الحمد لله ، يبديء ، ويعيد ، وهو الغفور الودود ، ذو العرشِ المجيد . وأشهد ألا إله إلا الله فعَّال لما يريد ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل الأنبياء وأكمل العبيد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الرأي السَّديد ، ومن سار على دربهم إلى يوم المزيد . أما بعد :- فاتقوا الله عباد الله وتأمَّلوا سرعة الأيامِ ، وتفلت الأعوام ، تنفرط ساعات يوم أحدنا كعقد انقطع نظامُه . ثم لو تأمل أحدُنا ، وفكَّر ماذا صنع في يومِه الذي انقضى من عمره ؟ لم يجد عملاً يذكر ، أو شغلاً يسره أن يسطر . وإنَّ من صفات المؤمنين التواصي والتناصح بينهم فكل يكمل الآخر ، وما عجز عنه المسلم بنفسه أدركه بجهود إخوانه ، ومعاونة أقرانه ، فبالجهود يكمل العمل ، وبالتعاون يطرد الملل . وهذه صفة سجلها الله في كتابه ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " الدين النصيحة " ومما لا يهمل في هذه الأيام النقلة التي سوف يدخلها أبناؤنا وبناتنا ، فبعد غداً يوم دراسي بعد انقطاع طويل. ينقلب الطلاب إلى مدارسهم في نفوس جديدة ، ورغبة مستجدة ، وهكذا المعلمون . ولابد في نجاح أي عمل أن نتقي الله فيه ، وأن نستعينه في الوصول إلى تحقيقه وإدراك مراميه . وإنَّ رحى المدرسة أو المعهد أو الكلية أو غيرها هو المعلم. ذلك الشخص الذي يتعطل التعليم إذا فقد . فهو يتردد إلى طلابه ربما مرات عديدة في اليوم الواحد . يبقى فلذات الأكباد معه ، الساعات الطوال التي قد لا يبقون معشارها مع آبائهم وأمهاتهم يصغون إلى حديثه ، يدققون في حركاته ، ونظراته ، بل هم مراقبون لباسه وطريقة مشيته ، ونوع سيارته ، وجواله . فيا أيها المعلم : أ عرفت شدة مسؤوليتك ، وحرج مهمتك ، فاعلم أنك لن تخرج من هذه المسؤولية بالاستهانة بها ، أو التقليل من أهميتها . كيف وأنت تذكر معلمين قد مضوا ، وأساتذة لك قد غابوا ، ولكن لم تغب آثارهم ، وربما لم تنس كلماتهم قد حفظ قسم منها فهو خير يذكر ، أو شر منه يتذمَّر . فاختر لنفسك أيها المعلم أيا كانت جهة تعليمك ، وأياً كان مستوى منهم أمامك . فأقوالك محسوبة ، وأخلاقك دروس منقولة . أيها المعلم : احذر أيها المعلم أن يرى فيك أحد طلابك خلقاً لا يليق أو يسمع منك كلمة لا تنبغي وإذا ابتليت لا قدَّر بشيء مما لا ترضاه لنفسك شربِ دخان ، أو سماعِ غناء ، أو متابعة قنوات فالستر الستر ، علَّ الله أن يهديك ، ولا يتعدى عيبك إلى غيرك . أيها المعلمون : إنَّ طلابكم بمنزلة أولادكم ، فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ؛ فلا يظهر منك تفضيل في معاملة أو طول محادثة لأحد منهم على الآخر فتدب بينهم الغيرة المذمومة ، والتنافس المرفوض إنما يفضل بعضهم على بعض بالجد والاجتهاد والأدب ، ونحوها من خصال الخير. فتفضيل بعض الأساتذة بعض طلابهم لنسبهم ، ومراكز آبائهم ظلم لهم ، وكذا إبداء الإعجاب ببعض مقتنياتهم وأدواتهم المدرسية وحسن أقلامهم وحقائبهم أو جمال ملبوسهم وغلاء أسعارها كل هذا يولد عند هؤلاء الأبناء حبَّ الظهور والتنافس بالمظاهر ، وربما عاد إلى آبائهم بالحرج وإثقال نفقات أسرهم لا تشغل بسؤالهم الى أي جهة سافروا في اجازتهم فالله فضل بعضهم على بعض في