• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة 22-2-1434هـ بعنوان دعوة والدة

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  6.0K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
إن الحمد لله ...
أما بعد:-
(فاللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات)
ما هذا ؟
دعوة من والدة على والدها !
واستجاب الله دعوتها ؟
من هذه ؟
وما سبب هذه الدعوة ؟
وما القصة ؟
وما معنى هذه الدعوة التي استجاب الله لصاحبتها ؟
أما معنى هذه الدعوة: فالمومسات هن - نسأل الله العافية - الزانيات الفاجرات المجاهرات بالزنا .
فهذه الأم دعت على ابنها ألا يموت حتى يرى وجوه النساء العاهرات الزواني !
أما قصة هذه الأم مع ابنها فاستمع إليها من حديث الصادق المصدوق الذي لا يحدث بالأباطيل والأساطير (إن هو إلا وحي يوحى) .
استمع إليه وهو يحدث أصحابه بقصة هذه المرأة لأخذ العبرة والعظة .
وهو القائل صلى الله عليه وسلم حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج .
يقول أبو هريرة رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى, وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج كان يصلي جاءته أمه فدعته فقال أجيبها أو أصلي فقالت اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات وكان جريج في صومعته فتعرضت له امرأة وكلمته فأبى فأتت راعيا فأمكنته من نفسها فولدت غلاما فقالت: مِن جريج!
فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه وسبوه فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام.
فقال: من أبوك يا غلام، قال: الراعي.
قالوا: نبني صومعتك من ذهب، قال: لا إلا من طين" متفق عليه .
وشاهدنا من هذه القصة قصة الرجل المسمى بجريج !
احفظ اسمه (جريج) .
شاب عابد، حببت إليه الخلوة في مناجاة الله، ووجد أنسه في الصلاة، وطاعة مولاة .
فما أعظم فتح الله عليه !
فهنيئاً له، وهنيئاً لوالديه .
حفظ نفسه من نزوات الشباب فقرت عينه، وعين والديه.
أراد الله أن يبتليه ويبقي ذكره، ويعلي شأنه، فها هو نبي آخر الزمان صلى الله عليه وسلم يروي لأمته قصته .
وفي هذه القصة يجري الله على يديه كرامة عظيمة، وآية بينة .
فبينما هذا الشاب الصالح في صلاته، ويناجي ربه إذا بأمه تناديه فسمع نداءها .
فتردد في قلبه: حق الأم، وواجب الطاعة، وحق ربه وهذه الصلاة التي شرع فيها .
ومن أصعب الأشياء اتخاذ القرار المناسب في الوقت الضيق فتردد في قلبه (أجيبها أو أصلي) ؟
فحسم هذا التردد عجلة أمه، وتسرعُها حيث تأخر عليها فحملها غضبها أن دعت عليه تلك الدعوة السيئة ونعوذ بالله من ساعات الغضب - دعت عليه تلك الدعوة التي وافقت ساعة إجابة فقبلها الله والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من هذا فقال: " لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير ، ولا تدعوا على أولادكم ، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاءً فيستجيب لكم " رواه مسلم (3009) .
كيف وجعل النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أحد الثلاثة الذين تجاب دعوتهم (دعوةَ الوالد لولده) وفي رواية (أو على ولده مستجابة)
أيها الإخوة: من أعظم ما يتنبه له في هده القصة ويعتبر به الحذر من ساعة الغضب وتفريغ شحنة الغيظ بدعوة أو دعوات لا تملك زمامها وسقط منك خطامها !.
نعم جريج هدا عفا الله عنه ما كان ينبغى منه التأخر عن إجابة نداء أمه فإجابة الأم واجبة، وتلبية دعوتها متعينة والتشاغل بنوافل العبادات مهما أنست به النفس وطمع العبد في ثوابه ومردوده العاجل أو الآجل لا يبيح التفريط أو التثاقل في واجب الوالدين والأم بخصوصها.
