العظيمة الشرعية درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح إن كان ثمت مصالح !
ويعرفون معنى قاعدة سد الذرائع التي يسخر منهم المتعالمون من دعاة التغريب، ويلمزون المتكلم بها بالانغلاق واتهام المجتمع بالوحشية والسوداوية.
انزعج الناس وهم يعرفون أن القيادة لن تكون إلزامية للمجتمع يعرفون هذا فليسوا بحاجة أن يتفيهق به إعلامي أو غيره .
وإنما جاء انزعاجهم من حيث أن المجتمع لحمة واحدة في أمة واحدة والنقص الذي ينتابه، ومزالق الشر التي تنزل به هي نازلة على الجميع ونقص على كل أحد .
فتربية أفراد المجتمع المسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) والتربية الفردية والأنانية التي لبسوها وتأثروا بها من طول معاشرتهم للحياة الغربية مرفوضة عند المسلمين بل المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة .
في ظل هذا التوتر والانزعاج الحقيقي، وليس المتكلف!
يأتي تصريح المسؤول في وزارة الداخلية بمنع هذه التجاوزات والوعيد الشديد على المستخفين بقيم المجتمع الساعين في تفريق وحدته ذوي الأغراض المريضة
جاء التصريح فتنفس الناس الصعداء والله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن . وفق الله حكومتنا لكل خير وأعاذها من شرور الحاسدين، وكيد المفسدين
وخير ما نتواصى به في هذه المتغيرات المتلاحقات تقوي الله تعالى ولزوم طاعته فما حصل تغير إلا من تغيرنا وتغييرنا (ذلك بأن الله لم يكن مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغير ما بأنفسهم) .
ثم أوصي ألا يكون الإنسان مطية لغيره، يجادل عن الذين يختانون أنفسهم، وبوقاً لكل ناعق .
فاعرف يا عبد الله قبل الدخول طريق الخروج، وانظر أين تصف قدميك ؟
ووازن بين فقه المانعين، وأهواء المجيزين .
واعرف من وراء هذه الدعاوى هل هم من الناصحين الذين سابقتهم في الخير معروفة ؟
أو هم من المتباكين على المصالح بدموع التماسيح من ذوي الغيرة الهشة، والمطامع الخاصة .
كثير منهم للأسف كذلك !
(يوم تبلى السرائر فماله من قوة ولا ناصر)
(وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)
فاللهم نسأل هداية للضالين، وتبصرة للحائرين، ونسأل أن تقينا شرور الحاسدين المعاندين .
اللهم احفظ علينا ....


التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 04:23 مساءً الخميس 19 مايو 1446.