الرزق . وبعد هذا وذاك أيها المعلم تذكر أنك مرب قبل أن تكون معلماً فاغرس في طلابك تقوى الله ، والمحافظة على الصلاة ، والصدق في القول والعمل ، وحذرهم من رفقاء السوء وكيف يتخلصون منهم تصريحاً وتلميحاً . بصرهم أنَّ هناك جهوداً حشدت لاستغفال شباب المسلمين وتخديرهم بالشهوة المحرمة عبر الصورة السافلة في القناة الهابطة والمجلة الرديئة بعدهم باضرار التقنية الحديثة وكيف يؤخذ النافع والضار اعرف الطرق التي تتوصل بها إلى طلابك قدر ظروفهم واحترم مشاعرهم وأعطهم القدر اللازم من الثقة بنفوسهم ، والمحاولة بعد الخطأ . ابد اهتماماً بمشاكلهم وأنها من مشاكلك ، تلمس حاجاتهم المادية وكن عوناً لهم على التغلب عليها حتى لا يستغل فقرهم وحاجتهم استغلالاً سيئاً يضر بهم . واعلم أن من الطلاب من يكون عنده جنوح أخلاقي نتيجة ظروف أسرية أو غيرها ، ولكن تبقى فيه روح الخير تحتاج إلى دفع ناصح ، وتحريك غيور . ثم تذكر أيها المعلم أن دور المعلم الذي سمعت شيئاً وغابت أشياء ليس دوراً لأستاذ المادة الشرعية فحسب بل دور كل معلم ، وقد لا نبالغ إن قلنا إن دور غير المعلم الشرعي آكد فأستاذ الرياضيات والمواد التجريبية بل أستاذ مادة اللغة الإنجليزية عليهم نصيب ، وكل راع ومسؤول عن رعيته . فاستعينوا بالله وعليكم بالصبر وعدم استعجال النتائج فقد لا يظهر أثر غرسك وثمار بذلك إلا بعد سنين . جعلني الله وإياكم متعاونين على البر والتقوى مفاتيح للخير ، مغاليق للشر الحمد لله يقلب الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله الأخيار الأطهار وسلَّم تسلينماً كثيراً ... أما بعد :- فإنَّ الحديث عن العام الدراسي حديث ذو شجون فحق علينا أن نذكر إدارة المدرسة بقول النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم فيا مدير المدرسة ونحوها من قطاع التعليم : اعلم أنك المسؤول الأول والناس يسألون عن مدير المدرسة قبل غيره ، ومن تحت يدك من مدرسين وإداريين بل وطلاب ينظرون إليك فنشاطهم من نشاطك وضعفهم وإهمالهم من ضعفك وإهمالك فاسأل الله دوماً التوفيق ، واتخذ بطانة ناصحة من المنتسبين للمدرسة أو غيرهم فلا خاب من استشار . وكن رجَّاعا للحق فهي صفة المخلصين الذين لا يريدون علواً في الأرض ، ولا فساداً . أما الحديث مع الأولياء والطلاب فهو حديث طويل ، وما لا يدرك لا يترك فالله الله أيها الطالب بالجد والاجتهاد . واستغلال الوقت ، واعلم أن الوقت ماض على الجميع الجاد في جده والهازل في هزله فاختر لنفسك أي الطريقين أيها الطالب : كيف يكون للهزل متسع في وقتك وأنت ترى أعداء الإسلام كشروا عن أنيابهم وصرحوا بعداوتهم ، وما تخفي صدورهم أكبر ، وودوا ما عنتم . كيف تستهوي الإهمال ، وعدم المبالاة وأنت تسمع أخبار الأمم القلقة ، والشعوب المتوترة تعطلت مصالح دينهم ، وفسدت أمور دنياهم . ثم أنت في بحبوبة من العيش أمن في وطنك ، ورغد في عيشك قد كفيت كل همٍّ ، ولم تطالب بأي مسؤولية إلا مسؤولية دراستك ومتابعة أساتذتك فهل لك عذر إن قصرت في هذا !؟ فلا عاصم اليوم من أمر الله إلا بالرجوع لدينه والتمسك بتعاليمه والتسلح بالعلم الصحيح الشرعي والتجريبي فما أحوج الأمة إلى أبنائها ، وما أفقرها إلى تكاتف رجالها .