ضاع عن جريج أنه لا مقارنة بين الواجب والمستحب ولدا تردد في قلبه ترددا فوته الاتيان بالواجب في وقته وفي هدا أهمية الموازنة بين الأمور ومعرفة ما يسمى بالأولويات وتقديم الأهم على المهم وهدا لا يوصل إليه إلا بالعلم الراسخ الذي يولد الحكمة ويعطى الفقه الصحيح في النوازل "ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا" .
فإن عدمت العلم فالله تعالى يقول " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "
فاسأل أيهما أولى, وأي العملين أحب إلى الله؟ .
وهل علي إثم لو تركت كذا وفعلت كذا ؟
بهذا تدرك خير الخيرين وأفضل الطريقين .
أيها الولد المبارك لا مقارنة بين حق الوالدين وحق الأصحاب والزملاء
فحق الوالدين لا يدفع بالانشغال أن كنت في حاجة زميلك، أو جلسة مع رفاقك الدين تحبهم ويحبونك .
أيها الولد المبارك: لا مقارنة بين حق الوالدين وحق الزوجة والأولاد .
ومع هدا أعينوا أيها الآباء أبناءكم على بركم .
ورحم الله أباً أعان ولده على بره .
والله تعالى يقول " وإن تغفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم" .
والرجل العاقل يدرك ما فات أم جريج حينما دعت على ولدها تلك الدعوة التي أدركته، وسرعان ما تحققت .
الوالد العاقل يدرك أن من أشدِّ من سيشقى بالدعوة على الولد هو الوالد نفسَه، وإن تجلد الوالد وأظهر عدم مبالاته فهي انتفاخة الهر سرعان ما تخبو لما جعله الله في قلب الوالد لولده .
فالدعوة بالمرض أو العمى أو الصم يقوى عليها أحد الوالدين في ساعة غضب، وتضيع قوته حينما يحل المكروه وينزل !
وأسوا الدعوات دعوة بنقص دين المدعو عليه، أو عدم توفيقه، أو دعاء بلعنة، أو غضب أو نار .
فلم يكن الدعاء على الأولاد أسلوباً تربوياً ولا هدياً نبوياً.
بعد التنبه والاستدراك على جريج وأمه والتفطن لما فاتهما.
وقفة عجب ورهبة مع تلك الدعوة (اللهم لا تمته حتى يرى وجوه المومسات)
دعوة أمدها ما امتدت به الحياة (لاتمته)
حتى يرى ويشاهد وجوه من غضب الله عليهن واخترن العهر والزنا على العفة والطهارة .
إدن تأمل معي!
رؤية وجوه العاهرات عقوبة تسلط على العبد بذنب ألم به فهدا جريج لما فرط في حق أمه اختارت أمه من العقوبات العاجلة أن يرى تلك الوجوه القذرة .
إي والله !.
وكيف لا تكون رؤية وجوه العاصيات بالزنا والفاحشة عقوبة من الله ؟ .
ورؤيتهن رؤية لخلق خرج عن طاعة الله وفسق بمعصيته!
رؤيتهن ظلمة في القلب تفقد القلب سكينته وإخباته!
رؤيتهن ثقل في الطاعة وتكاسل عن ميادين الخير والمسابقة .
رؤيتهن تخدير للرغبة في الخير الديني والدنيوي ومن أطلق بصره في هده الوجوه فهو انتكاس في مصالحه وتضييع لعمله ووظيفته وإخلال وتخلف عن دراسته وتحصيله .
رؤيتهن سبب لتعلق القلب بما رأى وتطلعه لما حرم الله عليه فيزهد فيما أحل له فهو الكاره لزوجته، الراغب عنها، فلم تعد زوجته سبباً لحفظ فرجه وغض بصره .
فما أشد نكد عيشه، وأيُّ سحابة سوء علت بيته، وأمطرت حياته .
هذه دعوة أم جريج هل عقلتها أيها المبارك !
وهل نعقل أن رؤية هؤلاء العاهرات عقوبة تسلط على المرء بذنبه أو اختبار من الله يقدره على عبده .
إذن مهلاً يا من يقلب ناظريه في المومسات العاهرات في القنوات والمواقع .
يا من اختار عري حاملات الإيدز من بنات الشرق أو الغرب متعة ناظريه وجمارة قلبه ونشوة روحه .
فأسعد لحظات سروره ما سر مقلته وإن أضر بقلبه ومهجته وقلب ميزان حياته .
أيها المبتلى بالنظر الحرام إن من تنظر إليهن هن بمنزلة الكنف ومراحيض الحمامات التي يركبهن كل من له حاجة ليقضيها !.
فما ظنك برب العالمين، الذي قال ممتناً عليك بنعمته: ألم نجعل له عينين .
وتوعد من أعرض عن ذكره واستعمل نعمته في معصيته (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال: كذلك أتت آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى)
ثم سنة الله في العقوبة ماضية (وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى)
فيا مرتاد المواقع الإباحية، وتسورت ما حجب منها أتدري من أباحها ؟
هو من قال الله عنه: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجدوا أكثرهم شاكرين)
فإن حملت ما رأيت وقرت به عينك رغبة في تكرار نظره، وترديد مشاهدته، ثم تسويقه بإهدائه، وتنـزبله، واطلاع من رق دينه، وضعفت مراقبته .
فقد أصبحت من جند إبليس وخدامه وأتباعه .
(ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه)
نسأل الله العافية والسلامة .
فيا أصحاب الجوالات الذكية ومقتني أدقِّ وسائل الاتصال والتواصل مع العالم وقد حقق عدوكم كثيراً من رغبته فيكم عبر هده الوسائل اعلموا إن لله عقوبة ليست خسفاً بأجسادكم، ولا مسخاً لصوركم، ولكنها قسوة قلب يستلذ بها المحرم، ويعشق ما نهى الله عنه فلا يكاد يفيق من سكرته ولا تنقضي به حيرته، ولا تتركه حبال غفلته .





الحمد لله
إن سألت عن نهاية هدا الشاب ؟
فقد علمت أن دعوة أمه قد أدركته وسلط الله عليه تلك المرأة التى راودته عن نفسها فعصمه الله، ثم مكنت نفسها من راعي في الحي فزنت وحملت منه سفاحا وولدت غلاما فألصقته بهدا الشاب زوراً وبهتاناً .
تجمع القوم منكرين ما سمعوا متهمين جريجاً بالتمسح بالدين وهو بعيد منه فهدموا صومعته مكان عبادته، وضربوه وسبوه .
ولكن الله يدافع عن الدين آمنوا وما كان الله ليضيع إيمانكم .
فما كان له حيلة يدفع بها عن نفسه إلا اللجأ إلى الله والصدق في مناجاته وسؤال الخلاص من تلك الورطة والمكيدة ...
توضأ وصلى ودعا الله بالفرج فهو ناصر المظلومين والله يقول (ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون)
(أمن يجيب المضطر إدا دعاه ويكشف السوء)
جاء فرج الله بأمر لم يعتده البشر .
غمر خاصرة الطفل وقال: من أبوك ؟
سؤال موجه لطفل في المهد !
فقال بقدرة الله من غير تردد : أبي الراعي .
فالراعي إذن هو الذي زنى بتلك البغي .
فكبر جريج في أعينهم، وقال قومه المتعجلون: نبني لك صومعتك من دهب !
فقال: لا إلا من طين !
فالصادقون مع الله لا يرضون بالثمن العاجل والقيمة الفانية (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين) .
والمواقف الصعبة لا تكسب أصحابها إلا ثباتاً على الحق ومضياً في تحقيق ما خلق من أجله .
(وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين) .
اللهم إنا نسأل الثبات على صراطك المستقيم .
(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) .
اللهم إنا نعود بك أن يكون ما فتحته علينا من فواتح العلم والتقنية نقصاً علينا في ديننا أو دنيانا .
اللهم أعطنا من خيرها، وأبعد عنا شرها ولا تجعله فتنا علينا أو أولادنا أو بيوتنا، اللهم احفظنا بالإيمان وأعذنا من لكفر والفسوق والعصيان برحمتك يا رحيم يا رحمن .


التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 09:18 مساءً الثلاثاء 1 يونيو 1446.